كلمة المهندس عبدالنبي العكري
في الحفل التأبيني للمناضل عبدالرحمن محمد النعيمي
(شهادات من أصدقاء الرفيق المناضل الراحل عبدالرحمن النعيمي)
جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي
الأحد 18 سبتمبر 2011م
الأخ العزيزعبد النبي سلمان /نائب الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي
الأخوة ممثلي التنظيمات السياسية والمنظمات الأهلية
الأخوة والأخوات الحاضرين
السلام عليكم جميعا ورحمته وبركاته
أود أولاً أن أشكر جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي لتنظيمها هذا الحفل احتفاءا وتكريماً للراحل الكبير المناضل عبدالرحمن محمد النعيمي (سعيد سيف) رحمه الله, حيث يدلي أصدقاؤه وأهله بشهاداتهم ويستحضرون لمحات من معايشته. وهنا يحضرني رفاق غادرونا نفتقدهم جميعاً, الراحل المناضل أحمد الذوادي (أبو قيس) والراحلة المناضله ليلى فخرو,وأخرون مغيبون قسرا وراء القضبان وفي المنافي , ألمناضل ابراهيم شريف ألأمين العام لجمعيه العمل الوطني الديمقراطي ورفاقه في النضال من القيادات والكوادر الوطنيه بمختلف انتماءاتهم ومنظماتهم.
إنه لشرف لي أن أتحدث أمامكم عن رفيق وصديق وأخ عايشته لأربعين عاماً، وعرفته في مختلف مواقع النضال في الوطن والمنافي وفي مختلف ظروف الشدة وما أكثرها والرخاء وما أقلها. وحيث إن الوقت المتاح محدود، سوف أقتصر في شهادتي على الموقف من وحدة القوى الوطنية والوحدة الوطنية وهما قضيتان متلازمتان، فالوحدة الوطنية تتعزز بوحدة القوى الوطنية والعكس صحيح.
أستطيع القول إن شخصية الراحل أبو أمل شخصية جامعة، وكان يؤمن إيماناً عميقاً بتوحيد القوى الوطنيه على صعيد البحرين والخليج وعلى المستوى العربي.
في مسيرة تشكيل الجبهة الشعبية في البحرين خلال السبعينات سعى إلى توحيد نواة الجبهة المشكل من يسار تنظيم حركة القوميين العرب مع التنظيمات اليسارية الأخرى مثل جبهة تحرير شرقي الجزيرة العربية وجبهة تحرير الخليج العربي بقيادة المناضل الشهيد محمد بونفور وشخصيات وطنية مستقلة.
لقد سادت في السبعينات والثمانينات الخلافات الفكرية والأيدلوجية سواء في أوساط اليسار أو فيما بين التيارات اليسارية والقومية والإسلامية، والبحرين ليست استثناء. رغم ذلك فإثر حل المجلس الوطني في البحرين خلال هجمة أغسطس 1975 فقد سعى النعيمي إلى وحده القوى الوطنية حينها وهي
1
الجبهة الشعبية وجبهة التحرير وحزب البعث العربي الإشتراكي، ورغم إنه لم يكن هناك إطار مؤسسي جامع لهذه التنظيمات، إلا أنها أسست لعلاقات تشاور وتعاون فيما بينها في الداخل والخارج في ظل الظروف الصعبة لما بعد هجمة أغسطس 1975 وحقبة أمن الدولة المديدة.
انعكس ذلك إيجاباً على الحركة الجماهيرية العمالية والنسائية والطلابية وعلى المنظمات الأهلية وخصوصاً تشكيل إتحاد عمال البحرين والإتحاد الوطني لطلبة البحرين حيث كان الخط الوطني هو الأساس والتوافق الوطني في المواقف وتشكيل الهيئات هو القاعدة.
لم تكن مسيرة هذا التحالف سلسلة أو سهلة فقد مررنا بمنعطفات صعبة خصوصاً مع الأحداث العاصفة التي شهدتها بلادنا والمنطقة العربية والخلافات التي عصفت بها. لكن أبو أمل حرص على الحد من هذه الخلافات لأن لا تنعكس سلباً على التحالف ما بين هذه القوى ووحدة هذين التنظيمين النقابيين والعمل الوطني عموماً.
