تقرير شيلكوت مقاربة أخلاقية – لا سياسية
كلمة المحرر الأسبوعي لموقع طليعة لبنان
بعد سبع سنوات على تشكيلها، أعلن رئيس اللجنة البريطانية المكلفة بالتحقيق في ظروف وملابسات التدخل البريطاني في حرب العراق عام 2003 في تقرير موجز، أن تدخل بريطانيا في الحرب تم قبل استنفاد الخيارات السلمية، وأن المخططات البريطانية لفترة ما بعد اجتياح العراق كانت غير مناسبة، ولفت إلى أن الأسس القانونية للتدخل العسكري البريطاني ليست مرضية، وكشف أنه تم تحذير بلير بأن التحرك العسكري سيزيد نشاط القاعدة في بريطانياً.
هذا التقرير الذي اُختصرت عناوينه الأساسية ببضع فقرات، هو بطبيعة الحال أقل بكثير مما احتواه من وثائق ومستندات وتصاريح ومواقف ووقائع مادية موثقة. وهو لم يأتِ بشيء جديد عما هو معروف وعما أعلن عنه في الأوساط الرسمية والصحفية الأميركية والبريطانية. فأميركا وعلى لسان رئيسها اعترفت بأنها بنت خطتها استناداً إلى تقارير كاذبة عن علاقة مع القاعدة، أو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، كما أن الصور التي عرضها كولن باول أمام أعضاء مجلس الأمن لقاطرات قال أنها تحتوي على شحنات لأسلحة الدمار الشامل كانت فيلماً مركباً، والأمر نفسه ينطبق على بلير الذي أقر بأن الحرب على العراق كانت خطأ لكن المهم أنه تم إسقاط نظام صدام حسين.
فإذا كانت المرجعيات السياسية التي خططت للحرب ونفذتها من أميركا إلى بريطانيا قد اعترفت بأنها ارتكبت خطأ في شنها الحرب على العراق، فهل يعقل أنها تأتي التقارير التي تصدرها لجان التحقيق – والذي يفترض فيها أن تكون موضوعية بتوصيف يغلب عليه طابع التلطيف من مثل التدخل ثم قبل استنفاد كل الخيارات السلمية والمخططات لفترة ما بعد الاجتياح كانت غير مناسبة أو أن الأسس القانونية للتدخل العسكري ليست مرضية، وأنه تم تحذير بلير بأنه التحرك العسكري سيزيد نشاط القاعدة.
أن التقرير وملخصه لم يرتق إلى مستوى اعتبار الحرب على العراق وما خلفته من نتائج، جريمة حرب، بل وصفها بغير المناسبة وغير المرضية.
ولو سلمنا جدلاً أن التقرير الذي لامس العناوين العامة، كان كافياً، وفيه إثبات أن الحرب على العراق لم تكن مبررة لا سياسياً ولا قانونياً، وهذه يمكن إدراجها ضمن المعطى الإيجابي للتحول في الرأي العام الدولي تجاه هذه الحرب التي شنت على العراق، لكن ماذا عن المسؤولية المترتبة سواء في شقها السياسي أم في شق التعويض عن الأضرار التي خلفتها الحرب؟
إن أبسط البديهيات في قوانين العقوبات، أن كل جريمة ترتكب ترتب مسؤولية على مرتكبها، وكل مسؤولية عن فعل جرمي ترتب تعويضاً مادياً ومعنوياً يوازي الضرر الحاصل.
وعن الضرر الذي لحق بالعراق واستطراداً بالأمة العربية والعالم فهو كبير جداً ومن تولد عن فعله ضرر عليه أن يتحمل تبعات عمله.
لقد دمر العراق، تدميراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً، وأن المسؤولين عن هذا التدمير هم الذين شنو الحرب وهوياتهم ليست مخفية، وبالتالي عليهم تحمل عبء التعويض. والتعويض يجب أن يكون سياسياً ومادياً.
وإذا كان التعويض المادي يتناول كل الضرر المقدر في الحاضر والمستقبل فإن التعويض السياسي يكون بإزالة مفاعيل النتائج السياسية التي ترتبت على غزو العراق واحتلاله.
وطالما أن التقارير التي تصدرها لجان التحقيق عن الحرب العراق لا تتطرق إلى تحميل المسؤولية السياسية، ولا تربط تحمل هذه المسؤولية بالتعويض المادي والساسي، فإنها تبقى تقارير مفتقرة إلى المعايير الموضوعية، وهي مما تتضمنه ومنها تقرير لجنة شيلكوت الأخير، إنما تلامس الأمور من جانبها الأخلاقي دون المسؤولية السياسية وما يجب التأكيد عليه هو المساءلة السياسية عن فعل افتقر إلى مبرراته السياسية القانونية، وليس كما وضعها التقرير بأنها غير مرضية.
إن تقرير لجنة شيلكوت، لم يأت بشيء جديد على ما هو متداول ومعروف ومقربه أميركياً وبريطانياً، ولذلك بقي دون ما هو مطلوب لجهة تحمل المسؤولية السياسية والقانونية، والتي بالاستناد إليها تترتب النتائج ومنها التعويض بشقيه السياسي المادي.
لكن مع كل ذلك يبقى التقرير وثيقة يمكن الاستناد إليها لمقاضاة من ارتكب جريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية ضد العراق وشعبه وهذا الجرائم لا تسقط بالتقادم، وقد حفظ القانون الدولي الإنساني للقضاء الجزائي الدولي اختصاصه لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والأساس أن يبقى مطلب المقاضاة شعار مرفوعاً في وجه مجرمي الحروب وأولهما أميركا.