قاسم حسين
صدرت إحدى الصحف المحلية يوم الجمعة الماضي بمانشيتٍ يبشّر الشعب البحريني بتشكيل ميليشيات لتقوم بمهام وزارة الداخلية وقوى الأمن في جزيرة المحرق.
الخبر كان هجيناً ومستغرباً، فالذاكرة البحرينية لم تنس بعدُ ما قامت به الميليشيات من أعمال أثناء اشتداد الأزمة من مهاجمةٍ لبعض المحلات التجارية وسلب ونهب محتوياتها، وحرق بعض المطاعم، مسلّحةً بالعصي والهراوات والأسلحة البيضاء، فضلاً عن عمليات سرقةٍ تمت في وضح النهار. والغريب أنه لم يتم إلقاء القبض على أيٍّ من المهاجمين، وكان عددهم بالمئات في بعض الغزوات، رغم وجود أفلام مصوّرة تظهر وجوههم بكل وضوح. لقد كانوا من الجرأة والاطمئنان بالسلامة من العقوبة بحيث كانوا يواجهون الكاميرات الأمنية دون قناع. بعض هذه الأعمال وقعت في المحرق، التي يراد إعادة إحياء هذه التجربة غير المشّرفة لتلويث سمعة هذه الجزيرة وأهلها الطيّبين، من أجل إعادة الاحتقان مجدّداً إلى الشارع.
الخبر كان مقزّزاً، وسرعان ما تلقّفه أحد الموتورين ليسأل بكل وقاحة: «هل تريدون أن نسلّمه حياً أم ميتاً». هذه العقلية البلطجية الوالغة في الدم، أثارت الرأي العام، وسرعان ما بدأت وسائل التواصل الاجتماعي بالهجوم على هذه السياسة، التي تمثل استهتاراً بالسلم الأهلي، وتمزيقاً للمجتمع، بتوريط بعض أطرافه ضد بعض.
الجمعيات السياسية لم تتأخر في إصدار بيان مشترك، يرفض بشدةٍ محاولات جرّ الساحة الوطنية للفتنة الطائفية عبر السماح بتشكيل ما يسمى ميليشيات مدنية تحت يافطات مخادعة أطلق عليها «أصدقاء البلدية». واعتبرت هذه الخطوة بالغة الخطورة وتعبّر بوضوح عن استمرار العقلية الأمنية في مواجهة التحركات السياسية السلمية المطالبة بالحقوق الوطنية المشروعة، محذّرةً من بروز أصواتٍ تدعو لإزهاق أرواح من ستقبض عليهم تلك المليشيات بدعاوى التخريب. وحمّلت الجمعيات السلطة المسئولية الكاملة عن مثل هذه التوجهات الخطيرة، باللعب على الوتر الطائفي وتحويل الخلاف السياسي إلى صراعٍ بين طوائف البحرين التي عاشت مئات السنين في وحدةٍ وطنيةٍ وتآخٍ وسلام.
هذا الهجوم الكاسح أربك العضو البلدي الذي تزعّم هذه الدعوة، فتقهقر إلى الوراء وأعلن يوم السبت «تخريجةً» تنجيه من ورطته، بادعاء أن المقصود مجرد تكوين «أصدقاء للعضو البلدي»، وليس ميليشيات شبه عسكرية مسلحة بالهراوات والسواطير والأسلحة البيضاء.
ظهر أمس (الأحد)، وزّعت العلاقات العامة والإعلام بوزارة البلديات تصريحاً على الصحف، عمّا تم تداوله في بعض وسائل الإعلام عن صلاحيات خاصة لأهالي المحرق بشأن مواجهة تخريب الحدائق والمنتزهات غير صحيح. وحاولت التهوين من أمر تشكيل الميليشيات، بالقول أن «فكرة أصدقاء العضو البلدي انبثقت من منطلق الشراكة المجتمعية… أسوةً بمشاريع سابقة كأصدقاء الحدائق وأصدقاء البيئة». ونسيت أن أصدقاء الحدائق والبيئة لم يقوموا قط بغزوةٍ، ولم يعتدوا على محل تجاري، ولم يسرقوا تحت تهديد السلاح كما وقع على أيدي الميليشيات سيئة الذكر التي يُراد إحياؤها من جديد.
الآن العضو البلدي غسل يده من فكرته، ووزارة البلديات تبرأت منها علناً، فكم كان مسيئاً لسمعة البحرين السماح بتشكيل مثل هذه الميليشيات، لتتوّلى وزارة البلديات مهام وزارة الداخلية في حفظ الأمن، في مشاهد تذكّرنا بما نشاهده في نشرات الأخبار في الصومال الممزّق، ومحافظات أبين ولحج وحضرموت في جنوب اليمن.