وعندما تأزمت العلاقات ما بين الجبهتين الشعبية والتحرير وانعكست سلباً على العمل الجماهيري أسهم كما يعرف الجميع في حوار بناء توج بالوثيقة المشتركة في 1981 والتي أسهمت في حل خلافات فيما بينهما وداخل الإتحاد الوطني لطلبة البحرين أيضاً والتأسيس لاحقاً لتحالف الجبهتين في الثمانينات والتسعينات.
وهنا أود أن أشيد بالموقف الوطني المسؤول لقيادات جبهة التحرير الوطني – البحرين وحزب البعث العربي الإشتراكي – البحرين، والذين أسهموا في بناء تجربة التحالف والدعم المتبادل في ظل تلك الظروف الصعبة.
بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 وإخراج المقاومة ومعها ممثلي حركات التحالف العربية من لبنان، توفرت الظروف، إنطلاقاً من دمشق لتحالف أمتن بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير، وتشكل بناءً عليه إطار مشترك تمثل بلجنة التنسيق لتقود العمل المشترك السياسي والإعلامي والعلاقات، حيث أسهم الراحلين النعيمي والذوادي، ومعهم مناضلون تعرفونهم جميعاً في التأسيس لتجربة إيجابيه رغم أخطائها ونواقصها وانعكست إيجاباً على العمل الأهلي والنقابي المشترك داخل البحرين كما أسهمت في طرح قضية شعب البحرين خليجياً وعربياً ودولياً، وتركت تراثاً غنياً ورائها.
أيها الأخوة والأخوات
عندما برزت على الساحة القوى الإسلامية المعارضة منذ 1979ورغم المواقف السلبية لبعضها اتجاه اليسار البحريني، فإن أبا أمل لم ييأس وأسهم بمبادرته في التقارب التدريجي مع هذه القوى وخصوصاً حركة أحرار البحرين والجبهة الإسلامية والشخصيات الإسلامية المناضلة في البحرين والخليج العربي بحيث أسهم ذلك في خلق العلاقات التحالفية الإيجابية خلال مرحلة التسعينيات أو ما يعرف بانتفاضة التسعينيات و اطلاق العريضة النخبوية ثم العريضة الشعبية ومجمل النضالات في الداخل
2
والخارج لقضية شعب واحد يناضل من أجل هدف واحد وهو استعادة الحياة الدستورية.
طوى النعيمي أكثر من ثلاثة عقود في مختلف المنافي، لكن وفي كل منفى وفي كل الأوقات فقد كانت قضية شعبه هي الأولى وكانت الوحدة الوطنية هي هاجسة ووحدة قوى المعارضة شاغله. ولم يمنعه المنفى من التواصل مع أبناء شعبه ومناضليه، ولذا كان بيته ملجأ للمناضلين البحرينيين القادمين من البحرين أو الخارج.
مرحلة الانفراج والعمل العلني
تهيأت ظروف الانفراج والعمل العلني السياسي والجماهيري بعد سنتين من وصول جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى السلطة في 6 مارس 1999، بعد الاستفتاء على الميثاق في 14 فبراير 2001م حيث يعتبر علامة فارقة في التحول المأمول في سياسات النظام السياسي وأوضاع البلاد، وخلال المرحله ألأنتقاليه حيث لا يزال عدد كبير من قيادات المعارضة والنشطاء السياسيين في المنافي فقد طرحت قضية توحيد الفصائل اليسارية في تنظيم واحد نفسها بقوة، وكان الراحل النعيمي من المتحمسين للمشروع وهكذا تم تداول مسودة التجمع الوطني الديمقراطي.
وبعد عودة الراحل النعيمي إلى البحرين مع قيادات ومناضلين من المعارضة والعمل النقابي والحقوقي، تحولت خيمته في عراد الجديدة إلى موئل للمهنئين وفي ذات الوقت ملتقى لمختلف أبناء الشعب البحريني من مختلف المناطق بمن فيهم المختلفين معه.
