عقيل ميرزا
أربعون نائباً تسلَّموا أربعين نسخة من تقرير ديوان الرقابة المالية، وكل نسخة تشتمل على سبعمئة وخمس وستين (765) صفحة، وإذا ضربنا الـ 765 صفحة في عدد النواب الأربعين فسنحصل على ناتج يساوي ثلاثين ألفاً وستمئة صفحة (30600)، وإذا ضربنا عدد الصفحات التي طُبعت للسادة النواب المعنيين بالرقابة في عدد الأسطر والتي لا تقل عن 20 سطراً في كل صفحة فسنحصل على ستمئة واثني عشر ألف سطر (612000)، وإذا قلنا إن السطر الواحد يشتمل على عشر كلمات فإن النواب تسلَّموا ستة ملايين ومئة وعشرين ألف كلمة (6.120.000) وإذا افترضنا أن متوسط الحروف التي تشتمل عليها الكلمة الواحدة 4 أحرف، فهذا يعني أن نوابنا الأشاوس حصلوا من ديوان الرقابة الإدارية والمالية على أربعة وعشرين مليوناً وأربع مئة وثمانين ألف حرف (24.480.000) كلها تتعلق بالتجاوزات في مختلف الجهات الرسمية وذات العلاقة بالجهات الرسمية.
بعد هذا الجيش العرمرم من الأحرف التي طُبعت على نفقة الدولة في ورق فاخر، وتجليد مبهر، هل سيستطيع مجلس النواب بنوابه الأربعين أن يخلص مليوناً واحداً من قبضة الفساد المُدوَّن بأكثر من 24 مليون حرف؟! إذا أعيتكم رقابتكم من استنقاذ مليوناً واحداً فقط، فلا أجد نفسي إلا معزياً لهذا الشعب بكم، إذ لا فرق بينكم وأنتم تتصفحون ملايين الأحرف من التقرير وبين من يتصفح كتاباً للطبخ أو قصة بائسة لمصطفى لطفي المنفلوطي، ولو كنت نائباً لكان أول اقتراح لي تحت البرلمان هو منعكم من الحصول على نسخ هذا التقرير، لأنكم تستنزفون حبر الدولة وأوراقها كما يستنزف المتجاوزون فيه أموال الدولة ومقدراتها.
أخشى ما أخشاه أن نتحول جميعاً إلى هواة لجمع التقارير فقط، تماماً كما يجمع ابني الصغير طوابع البريد من على الأظرف التي أرميها بعد نزع ما بداخلها، فلدينا الآن أرطال من التقارير، وكم تقرير من هذه الأرطال قمنا بتنفيذ توصياته؟! النتيجة أن كل شيء يتعلق بالأوضاع جامد جمود بحيرات انتاركتيكا إلا التقارير وحدها هي المتحركة كعاصفة تسونامي إلا أنها على سرعتها وقوتها لم تحرك خوصة من سعفة متدلية من نخلة، وكأن لأوضاعنا مناعة ضد عواصف التقارير!