م. جبار الياسري – كربلاء
قمة تجيبنا و قمة تودينا و ضيعنا الدرب يا هو إلي يدلينا…
ما أكثر القمم العربية حين تعدها… و لكنها في النائبات قليل… كم قمة و قمة تم عقدها منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945 و حتى الآن , و آخرها هذه التي يتم التحضير لانعقادها في بغداد المحتلة.. أواخر هذا الشهر 29 مارس 2012.
للأسف قمة بعد قمة أثبت زعماء العالم العربي براعتهم في إذلال الشعوب العربية قاطبةً , و يوماً بعد يوم يبرهنون لنا تبعيتهم و خنوعهم للقوى الغربية و الإقليمية المعادية و الطامعة بخيرات و ثروات هذه الأمة التي ابتليت بهم , ليحولها من أمة عظيمة كانت بالأمس القريب لها وزنها و دورها بين الأمم عندما كان يقودها قادة و زعماء وطنيون مخلصون , إلى أمة مريضة مستباحة تُحتل دولها و تقضم الواحدة تلو الأخرى و يعبث بوحدتها و أمنها و مستقبل أجيالها كل من هب و دب , و ها هم يسيرون بنا من سيء إلى أسوء , قتلوا العراق بالأمس القريب و اليوم يسيرون بجنازته كي يقوموا بدفنه إلى مثواه الأخير في المنطقة الخضراء , بعد أن سلموه لإيران و غير إيران تعبث و تنهب و تهدد و تتوعد كل من يتقرب منه.
كان من الأجدر بقادة و زعماء العرب بعد مرور أكثر من عقدين على قمة بغداد التي عقدت بعد عامين من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية و دحر و إبعاد الخطر و التهديد الإيراني عن منطقة الخليج العربي و العراق , في قمة بغداد 28-30 ايار/1990: التي أكد القادة العرب فيها على التضامن العربي ونددوا بالسياسة الأميركية الداعمة لـ "إسرائيل"، واستهجنوا فيها إقامة مهاجرين يهود في الأراضي المحتلة بالمطالبة بتهويد القدس. و أكدوا فيها على أن القدس عاصمة لدولة فلسطين، ودعم قيام اليمن الموحد، والتحذير من تصاعد موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين وخطورتها على الأمن القومي العربي، وإدانة قرار الكونغرس الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. كان الأجدر بهم أن يصلحوا الأخطاء و يعتذروا للعراق و شعبه على ما اقترفوه بحقهم طيلة هذه الفترة , و أن يقوموا برأب الصدع و يرفضوا عقد القمة في بغداد كونها لازالت محتلة و مكبلة رغم خروج القوات العسكرية الأمريكية منها نهاية العام الماضي , لكنها بكل المقاييس لا زالت أسيرة وتحت رحمة عصابة و قوانين و دستور الاحتلال و لازالت فاقدة السيادة و الشرعية , لهذا يعتبر عقد القمة في بغداد خطأ فادح و جريمة أخرى تضاف للجرائم السابقة التي إرتكبوها الأشقاء العرب بحقه خاصةً في ظل هذه الظروف الغير إنسانية و الغير أخلاقية التي تمارس تجاه شعب أعزل مكبل مصادرة فيه حريته و حقوقه و كرامته , عقد هذه القمة سيزيد الطين بلة و يزيد من تفاقم أزمة الفقر و المعانات و زيادة السرقات باسم التحضير و الإعداد لهذه القمة التي تعقد على أنقاض دولة و أشلاء شعب بات رهينة بيد هذه الحكومة الإيرانية الأمريكية المركبة و المشوهة.
