هاني الفردان
قضى فجر الجمعة (18 أبريل/ نيسان 2014) الشاب عبدالعزيز العبار (27 عاماً)، وذلك بعد إصابته قبل 55 يوماً من وفاته بمقذوف ناري أصابه بشكل مباشر في منطقة الرأس.
هذه المعلومة حقيقة لا يمكن لأيٍّ كان أن يدحضها، أو يشكك فيها أو يرفض الاعتراف بها، أو يحاول الهروب والتنكر لها.
وزارة الداخلية أعلنت في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط 2014 عبر حسابها بـ «تويتر»، عن تلقي غرفة العمليات الرئيسية بلاغاً من مستشفى السلمانية مفاده إحضار شخص من قبل ذويه مصاباً في وجهه، والمصاب تم نقله من منطقة سار التي شهدت أعمال شغب وتخريب، مؤكدةً وكالعادة، أن «الجهات المختصة تباشر إجراءاتها».
مرّ على وفاة العبار ستة أيام، وبحسب عائلته، مازالت وزارة الصحة ترفض إصدار شهادة وفاة تفصّل فيها أسباب وفاته، وكذلك سبب الإصابة، وتكتفي بتسبيب الوفاة بـ «تلف في الدماغ»، دون ذكر أسباب ذلك التلف التي أدت لأن يتعرض هذا الشاب الأب لبنت وولد لهذا التلف.
عائلة الشاب العبار رفضت شهادة الوفاة وتسلّم الجثمان، حتى ذكر الأسباب الحقيقية لوفاة ابنها، وهذا حقها، فلا أعتقد أن وزارة الداخلية تعترض مثلاً على ذكر أن سبب الوفاة هو إصابة الشاب بطلق ناري، وشظايا سلاح الشوزن.
ذكر سبب الوفاة، ليست بدعةً جديدةً تطالب بها عائلة العبار، فقد سنتها وزارة الصحة من قبل كثيراً، وذكرتها الأجهزة الأمنية أيضاً في حوادث مشابهة. ففي الثاني من أبريل 2014 كشفت شهادة وفاة الشاب حسين شرف (21 عاماً)، الذي توفي في حريق غامض بمنطقة العكر عن أن سبب وفاته تعود لـ «إصابات انفجارية نتج عنها كسر في الحوض ونزيف في المخ وصدمة»، ولم تكتفِ وزارة الصحة بذكر أن سبب الوفاة هو «كسر في الحوض ونزيف في المخ وصدمة»، بل لجأت لتحديد مسببات تلك الأسباب عندما ذكرت أنها نتجت عن «إصابات انفجارية».
في حادثة مقتل أحمد إسماعيل (أبريل 2012) رفضت عائلة الشاب تسلم جثمانه ودفنه قبل أن يذكر بشكل واضح أن سبب الوفاة «طلق ناري»، حتى خرجت النيابة العامة في مؤتمر صحافي (6 أبريل 2012) لتؤكد أن «شهادة وفاة الشاب مذكور فيها بالفعل أن الوفاة حدثت نتيجة طلق ناري».
رئيس النيابة الكلية أسامة العوفي قال وقتها إن «التقرير النهائي الخاص بالطبيب الشرعي بشأن واقعة مقتل الشاب أحمد إسماعيل، قد تضمن أن إصابة المجني عليه حيوية حديثة حدثت من عيار ناري مفرد باتجاه أساسي من الخلف إلى الأمام، وقد أدت تلك الإصابة النارية إلى الوفاة».
في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 أصدرت وزارة الصحة شهادة وفاة للشاب حسين مهدي الذي قتل على ساحل المالكية، وذكرت في شهادة الوفاة أن سبب الوفاة «طلق ناري في البطن والورك الأيمن».
الحالات السابقة أمثلة بسيطة تؤكد أن وزارة الصحة تعلل وتذكر سبب الوفاة، سواءً كان طلقاً نارياً أو «إصابات انفجارية»، دون الاكتفاء بالإصابة الناتجة عن ذلك. فلماذا وزارة الصحة ترفض الآن ذكر سبب الإصابات التي تعرض لها عبدالعزيز العبار، والتي أدت لإحداث تلف في الدماغ؟
الملاحظ من الحالات السابقة أن في الحوادث المتعلقة بالجوانب السياسية، «تماطل» وزارة الصحة من نفسها أو بإيعاز من أطراف أخرى، في ذكر سبب الإصابة، كحالة أحمد إسماعيل، حيث قد يتضمن ذلك إدانةً للجهات الأمنية أو قريبة منها، بينما الحوادث التي يمكن أن توظف بطريقةٍ ما لصالح السلطة، تسارع الوزارة للتفصيل في أسباب الوفاة كـ «إصابات انفجارية»، دون الاكتفاء بـ «نزيف في المخ» مثلاً.
في حالة الشاب العبار، فإنه أصيب أثناء قيام قوات الأمن بتفريق مسيرة أو شغب (بحسب الرواية الأمنية) في ختام عزاء للشاب سيدعلي الموسوي في منطقة سار، وقد تعرّض العبار لطلق بسلاح ناري بعبوة غاز مسيل للدموع في الرأس ما سبب له نزيفاً داخلياً، وتلفاً أحدثته دخول شظايا، اثنتان منها خطيرتان، بسلاح صيد الطيور (الشوزن) في الرأس، واحدة اخترقت المخ والثانية في كرة العين، وذلك بعد نقله لمستشفى السلمانية وهو فاقد للوعي، وذلك حسب إفادة عائلته التي تابعت حالة ابنها أولاً بأول، وسرّبت أيضاً صوراً للأشعة التي أخذت له.
العائلة رفضت شهادة الوفاة، التي أصدرتها وزارة الصحة، وذلك لعدم مطابقة أسباب الوفاة مع الحقيقة. فالوزارة تقول إن السبب يرجع إلى «تلف في الدماغ» دون الإشارة إلى إصابته بمقذوف ناري، يضمن حق العائلة لاحقاً في محاسبة الجهات التي تسببت في وفاة ابنها.
تعلم السلطة أن هذه الحادثة ستمثل لها إدانةً جديدةً باستخدام «القوة المفرطة والمميتة» تجاه متظاهرين ومحتجين أو حتى مثيرين للشغب، وهو ما سيبدد محاولاتها المستميتة لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي بشأن احترام القواعد والمبادئ الأساسية لاستخدام القوة.
عائلة العبار، لا تريد من وزارة الصحة، إدانة أي طرف بقتل ابنها، فهي تريد فقط ذكر مسببات الوفاة التي اعتادت ذكرها من قبل، ولكنها ترفض الآن توثيقها، لتحفظ حقها في مقاضاة أي طرف لاحقاً، فلماذا الهروب من الاعتراف وتحمل المسئولية؟