مريم الشروقي
كم تشابكت دموعي وفرحتي يوم الأربعاء، عندما تخرّج ابن اختي بعد عناء 18 عاماً، قضاها بين المثابرة والاجتهاد والعمل المتواصل من أجل أن يصبحَ طبيباً نفتخر به، وها هي الأيّام مضت مسرعةً تهرول، تستقبل حضور والديه للاحتفال بانتصاره.
ما ان بدأ ناصر وأصحابه يردّدون قَسَم الطبيب، حتى هدأت القاعة، لتشاهد الجدّية على وجوه الطلبة الخرّيجين ووجوه ذويهم، وما هي إلاّ لحظات حتى أعلن عريف الحفل الانتهاء وباركَ للأطبّاء ودعا إليهم.
بعد الحفل التقيتُ أحد المصوّرين المحترفين من إحدى الصحف المحلّية المعروفة، وأبدى رأيه في قَسَم الطبيب، وذكر لي أنّ الصحافي لابد له أن يقسم كذلك، لأنّه يرى عورات الناس، ويشاهد آلامهم، ويعالج قضاياهم، فمهنته لا تقل خطورةً عن مهنة الطبيب الذي يعالج الأجسام، إذ إنّه يعالج المجتمعات. ووافقته على رأيه، فلقد كان سديداً، وخصوصاً بعد الأحداث التي شهدتها البحرين، فالصحافي لَعبَ دوراً خطيراً بين عرض الحقائق كما هي، وبين تزييفها لتضليل الرأي العام، وكان القارئ مشتّت الفكر بين هذين النوعين من الصحافيين!
لابد لنا من قَسَم خاص بالصحافة، ولابد أن نؤكّد خطورة دور الصحافي في إثارة الفوضى وزيادة الطأفنة وإبعاد الناس عن المطالب الحقيقية، فهو سلاحٌ ذو حدّين، ورأيه يؤثّر على شريحة غير قليلة من المجتمع، أفراداً أو مؤسّسات أو فرجاناً أو أطيافاً ومناطق، فهل نستطيع الحصول على قَسَم خاص بالصحافيين؟
إنّ مهنة الصحافة مهنة ضمير، وتكاد تفسد الأمم وتنهار عندما يبعد الصحافي عن ضميره، ليستبدله بمصالح شخصية وأغراض فردية، وعندها يقع المحظور، وتتحول الحقائق إلى آلة فتَّاكة بعقول الناس، لإشباع رغباتهم، ولتفتيت النسيج الوطني المتين.
فهذه الكلمة التي يكتبها أحدهم؛ قد تقوم بمعالجة قضايا المجتمع، وقد تخفي قضايا الفساد، وقد تكون كلمةً صامتةً لا تفيد أحداً، وبالطبع كلّنا يريد الحقائق، وجميعنا يطمح إلى الحرّيات الصحافية، وأنّى لنا ذلك في ظل تكبيل الكلمة وتقييدها؟
قَسَم الطبيب يبدأ بالآتي:
– أن أكرّس نفسي بكل قداسة من أجل خدمة البشرية.
– أن أقدّم لمعلمِيّ الاحترام والتقدير الذي يستحقّونه.
– سأمارس مهنتي بضمير ونبالة، صحّة مريضي لها الاعتبار الأوّل.
– سأحافظ بكل السبل التي أمتلكها على الشرف والتقاليد النبيلة لمهنة الطب، زملائي سيكونون إخوتي وأخواتي.
– لن أدعَ اعتبارات الدين أو الجنسية أو العرق أو التوجّه السياسي أو المكانة الاجتماعية أو السن أو المرض أو الإعاقة أو الجنس أو أي أمر آخر تتدخّل بين تأدية واجبي ومريضي.
– سأحافظ على أقصى احترام لحياة الإنسان في وقت العمل، ولن أستخدم معرفتي الطبّية في مخالفة القوانين الإنسانية حتى تحت التهديد.
– أقوم بهذه الوعود بكل قداسة وحرّية بشرفي.
هذه هي البنود الرئيسية في قَسَم الطبيب، فتصوّروا لو كانت البنود نفسها يُقسم عليها أعضاء الجسم الصحافي، لكنا بألف خير، فميثاق الشرف والقَسَم على هذه المحكّات، يحوّل المجتمعات من زمن التخلّف إلى عهد من النمو والتقدّم. فهل نستطيع يوماً سنّ قَسَم للصحافيين في شتى بقاع الأرض؟ مهنة الصحافة هي مهنة شرف وأمانة، فمن يستطيع حملها يا تُرى؟
نبارك لأطبّائنا الخريّجين ونتمنّى لهم مستقبلاً زاهراً في مهنة الطب العظيمة، كما نتمنى منهم المحافظة على قَسمهم، حتى لا يخرج من لسانهم فقط، بل ليكن ميثاقاً يعملون به طوال حياتهم. وجمعة مباركة.