المتتبع لقضية المفصولين في البحرين منذ بدايتها نهاية شهر مارس/ آذار الماضي وحتى الآن، يجد بصدق أن ما يحدث من قبل الجانب الرسمي لا يشير أبداً لما يقال عن «سعي صادق» لحل القضية وإنهائها.
المتتبع للأحداث وتسلسلها، تتكشف له صور ما يمكن أن يوصف أو يطلق عليه بـ «التسويف والتمطيط» لعرقلة القضية، ومن ثم تقادمها حتى تصبح صعبة الحل، أو في حكم الزمن «حتماً مقضياً». إنها سياسة فرض الأمر الواقع المتبعة من مختلف الأطراف بما فيها الجهات الرسمية التي رفضت منذ فترة طويلة كل التوجيهات العليا لإنهاء ملف المسرحين وإرجاع المفصولين لأعمالهم.
بيان يوم أمس الأول، وتوجيهات الحكومة لم تأتِ بجديد، يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، لإنهاء القضية، وكم أتمنى أن أكون مخطئاً في هذه النظرة، فليست هذه التوجيهات الأولى من نوعها ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة. فقد سبقها الكثير من التوجيهات التي لم تجد طريقها للتفعيل، بل كان يقابلها المزيد من التسريح ولجان التأديب وبالخصوص في الجهات الرسمية، وكأن ما يحدث «تحدٍّ» واضح لتلك التوجيهات من قبل جهات متنفذة تحمل أجندات ليست بخافية على أحد، أهمها وأولها حرب السيطرة على المراكز والاستحواذ عليها.
الحكومة في بيانها دعت اللجنة المكلفة بالنظر في قضايا المفصولين لعقد اجتماع برئاسة وزير العمل رئيس اللجنة ورفع تقرير حول مدى تعاون الشركات في تنفيذ التوجيهات خلال أسبوعين، وكأن اللجنة جديدة وشكّلت للتو، وبالتالي يجب أن يترك لها الوقت لدراسة الوضع.
اللجنة التي دعتها الحكومة لعقد الاجتماع شكلت بأمر من سمو رئيس الوزراء في التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، أي قبل ستة أشهر، وهي منذ ذلك الوقت حتى الآن مازالت تدرس مع بعض النتائج والتوصيات التي لم ترَ أي تطبيق حقيقي على الواقع، وعدم الاستجابة لها من قبل الشركات.
اللجنة كانت معنية بمتابعة ملف المفصولين في القطاعين العام والخاص، إلا أنها وجدت نفسها عاجزة عن صد موجة التسريحات في القطاع العام، فنأت بنفسها عن خوض تلك المعركة، وعزلت نفسها للنظر فقط في تسريحات القطاع الخاص، ومع ذلك لم تنجح كثيراً.
البيان الحكومي جاء من وجهة نظري لسد النقص الإعلامي وخصوصاً ما هو متعلق بالجانب الدولي الذي أصبح ينظر إلى قضية المسرّحين من جوانب مختلفة على رأسها «التمييز» و «الاضطهاد».
الأكثر غرابة في البيان الرسمي هو تسليمه أمر بعض المفصولين للأمور «الأمنية»، إذ وجه لإجراء التسويات القانونية اللازمة مع من توجد أسباب أمنية تمنع إعادتهم إلى أعمالهم.
السؤال البسيط هو: من يحدّد تلك الأسباب الأمنية؟ جهات تنفيذية أم السلطة القضائية؟ فموقف الحكومة يكشف عن عدم الجدّية لإنهاء القضية أو عدم الوضوح، وخصوصاً أن هذا التوجيه يأتي متضارباً مع تصريحات وزير العمل ورئيس لجنة النظر في قانونية التسريحات، الذي أكّد أن القضاء هو الفيصل في كل القضايا.
جهة أمنية مجهولة لا يعرفها أحد لا تتعامل بأوراق رسمية ولا مستندات، تعوّق إرجاع مفصولين لأعمالهم، ضمن نطاق الأهواء الشخصية والفئوية والتمييزية، لا يجعلنا نرى أننا في دولة مدنية… بل في دولة استثنائية
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3336 – الأربعاء 26 أكتوبر 2011م الموافق 28 ذي القعدة 1432هـ