هاني الفردان
صدر يوم الإثنين قرارٌ عن وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بوقف جميع المسيرات والتجمعات وعدم السماح بتنظيم أي فعالية إلا بعد الاطمئنان إلى استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار الأمني المنشود بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعي ومنعاً لكل أشكال التطرف من أي أحد.
ولأمانة الطرح، هناك من هلّل للقرار واستبشر بدعوى منع الاحتقان وأية توترات في الشارع على حد قولهم. وفي الجانب الآخر، هناك من رأى القرار بأنه غير صحيح وسيزيد من التوترات الأمنية وتعقيد الأزمة، كما سيجرّ المعارضة إلى العنف بدلاً عن المسيرات والتجمعات المرخصة.
بعيداً عن هذا وذاك، سأتناول الموضوع من الناحية القانونية، في ظلّ اللغط حول مشروعية القرار، الذي صدر قبل منتصف ليل الإثنين من خلال بيان الداخلية الذي لم يشر إلى أي نص دستوري أو قانوني استند إليه.
المسيرات والتجمعات تخضع لقانون رقم (32) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات، وكذلك قرار وزير الداخلية قرار رقم (57) لسنة 2011 بتحديد واجبات ومسئوليات اللجنة المنصوص عليها في المادة (6) من المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات المعدل بالقانون رقم (32) لسنة 2006.
في قراءة متأنية لتعديل القانون الذي يتكون من إحدى عشرة مادة لم يتطرق من بعيد أو من قريب لإمكانية منع مسيرة أو تجمع، وليس منع كل المسيرات والتجمعات، إلا في حالات محددة وواضحة المعالم، وهي إجرائية أكثر من كونها سياسية. كما لم يتضمن القانون أي مادة أو بنداً أو حتى فقرة تجيز منع المسيرات والتجمعات بشكل عام.
في المادة التاسعة من تعديل القانون إجازة «لرئيس الأمن العام أو من ينوب عنه تعديل خط سير المسيرة أو المظاهرة على أن يبلغ المنظمين بذلك. فإذا نظمت مسيرة لغرض سياسي بمناسبة تشييع جنازة فإن الإعلان الصادر من الأمن العام بمنع المسيرة أو تحديد خط سيرها يبلغ إلى القائمين بشئون الجنازة من أسرة المتوفى».
هذه المادة الوحيدة التي جوّزت لرئيس الأمن العام منع مسيرة أو تعديل مسارها، ووفق شروط محدّدة أيضاً وضمن إطار إجراءات واضحة لم يتخذها المنظمون للمسيرة أو التجمع، أي باختصار هناك قصور إجرائي لدى المنظمين.
المادة 11 من القانون حدّدت المحظورات كعدم جواز «قيام المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات أو استمرارها قبل شروق الشمس أو بعد غروبها إلا بإذن كتابي خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه. كما لا يجوز تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات التي تقام أو تسير بالقرب من المستشفيات أو المطارات أو المجمعات التجارية أو الأماكن ذات الطابع الأمني على أن يقوم وزير الداخلية بتحديد هذه الأماكن والإعلان عنها. كما لا يجوز استعمال المركبات في أي مسيرة أو مظاهرة أو مكان تجمع إلا بإذن كتابي خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه».
المادة 11 مكرّر من تعديل القانون جاءت واضحةً في التأكيد على ضرورة «عدم الإخلال بحق المواطنين في عقد الاجتماعات العامة وتنظيم المسيرات والتجمعات وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في هذا القانون»، إلا أنها جوّزت للمحافظ أن يحدّد عدداً من الأماكن العامة بمحافظته لعقد الاجتماعات العامة أو التجمعات أو لتنظيم المسيرات والمظاهرات المخطر عنها. أما في قرار وزير الداخلية قرار رقم (57) لسنة 2011 فقد حدّد بوضوح مهام اللجنة المعنية بمتابعة التجمعات والمسيرات التي أوكلت لها مهمة «المحافظة على نظام الاجتماع العام أو المسيرة أو التجمع، ومنع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال بالأمن والنظام العام».
يأتي حق التجمع السلمي حقاً مكفولاً دولياً، إذ نص قانون رقم (56) لسنة 2006 بالموافقة على انضمام البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة (21) من العهد الدولي على أنه «يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم»، ومن الواضح أن قرار منع المسيرات والتجمعات، هو تعطيل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نص أيضاً على «في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسمياً، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي».
وبحسب القانون البحريني فلا توجد مادة قانونية تنص على منع حق التجمع أو التظاهر، بشكل واضح وصريح أو حتى غير مباشر، كما أن المادة (11) مكرر من قانون التجمعات جاءت واضحة في تثبيت حق «عدم الإخلال بحق المواطنين في عقد الاجتماعات العامة وتنظيم المسيرات والتجمعات…»!
في الختام، ما هو مفهوم السلم الأهلي؟ هو رفض كل أشكال التقاتل، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، أو تبريره، أو نشر ثقافة تعتبر التصادم حتمياً بسبب جذرية التباين، وتحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى أيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها. ويعني السلم الأهلي الدائم العمل على منع الحرب الأهلية في المجتمع.
والسؤال هو ما علاقة منع التجمعات والمسيرات، بالسلم الأهلي؟ فهل شهدنا حرباً أهلية؟ أم أن برامج المصالحة الوطنية التي تبنتها الدولة فشلت؟ وهو عكس ما نسمعه ونقرأه من تصريحات رسمية تؤكد أن البلد بخير والحمد لله، ولا يوجد ما يعكر صفو المجتمع المتماسك.