من حقنا كعرب و كعراقيين أن نتساءل : هل ستكون هذه القمة نسخة مطابقة لقمة القاهرة الاستثنائية سيئة الصيت – 9-10 آب/،1990: التي كرست انقسام العالم العربي، و التي لم تستطيع حل أزمة العراق و الكويت عربياً و تحت سقف البيت العربي؟ بل طالبت بالانسحاب العراقي من الكويت فوراً بدون أن تصغي للجانب العراق و تستمع للأسباب الحقيقية وراء الإقدام على ضم الكويت، و وافقت فوراً على نشر قوات أجنبية و عربية في السعودية ودول الخليج. قمة القاهرة هذه كانت و لا تزال و ستبقى وصمة عار في جبين بعض القادة و الزعماء العرب , حيث أدت إلى الانقسام و التشرذم العربي بين من عارض و من أجاز استخدام القوة ضد العراق لإخراجه بالقوة من الكويت آنذاك , خلال تلك القمة سيئة الصيت تم ارتكاب جريمة تاريخية بحق العراق و الأمة , و كان هنالك انتهاك صارخ و خرق واضح و صريح لبنود و ميثاق الجامعة العربية لأول مرة منذ تأسيسها عام 1945 , عندما تم اتخاذ القرار عبر التصويت بالأكثرية لتمرير قرار ضرب العراق , و تفويض الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها بما فيهم بعض الدول العربية بسحقه و تدميره و إعادته إلى القرون الوسطى , كما وعدنا وزير خارجية أمريكا آنذاك (جيمس بيكر) عندما هدد وزير خارجية العراق الأستاذ طارق عزيز (فك الله أسره) بأن أمريكا و حلفائها قادرة على إعادتكم إلى القرون الوسطى , و هذا التهديد بحد ذاته كان ينم عن حقد دفين على العراق و شعبه , ويدل بوضوح على أن العراق كاد أن يخرج من دول العالم الثالث بعد خروجه من الحرب مع إيران منتصراً و قوياً , الأمر الذي أثار حفيظة و حقد الحاقدين عليه من صهاينة و صفويين , و لم يتوقفوا عند ذلك بل فرضوا على الشعب العراق حصار اقتصادي قل له مثيل في تأريخ العالم , لا زلنا ندفع ضريبة آثاره و مخلفاته المدمرة حتى هذه اللحظة , و أهمها سهولة و تسهيل احتلاله , و إعداد شلة و عصابة إجرامية لحكمه و الهيمنة على ثرواته و مقدراته.
سبعٌ و ستونَ عاماً مضت على عقد أول قمة عربية منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945 في مدينة أنشاص في مصر 28 -29 أيار/1946:التي أقرت مساعدة الشعوب العربية الخاضعة للاستعمار على نيل استقلالها , و طالبت بإيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين كما تقرر "الدفاع عن كيان فلسطين في حال الاعتداء عليه", لكن بعد مضي أكثر من 67 عام على تلك القمة و لسان حال العرب يقول مازلنا ننحدر من سيء إلى أسوء , القمة الأولى كانت تدعوا لوقف هجرة الصهاينة إلى فلسطين , و قمم العرب الأخيرة الهزيلة تدعوا لضياع فلسطين , بالأمس القريب كنا نبكي على ضياعها وطالب أسلافنا بالجهاد من أجل استرجاعها , لكن أجيال حمد و من لف لفه راحوا يطبلون و يزمرون و يزورون الحقائق كي نصدق بعملية السلام بين الصهاينة و الفلسطينيين من جهة , و عملية التطبيع العربية الإسرائيلة التي تقودها دولة قطر العظمى من جهة أخرى , و بدل أن نعيدها و نحررها من الغزاة الصهاينة ألحقنا بها أهم دولة من الدول العربية المهمة… فضيعنا العراق في 2003 , عندما تآمر عليه أبناء جلدته ليقوموا بدعم أمريكا بترليونات الدولارات لتحتله و تدمره , ولتقوم هي بتقديمه على طبق من ذهب لإيران كي تعبث بأمنه و بكرامة شعبه , و لم يتوقفوا عند هذا الأمر بل ألحقوا به ليبيا و تونس و مصر و غداً سوريا بمباركة الربيع العربي المزعوم.
