قراءة في التحولات السياسية والديمقراطية في البلاد
مقدمة من أحزاب الائتلاف القومية واليسارية
مقدمة
لم يكن مفاجئا ان تشهد البلاد تصاعدا غير مسبوق للاحتجاجات الشعبية على خلفية تردي الأوضاع المعيشية، وتجاهل المطالب التاريخية للحركة الوطنية الأردنية بالإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، وتحمل مسؤولية استحقاقاته الضرورية.
بدأت نذر الاحتجاجات منذ أوائل الألفية الثانية، عندما نظمت جملة من الاعتصامات والإضرابات العمالية في مواقع إنتاجية رئيسية شملت آلاف العاملين في قطاعات: البترول، البوتاس، الفوسفات، الكهرباء، الاسمنت، الموانئ، الصحة، عمال المياومة، وقطاع الزراعة. كان الجامع المشترك بين هذه الاحتجاجات هو المطالبة بتحسين الأجور وإعادة المفصولين الى عملهم. وامتدت شرارة الاحتجاجات الى قطاع معلمي الحكومة "حوالي مائة الف معلم" للمطالبة بإيجاد نقابة تمثلهم إضافة لتحسين الأوضاع المعيشية والاحتجاج على نية الحكومة في خصخصة التعليم، وتردي مستوى العملية التربوية بشكل عام، هذا مع ملاحظة تطور أشكال التنظيم وسط هذا القطاع الهام، فقد شكلت لجنة تحضيرية ولجان فرعية على مستوى المحافظات، قامت بجدولة الاحتجاجات ووضعت مسودة قانون النقابة ونظمت عددا من المظاهرات والاعتصامات وسط تأييد جماهيري وسياسي واسع. كان أبرزها اعتصام المعلمين أمام رئاسة الوزراء في منتصف شهر شباط 2012 للمطالبة بعلاوة المهنة والذي ضم أكثر من 15 الف معلم ومعلمة مما اعتبر انعطافة ونقطة تحول نوعي في تماسك هذا القطاع واصراره على الاستمرار في المطالبة بحقوقه ومصالحه الجماعية والذي أسفر عن تسوية معقولة لصالح المعلمين وهي جدولة علاوة المهنة على سنتين 15% لكل عام.
في هذا السياق نشير الى ان مجمل هذه المطالبات قد جوبهت اما بالرفض الحكومي، او العنف المباشر او التجاهل والالتفاف. لم تتعامل الجهات الرسمية بالجدية والاحترام الضروريين مع هذه المطالب، في الوقت الذي تسيطر فيه سيطرة شبه تامة على قيادات النقابات العمالية وتتغاضى عن مطالب لتشكيل مؤسسات تمثيلية ديمقراطية لقطاعي الطلبة والشباب.
من جهة اخرى فقد اصدرت الحكومات في السنوات الاخيرة عددا من القوانين المؤقتة الاقتصادية والسياسية التي أسهمت في تفاقم الأوضاع المعيشية مثل قانوني الضريبة: الدخل والمبيعات. بصورة مخالفة للمادة (111) من الدستور الأردني التي تنص على ما يلي: "على الحكومة ان تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية".
ترافق مع هذه السياسات الاقتصادية، بروز ظاهرة الفساد على نطاق واسع، وأصبح الحديث عن عناوينه شائعا بالرموز والأرقام، تحديدا فيما يخص المشاريع الاستثمارية الكبرى في المملكة إضافة الى العديد من مواطن الفساد المالي والإداري المتسلسل في كافة أجهزة الدولة والقطاع الخاص والجامعات، متمثلا بظواهر التمييز والترهل الإداري وانخفاض مستوى الخدمات الصحية والتعليمية. وقد شكلت ظاهرة الفساد أبرز العناوين والشعارات التي طالبت الاحزاب والحراك الشعبي بضرورة فتح ملفاته على مصاريعها وقدم عدد من المتهمين بالفساد الى المحاكم لكن الملاحظة على الأداء الحكومي في هذا الشأن انه تميز بالانتقائية وعدم شموله لكل مواطن الفساد في البلاد وكانت حادثة تصويت البرلمان على اغلاق هذا الملف أكبر دليل على عدم جدية الحكومة والجهات الأمنية في المضي قدما في محاسبة الفاسدين، والمطلوب من الحكومة كونها صاحبة الولاية العامة خلق بيئة تشريعية تكون قادرة على التصدي لهذه الظاهرة وبشكل مؤسسي ومنهجي بحيث يمنع كل اشكال الفساد ويحول دون ظهور هذه الظاهرة من جديد. نضيف الى جملة هذه العوامل ظاهرة البطالة بين الشباب القادرين على العمل التي تزيد نسبتها عن 14% وهي النسبة التي تعترف بها وزارة العمل منذ عام 2008م وظاهرة اتساع الفقر وشموله فئات اجتماعية جديدة. "أصدرت دائرة الإحصاءات العامة تقريرا تقول فيه ان نسبة الاثرياء لا تتعدى 10% من المجتمع الأردني والطبقة الوسطى تصل نسبتها الى 41%"!!! من المشكوك فيه بالطبع ان تصل نسبة فئات الطبقة الوسطى الى 41% الآن ولكن لو سلمنا بهذه النسب كما هي، فان النتيجة الرقمية هي ان نسبة الفقر في المجتمع الأردني تصل الى 50%!!!.
