هاني الفردان
قضية هدم المساجد في البحرين، من أكثر القضايا التي شهدتها البحرين فظاعةً خلال الأزمة التي انطلقت من 14 فبراير/ شباط 2011، ومازلنا نعيش تداعياتها حتى الآن.
هذه القضية، التي لفتت انتباه العالم بأسره، حيث شكّلت ظاهرةً غريبةً وعجيبة، حتى تطرّق الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الشهير بشأن الشرق الأوسط بتاريخ 19 مايو/ أيار 2011 إلى الحديث بشكل واضح وصريح، مُدِيناً هدم المساجد في البحرين، حيث قال: «الأقباط يجب أن يمارسوا عباداتهم في مصر بكل حرية، ولا يجوز أن تهدم مساجد الشيعة في البحرين».
هذه القضية التي تناولها بإسهاب تقرير لجنة تقصي الحقائق التي عينها عاهل البلاد، وقبل بكل توصياتها وتعهدت الحكومة بتنفيذها كاملة، تسعى وزارتا «العدل والشئون الإسلامية» و«البلديات والتخطيط العمراني»، إلى إظهار الموضوع على غير ما جاء فيه من توصيات، بل شرعت لنفسها هدم ما يُراد إعادة إعماره من المساجد المهدمة بناءًً على «توصيات تقصي الحقائق»، وتعهدات النظام بذلك.
وقد فندنا في مقال سابق ما ذكرته وزارة العدل بشأن توصيات تقصي الحقائق التي كانت واضحة وصريحة ولا يمكن الجدال فيها، فقد ذكر التقرير في التوصية العامة رقم (11) «تعرضت عدد من دور العبادة للهدم في أعقاب أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، وقد قامت اللجنة بتوقيع الكشف على ثلاثين من دور العبادة وتبين أن خمسة منها فقط كانت مستوفية للشروط القانونية والإدارية اللازمة، ولكن ذلك لم يمنع اللجنة من أن تنظر بقدر من القلق إلى توقيت الهدم… فقد كان على حكومة البحرين أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند تحديد توقيت الهدم وأسلوبه لأن عدم مراعاة ذلك تسبب في أن يُنظر إلى حالات الهدم باعتبارها عقاباً جماعياً لأنها طُبِّقت على أبنية شيعية في الأساس، ومن ثم تسببت في زيادة التوتر بين الحكومة والسكان الشيعة».
كما جاء في تقرير اللجنة في الصفحة 417 المبحث الأول – هدم المنشآت الدينية – الفقرة (1335) والمتعلقة بالتوصيات أنه «في 22 مايو/ أيار 2011 أعلن جلالة الملك حمد بن عيسى أنه سيتم بناء دور عبادة جديدة للشيعة». وقد صدر هذا الإعلان بعد فترةٍ وجيزةٍ من تعرض عدد من دور العبادة إلى الهدم من قبل حكومة البحرين. والسؤال هل تم تنفيذ ذلك الإعلان؟
وأوصت اللجنة في الفقرة (1336) بمتابعة إعلان جلالة الملك بأن حكومة البحرين ستقوم ببناء أماكن العبادة على نفقتها عوضاً عن الأماكن التي تعرضت للهدم بموجب قرارات إدارية. واللجنة ترحب بمعالجة حكومة البحرين لهذه المسألة في أقرب وقت ممكن.
الغريب في موضوع المساجد المهدّمة أن وزارة العدل تتحدث في بياناتها عن أن لجنة تقصي الحقائق أثبتت قيام السلطات البحرينية بهدم خمسة مساجد للشيعة مستوفية كل الشروط، فما هو حكم من أصدر قرار هدم تلك المساجد؟
لن نتحدث عن كل المساجد التي هدمت والتي تسعى الوزارتان لتبرئة ساحتيهما بالحديث عن عدم ترخيصها، بل سنتحدث فقط عن خمسة مساجد أقر الجميع بمسجديتها، وكونها بيوتاً من بيوت الله… إذاً، لماذا هدمت بيوت الله الخمسة؟ ومن يتحمل المسئولية؟ ومتى سيحاسب؟
وزير العدل قال في تصريح له بتاريخ 21 مارس/ آذار 2012 عن المساجد المهدمة، إنه «إذا كان هناك شخص تورط في هدم مسجد مبني وفقاً للقانون وأرضه مصرح أنها مخصصة للمسجد والتصريح صدر للمسجد فإنه يجب محاسبته (…)»، والسؤال لمعالي الوزير: منذ تصريحك هذا مضى عام وثلاثة أشهر وسبعة أيام، ولم نشهد محاسبة أي مسئول عن هدم المساجد الخمسة التي تعترفون بمسجديتها؟
في الجانب الآخر هناك جهات تمارس قلب الحقائق في موضوع هدم مساجد الله، بل تمادت لتطالب بهدم المزيد رغم أنها تضع بعد اسم جمعيتها مصطلح «إسلامية»، هي الأخرى اعترفت بهدم مساجد للمسلمين في البحرين، ولكنها لم تستنكر بل تمادت لتطالب بهدم مساجد أخرى.
نعم… كفاكم قلباً للحقائق بشأن المساجد المهدّمة، واحترام مقدسات المسلمين، ففضيحتها منذ هدمها حتى الآن مدوية ومزلزلة.