قاسم حسين
بدأت مقال الأربعاء الماضي، بالقول إن الحكومة استعدت لـ «واقعة جنيف» بإرسال وفدٍ مكوّنٍ من أكثر من مئة شخص، بينما ضمّ الوفد الأهلي ربع هذا العدد، إذ لا يتجاوز خمسة وعشرين فرداً من الناشطين السياسيين والحقوقيين والأطباء والمحامين.
الرقم استقيته من اتصالٍ مباشرٍ بأحد الحقوقيين المخضرمين، قبل يومٍ واحدٍ من الجلسة الختامية، ولكن إحدى الصحف نشرت أمس العدد الدقيق، حيث زيّنت صفحتها الأولى بصورةٍ جمعت ثلاثين مشاركاً بحرينياً، بالإضافة إلى أربعة ناشطين خليجيين متعاطفين مع الحراك السياسي الشعبي في البحرين. ويبدو أن رقم الصحيفة أدق من رقم صاحبنا، لأنها تنقل عن مصادرها «السرية» المرتبطة بالأجهزة الميتافيزيقية! وفي هذه الحالة… إذا قالت حذام فصدّقوها… فإن الرقم ما قالت حذامِ!
وما يرجّح هذه النظرية، ولكي لا نُتهم بتبني نظرية المؤامرة، ترك مساحات فارغة لصور أربعة أشخاص، يبدو أن الأجهزة «الميتافيزيقية» لم تعثر لهم على صورٍ مخزّنةٍ في ارشيفها القديم، مع أننا دخلنا زمن الآيباد والبلاي ستيشن والآيفون 5!
الأطرف من ذلك، نشر صورة النائب السابق جميل كاظم، الذي لم يُغادر إلى جنيف (وكذلك فلاح ربيع صاحب الصورة الأولى في القائمة!)، محل صورة النائب جاسم حسين (وهو رجل أكاديمي) الذي طرح ورقة عن الآثار الاقتصادية للتسريح الجماعي للعمال والموظفين حيث بلغ عددهم 6 آلاف مواطن، في مختلف قطاعات الإنتاج، وهو رقمٌ ضخمٌ في بلدٍ تعداده نصف مليون فقط. وللعلم فإن ثلثي الوفد عاطلون أو منفيون أو مفصولون قسراً من أعمالهم.
المفاجأة السارة للكثيرين، أن الصحيفة نشرت الصور بحجمٍ أكبر في صفحة داخلية، واعتبرت ذلك كشفاً خطيراً عن قائمة المشاركين بتشويه سمعة البحرين في جنيف! مع أنه وفد أهلي، أفراده ناشطون سياسيون (11) أو حقوقيون (7) وأغلبهم يعملون من داخل البحرين، ولهم آراء معارضة للحكم لا يخفونها ولا يستعرِّون منها. ومن بينهم نواب سابقون (3) وبلدي (1)، وطبيب وطبيبة من الكادر الطبي الذين اتهموا باحتلال «مستشفى السلمانية» وامتلاك أسلحة نووية وجرثومية قاتلة! وهناك صحافيان، وشخصيتان دينيتان، وشخصيتان نقابيتان، أحدهما الأمين العام لاتحاد عمال البحرين.
من الناحية الجندرية، هناك تسع نساء يمثلن ثلث تشكيلة الفريق الأهلي، من بينهن أربع ناشطات سياسيات، (مرشحة برلمانية؛ ناشطتان بجمعية معارضة زوج أحدهما معتقلٌ قبل عام؛ وناشطة حقوقية أبوها وأختها الصغرى معتقلان). وفي هذه التشكيلة طبيبتان، احترت في تعريف إحداهما، هل هي ناشطة حقوقية أم سياسية أم نقابية؟ وإذا اخترنا الصفة الأخيرة سيكون لدينا نقابيتان، (رئيسة جمعية التمريض البحرينية، ونائبة رئيس جمعية المعلمين البحرينية).
تقرير بسيوني، انتقد بعض برامج التلفزيون والكتابات الصحافية التحريضية، التي ساهمت في اعتقال وتعذيب الآلاف من المواطنين، رجالاً ونساءً، وفصلهم من أعمالهم وقطع أرزاقهم وتقديمهم للمحاكمات. وهذا النهج الذي طالب بسيوني بتغييره لتصحّح البحرين مسارها السياسي والحقوقي، مازال مستمراً مع هذه الجيوب الإعلامية المنتفخة التي مازلت تعاني من الاحتقان العنصري. ففي الجدول المرفق نشرت أسماء الجهات التي يعمل بها المشاركون، ومن بينها وزارتا الصحة والتربية، في خطوةٍ تمهيديةٍ لاستهدافهم كما فعلوا من قبل في الوشاية بغيرهم. وهو ما يؤكّد المخاوف التي عبّر عنها كبار الشخصيات في المحافل الحقوقية الدولية مثل المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي.
خبراء السياسة الدولية يقولون إن وضع الدوائر حول الوجوه تمهيداً لاستهداف المعارضين طريقة أول من ابتدعها الوزير الألماني جوبلز رحمه الله!