تضافرت العوامل الاقتصادية والسياسية في نشوء قاعدة خصبة للاحتجاجات الشعبية الواسعة في مختلف مناطق المملكة، عبرت عن نفسها في الحالة الدائمة من المسيرات والتظاهرات الشعبية والمذكرات ورفع الشعارات المنددة بالسياسات الاقتصادية وغياب الإرادة السياسية العليا في إجراءات الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، بعناوينه المعروفة بدءا من استبدال قانون الصوت الواحد، بقانون ديمقراطي قائم على أساس التمثيل النسبي الشامل/للانتخابات النيابية، والبلدية. وإلغاء قانون الاجتماعات العامة الذي يقيد حرية حركة الأحزاب والتجمعات وحقها في التعبير السلمي وفق ما ينص عليه الدستور، وتعديل قانون الأحزاب بإلغاء التقييدات الواردة في بنوده، والعودة عن التعديلات المقيدة على قانون الجمعيات الخيرية. كذلك إعادة النظر في قوانين الضريبة المنحازة لأصحاب الرأسمال والتي أثقلت كاهل المواطنين الى حد الاختناق،… وعددا آخر من النظم والقوانين مثل قانون الضمان الاجتماعي والعمل والمالكين والمستأجرين التي من شأنها توفير بيئة تشريعية صالحة لبناء علاقة ديمقراطية بين الحكم والشعب.
دور الحركة الوطنية الأردنية في رفع مستوى الوعي الشعبي
خاضت الحركة الوطنية الأردنية بقواها السياسية والنقابية المنظمة، وأطرها العامة نضالات لم تنقطع منذ عشر سنوات دفاعاً عن البرنامج الوطني الديمقراطي البديل للسياسات الرسمية القائمة على التبعية السياسية والاقتصادية، وغياب الحريات الديمقراطية في البلاد.
كما أولت اهتماماً برنامجيا وميدانياً، بالسياسات الاقتصادية وانعكاساتها المتفاقمة على الأوضاع المعيشية للفئات المتوسطة والفقيرة في المجتمع الأردني منبهة في وقت مبكر الى مخاطر سياسة التبعية والاعتماد على المساعدات الخارجية بديلاً للسياسة التنموية الشاملة.
وعلى مدى عشرات السنين، خاضت معارك قطاعية دفاعاً عن مصالح الفئات الاجتماعية المقهورة، وتمكنت من إحراز تقدم لافت في الأوساط العمالية ونقاباتها، والأوساط المهنية ونقاباتها، ولم تتوقف عن تنظيم المطالبة بنقابة للمعلمين، كذلك تمكنت من تأسيس رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد النسائي في الأردن، وخاضت معارك من اجل حقوق الطلبة والشباب في اتحاداتهم العامه….الخ
النجاحات التي حققتها الحركة الوطنية، وقواها التقدمية تمثلت في قدرتها – النسبية– على الدفاع عن مصالح القطاعات المختلفة، وإحداث ضغط سياسي متواصل في المحطات التاريخية المتتالية بما في ذلك المطالب الدائمة بتعديلات دستورية واسعة وتفعيل مبدأ الأمة مصدر السلطات، واستحداث عدد من المؤسسات الديمقراطية والحفاظ على وجودها في عدد من القيادات النقابية، وفوق ذلك كله فقد راكمت الحركة الوطنية المنظمة، ثقافة وطنية وديمقراطية عميقة تحديداً لدى شرائح الطبقة الوسطى.
هذا الرصيد الوطني الديمقراطي كما ورد " باختصار تفرضه طبيعة هذه الورقة " شكل في الخارطة السياسية والجماهيرية القائمة الان واحداً من القواعد الرئيسية للوعي العام بالحقوق ورفض كل أشكال القهر والظلم.