هنا طرحت بقوة مهمة توحيد القوى اليسارية الديمقراطية، وكان هناك مشروع التجمع الوطني الديمقراطي، حيث عقد اجتماع المؤسسين في خيمة النعيمي قبل أن تنتقل الاجتماعات إلى نادي العروبة و كان فقيدنا المناضل جاسم فخرو رمز التوافق على هذا المشروع، ولذا فإن وفاته كانت خسارة كبيرة للمشروع والعمل الوطني. ورغم إخفاقنا جميعاً في تحقيق هذا المشروع الذي نفتقده جميعاً، إلا أن أبو أمل ومعه مناضلين من عدة اتجاهات أسسوا جمعية العمل الوطني الديمقراطي كأول جمعية سياسية علنية في مملكة البحرين، والخليج العربي وكان اول امين عام لها لدورتين خلآل مرحله التاسيس الحرجه .
لكن عدم تحقيق قيام جمعية موحدة لليسار الديمقراطي، ورغم ما صاحب تلك الفترة من توترات لم يصب أبو أمل بالإحباط أو ردة الفعل، بل سعى للتأسيس لعلاقات تحالفية مع الجمعيات اليسارية الأخرى. كما بذل جهداً استثنائياً في تأسيس علاقات تحالفية مع الجمعيات الإسلامية المعارضة وخصوصاً الوفاق والعمل الإسلامي.
ورغم الخلافات التي عصفت بأطرف المعارضة إثر انتخابات 2002 فقد عمل أبو أمل جاهداً لائتلاف أطراف المعارضة وشخصياتها في إطار المؤتمر الدستوري،و في إطار تحالف الجمعيات السبع لاحقا.
3
الوحدة الوطنية
شكلت الوحدة الوطنية هاجساً أساسياً لدى أبو أمل وخصوصاً في مرحلة العهد الجديد والعمل السياسي والعلني الواحد. كلنا يدرك الأدوار المدمره التي لعبتها السلطة والقوى السياسية والمجتمعية الطائفية من خلال سياسات التمييز الطائفي والمذهبي، في تعميق الانقسام الطائفي وتمزيق اللحمة الوطنية ومعول هدم لبناء نظام ملكي دستوري ديمقراطي حقيقي.
جسد النعيمي في مسلكه ومواقفه المناضل الوطني والداعية للوحدة الوطنية ونبذ الطائفية فكراً وسلوكاً وممارسة. كان بيته مزاراً لكل الوطنيين البحرينيين وكان جمعية العمل الوطني الديمقراطي التي أسهم في تأسيسها إطاراً جامعاً لأبناء البحرين. ما أن يعلن عن ندوة أو مهرجان أو اجتماع للنعيمي أو يكون مساهما فيه إلا ويتسابق البحرينيون من مختلف الفئات للحضور وكانت حملته الانتخابية في 2006 نموذجاً للحملة الانتخابية الوطنية، حيث كانت مهرجاناته ولقاءاته الانتخابية تجمعاً لكل البحرينيين وليس أبناء الدائرة والقضايا المطروحة قضايا الوطن وليست فئة منه.
نتذكر كلماته "ليس الدستور شأناً شيعياً أو سنياً، إنه شأن وطني".
تواجد النعيمي حيثما يتواجد أبناء شعبه، في المنتديات والمجالس والمساجد والحسينيات في الأفراح والأتراح وزار الفقراء قبل الأغنياء في بيوتهم ومجالسهم.
عندما داهمه المرض الذي تسبب في غيبوبته الطويلة منذ أبريل 2007 فقد تحولت الرياض ولأكثر من عام حيث يعالج إلى موئل لأحبته، وبعد نقله إلى وطنه البحرين أضحى منزله مزاراً للمواطنين ولأصدقائه من العرب والأجانب، على امتداد أكثر من أربع سنوات.
