عبد العزيز المقالح
أكتب موضوع هذه الزاوية بعد مؤتمر القمة في بغداد، الذي تولت الإعداد له والإشراف على إقامته منظمة تدعى “الجامعة العربية”، وسبق لها أن أقامت عشرات القمم، ابتداء من منتصف ستينات القرن الماضي، ووصلت مرحلة الشيخوخة في ثمانينينات القرن نفسه، وكان على العرب الذين تعقد هذه القمم باسمهم ولحل مشكلاتهم أن يخرجوا من مدنهم وقراهم صارخين كفى قمماً ونحن في الحضيض، وكفى قمماً أوصلتنا إلى هذه الحال وقادت بعض الأقطار العربية إلى الاحتلال، كما هو الحال في العراق الذي تمّ ضرب قواته ثم احتلاله بمباركة مباشرة أو غيره مباشرة من الجامعة العربية .
إن عقد مؤتمر في بغداد وسط حمامات الدم المتلاحقة، وتحت نظام المحاصصة الطائفية لن يكون إلا ذراً للرماد في العيون، لإخفاء أكبر محنة يعانيها قطر عربي معرَّض للتفكيك والحروب الأهلية، ولن يكون هذا المؤتمر سوى امتداد في الشكل والمعنى لقمم سابقة، بكل أجندتها المكررة وتوصياتها التي تموت وتتلاشى قبل أن يجف حبرها، فالعمل العربي المشترك لا وجود له بالمعنى الحقيقي على خريطة الواقع العملي . كما أن دور التسكين الذي كانت تقوم به الجامعة العربية قبل أربعين عاماً لم يعد مطلوباً الآن، ولا مقبولاً من الشارع العربي، لاسيما بعد التطورات الأخيرة وما انبثق عنها من ثورات وانتفاضات، وما رافقها من إدانات واسعة للأنظمة التي صدرت عنها منظمات ومؤسسات عربية شكلية خادعة تحت مسميات سياسية واقتصادية وثقافية لا تهشّ ولا تنشّ .
إن نظاماً عربياً جديداً ينبغي أن ينهض على أنقاض الأنظمة القائمة، وعملاً عربياً مشتركاً صادقاً وأميناً وفاعلاً ينبغي أن يقوم على أنقاض “الجامعة العربية” التي بقيت على مدى سنوات تسع هي فترة الاحتلال الأمريكي للعراق تمارس صمت القبور، وتنظر إلى ما يحدث في ذلك البلد العربي وكأنه يحدث في المريخ، وها هي ذي تشمّر عن ساعدها وتحثّ أعضاءها على حضور احتفالات “المنطقة الخضراء” في بغداد التي ليست في حاجة إلى قمة قدر حاجتها إلى أمن، وإلى من يمسح دموع الثكالى واليتامى، وإلى من يعزِّي العراق المثخن بالجراح باستشهاد مليون ونصف المليون من أبنائه، ويعتذر له عن سنوات التجاهل والفرجة البليدة .
وتبقى الإشارة إلى أن الحقائق التي كانت واضحة لجميع أبناء العراق أن الاحتلال الأجنبي لم يخرج من بلادهم إلا بعد أن كان قد تمكّن من هدم كل الجسور التي تربط بين مكونات الشعب الواحد، خدمة للصهيونية من جهة، ومن جهة أخرى لتفتيت وحدة هذا البلد المقاتل الشجاع، والأهم تفكيك بنية الدولة الوطنية التاريخية، والعبث بإمكاناته البشرية والطبيعية، وإهدار ثروته ووضعها في أيد غير أمينة ولا حريصة على التطوير والبناء . وقد بقي العراقيون على مدى السنوات التسع التي أمضاها الاحتلال جاثماً على أعناقهم يؤمنون، أنه إذا ما خرج فلن يخرج إلا بقواته، أما أهدافه ومخططاته فسوف تظل قائمة وموضع تنفيذ، وهي تبدو الآن جلية في الماثل من الاتجاهات والممارسات الظاهرة والمختبئة، وفي حالة الرعب التي ستبقى تهدد استقرار هذا البلد العظيم وأمن أبنائه، بوصفها علامة ثابتة من العلامات التي يتركها الغزاة إلى ما بعد رحيلهم لعقود طويلة .
دار الخليج :السبت ,31/03/2012