بالعودة لقمة " إعلان حالة الطوارئ في بغداد و عموم العراق ,, من أجل عقد هذه (النقمة) و ليس القمة المزمع عقدها نهاية الشهر الجاري.
منذ أكثر من شهر يعيش العراقيين في عموم العراق , و العاصمة بغداد خاصة حالة من الشلل التام و الترقب الحذر المصحوب بحالة من الخوف و الذعر , أسوء بكثير من حالة أي شعب يعيش حالة إعلان الطوارئ التي تمر بها بعض البلدان عندما يحصل فيها انقلاب عسكري أو عصيان مدني أو حدوث كارثة طبيعية…ما؟, و كأن ما مر به هذا الشعب المنكوب خلال فترة ويلات الحروب و الحصار و السنين التسع الأخيرة و ما جلبته من خراب و دمار و قتل و تشريد و نهب و سلب منظم لا تكفي!!!؟. و لا يكفيهم تقطيع أوصال بغداد على مدى 9 سنوات , و لا يكفيهم عزل مناطق بأكملها في بغداد بأسوار كونكريتيه تشبه جدار برلين , و غلق الطرق و الجسور المهمة التي تربط شطري بغداد , و لا يكفيهم خنق المواطنين في سياراتهم بسبب الاختناقات المرورية القاتلة التي يصل الانتظار فيها أكثر من نصف ساعات اليوم الواحد , بسبب نقاط التفتيش الثابتة و المتحركة و الوهمية لألهاء أكبر عدد ممكن من ما يسمى بمفارز الجيش و الشرطة الساهرة على أمن الوطن و المواطن زوراً و بهتاناً؟؟؟, هذا بالإضافة لاستنفار القوات الأمريكية البالغ عددهم أكثر من 36 ألف عنصر و أكثر منهم من عناصر الشركات الأمنية التي تقوم بحماية المنطقة الخضراء و التي يتقاضون أفرادها مبلغ (30000 ألف دولار شهرياً) أي حوالي ألف دولار في اليوم من أموال العراقيين المساكين.
سوء حظ و طالع العراقيين لا يكفي الحكومة المالكية نهب ثرواتهم و أموالهم بسبب السرقات و البذخ و التبذير على ما يسمى أعضاء البرلمان و الرئاسات الثلاثة , بل راحوا ينهبون أكثر تحت ذريعة عقد القمة التي يعدون العدة لعقدها منذ أكثر من عام , و التي باتت وسيلة من وسائل نهب مليارات الدولارات , التي كما يدعون بأنها رصدت لتزين بغداد و ترميم الفنادق و الشوارع الرئيسية خاصة شارع المطار , أما الفنادق الكبرى في بغداد يقدر الخبراء في مجال البناء و الأعمار بأن الأموال المرصودة لترميمها… تكفي لبناء فنادق جديدة على أعلى المستويات و المواصفات.
أخيراً نتمنى أن لا تنعقد هذه القمة في مثل هكذا ظروف , احتلال مركب , و سيادة منقوصة , و حكومة غير شرعية , صراعات مذهبية قومية بين أحزاب السلطة , و غيرها من المشاكل و الأخطار التي تعصف بالعراق و شعبه و التي لا حصر لها , و في حال عقدها في الوقت المقرر فأنها ستكون سبب مأساوي جديد يضاف لمآسي العراقيين عن طريق استباحة دمائهم و أرواحهم و تبديد أموالهم كما حصل اليوم من جرائم جديدة طالت الأبرياء في خمس محافظات , تضاف إلى مسلسل الجرائم السابقة , يبقى المستفيدين فيها فقط اللصوص و الحرامية و كافة مجرمين الأرض من أصحاب الشركات الأمنية , و يبقى الخاسر الأكبر هو العراق و أبناء شعبه و العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج.
شبكة البصرة
الثلاثاء 27 ربيع الثاني 1433 / 20 آذار 2012