أبو أمل وهو في غيبوبته الطويلة حاضر بقوة في ضمير مواطنين وأصدقائه وأحبته في كل مكان، لم ييأسوا من قيامه ورجوعه إلى مواقع النضال.. لقد افتقدوه في الملمات والمنعطفات الصعبة.
وحتى عندما تقطعت السبل خلال أشهر الأزمة الأخير فقد كان أحبائه يغامرون بزيارته.
شاء القدر أن يلتحق أبو أمل بجوار ربه في ثاني أيام عيد الفطر المبارك الموافق 1 سبتمبر 2011م والبلاد لم تبرأ بعد من أزمتها والانقسام الطائفي الكريه يخيم على البلاد، والشحن الطائفي المقيت مستمر وأجواء التوتر سائدة. وهنا أسهم المناضل عبدالرحمن النعيمي في وفاته كما أسهم في حياته في التفاف أهالي البحرين حول رمز وطني يوحدهم والتقائهم مع بعضهم البعض فكانت جنازته في اليوم التالي لوفاته في 2 سبتمبر 2011 تظاهرة وطنية، ولأول مرة خلال أشهر الأزمة يتحول مجلس عزاءه في المحرق إلى ساحة لقاء لكل البحرينيين بمن فيهم الفرقاء المختلفين.
أقيمت مجالس العزاء على روحه في مختلف مناطق البحرين تعبيراً عما يكن له المواطنون من حب كذلك تقام لقاءات الاحتفاء به تباعاً في البحرين وخارجها من قبل أصدقائه والمناضلين الذين عرفوه
4
وما احتفاؤنا هذا الا تعبيراً عما يرمز إليه كشخصية وطنية وقومية وأممية جامعة.
أحيي في وقفة الوفاء هذه لأبو أمل، تفاني وإخلاص رفيقة دربه أم أمل والتي كابدت الكثير وكانت في الظل وهي تقوم بصمت بإسناده ورعاية أسرته في فترات غيابه الطويلة ما بين السجون والمهام النضالية. وأحيي أسرته الصغيره المحبة وعائله آل النعيمي الكرام الذين يفخرون بما يمثل لهم أبو أمل واحيي شعب البحرين الوفي لأبوامل وجميع محبيه حول العالم والذين لم ينسوه.
أحيي جميع من واسانا في فقيدنا الغالي من المنظمات والقيادات السياسية والمجتمعية ومن المناضلين والأصدقاء على امتداد العالم، وعبروا بمختلف السبل بإقامة مجالس العزاء أوالاحتفاء أو الكتابة أو التعازي أو الاتصال، فهو فقيدنا جميعاً وهو رمز وطني بحريني كما هو قامة عربية وأممية باسقة إنه نخلة من نخيل بلادي الواقفة بكبرياء.
وإذا كان لنا من عزاء في فقد أبو أمل فهو في تمثل سيرته ومواقفه وتراثه الذي تركه لنا، وللمناضلين الذين أسهم في تربيتهم أو عملوا وتفاعلوا معه، أو في التنظيمات التي أسهم فيها، بروح نقدية دون تقديس فهو في سيرته ومواقفه يمقت التقديس والتزلف.
ونحن نعيش أجواء الانقسام الطائفي، ووطأة العقاب الجماعي بحق طلاب الحرية والحقوق، فإن الوفاء لأبو أمل هو في صحوة شعب البحرين بمختلف فئاته فإن مصيرهم واحد ومصلحتهم واحدة وخلاصهم واحد بالوحدة الوطنية، وقبر الطائفية ونبذ المحرضين على الكراهية والانتقام ومقاومته الاستبداد والتسلط، وبالنضال المشترك نحو مجتمع التآخي والمحبة والدولة الديمقراطية العادلة حيث لا تمييز ولا امتيازات.
لا زال عندنا أمل إن الإصلاح الديمقراطي الشامل هو الحل وهو البديل لسياسية القهر والتمييز.
تحية لروح أبو أمل الطاهرة
والبقاء لمثل الحرية والمحبة والعدل والتآخي والمساواة التي ناضل من أجلها.
والسلام عليكم ورحمته وبركاته