كيف تعاملت الأطر الوطنية القائمة مع المرحلة الجديدة في البلاد
– لجنة التنسيق الحزبي: قادت لجنة التنسيق الحزبي في بداية الحراك الشعبي جملة من الفعاليات الميدانية المطالبة بالإصلاح الديمقراطي.. والمؤكدة في شعاراتها وبياناتها على برامج عملها وتوجهاتها التي ناضلت الأحزاب المنضوية في إطارها من اجلها طويلاً. وبصفتها الجهة الوحيدة الجامعة لأحزاب المعارضة الوطنية منذ سنوات، كانت لجنة التنسيق مرشحة لان تقود حالة الاحتجاج العامة في البلاد على قاعدة برنامجية متقدمة وأولويات إصلاحية ذات مساس بالحريات العامة والأوضاع المعيشية. ان القيام بهذا الدور – الافتراضي – كان يمكن ايضاً ان يسهم بتوفير احد الشروط الرئيسية من اجل انجاح وتوحيد الحركة الجماهيرية، وفرض ميزان قوى سياسي جديد في البلاد. ولكن الذي وقع هو امرٌ اخر تماماً وعلينا في هذا الصدد تظهير مواطن الضعف والقوة في واقع الأحزاب السياسية المعارضة بمختلف تلاوينها، وتقييم قدرتها على الاشتباك مع السياسات الرسمية من جهة، ومع بقية مكونات الحركة الجماهيرية الاخرى من جهة ثانية:
1- لم تتمكن الأحزاب في إطار لجنة التنسيق من توحيد رؤيتها للحالة السياسية العامة في البلاد والاهم هو توحيد إمكانياتها وبرامج عملها وحركتها في الميدان: نستشهد على ذلك بظواهر التفرد في العلاقة مع الحكم وتشكيل الأطر الوطنية الموازية للأطر القائمة، وإشهار الاختلاف في الميدان من خلال القيام بأنشطة منفردة بدلاً من التوحد على هذه الأنشطة في لجنة التنسيق ولا زال هذا الواقع قائماً حتى الان.
2- لم تفتح لجنة التنسيق على القوى السياسية الاخرى القائمة او الناشئة حديثاً، وبذلك فقدت احدى اهم ميزات الإطار الجامع للقوى العاملة على التغيير، وبقيت تراوح مكانها في إصدار مواقف حيال القضايا الوطنية والقومية، وقليلاً ما توحدت على القيام بفعاليات مشتركة. هذا الاختلاف أصبح ملحوظاً لدى الرأي العام، ووسائل الإعلام.
3- اختلفت أحزاب لجنة التنسيق ايضاً في تعاملها مع الحكم كما بدا ذلك واضحاً في الموقف من المشاركة في لجنة الحوار الوطني، والحوار مع البرلمان، والحكومات المختلفة، وهنا علينا ان نوضح ان سبب الاختلاف لا يتعلق بتشخيص طبيعة الأزمة العامة في البلاد، والاستحقاقات الديمقراطية المطلوبة، ولكن وقع الاختلاف في كيفية التعامل مع هذه الأزمة، حيث بدت الأحزاب القومية والديمقراطية في اتجاه وحزب جبهة العمل في اتجاه اخر. كما عزز هذا الوضع المواقف المتباينة تجاه الوضع في سوريا على وجه التحديد.
4- ان المحافظة على الحدود الدنيا من العلاقة المشتركة في لجنة التنسيق لم تعد تلبي متطلبات المرحلة الراهنة، التي نعتقد انها بحاجة الى تقديم إجابات واضحة ومحددة حيال القضايا المطروحة وطنياً ثم حيال القضايا القومية إجمالاً. في نفس الوقت فإن الواجب يحتم علينا الدعوة الى تطوير صيغة العمل في إطار لجنة التنسيق وليس فرطها كما ترغب بعض الجهات – مثلما عبرت عن نفسها في الصحافة العلنية -.
إن بقاء هذا الإطار ضمن الصيغة القائمة حالياً، وبنفس الآليات المتبعة المحافظة على الحدود الدنيا، يعطي مبرراً لنشوء اطر وطنية جديدة – ليس مضموناً نجاحها – وهو الذي يعطي مساحة واسعة لتشتت الجهود الوطنية وبعثرة قوى التغيير.
5- تستدعي ضرورات المرحلة الراهنة، وقفة تقييم لدور الأحزاب السياسية التقدمية، وذلك للأهمية الفائقة التي يجب ان نوليها لهذا الدور كونها الأكثر قدرة على توحيد الجهود والتقاطع مع المطالب الشعبية في التغيير والوفاء النقيّ للأهداف الوطنية والديمقراطية في البلاد.
الجبهة الوطنية للإصلاح
تشكلت حديثا في خضمّ الحراك الشعبي، في ظل غياب وجود اطار جامع للحركة الجماهيرية. وكانت الأحزاب التقدمية هي اول من شجع قيام هذا الاطار لضروراته الوطنية. في العمل على وحدة جميع القوى العاملة على التغيير، وانجاز ما عجزت عن انجازه لجنة التنسيق الحزبي. وقد توافقت الأحزاب المنضوية في إطار لجنة التنسيق على هذه الصيغة، وعلى قاعدة برنامج يفتح على الأطر الشعبية ذات التوجه الوطني والديمقراطي في البلاد، وبفضاء أوسع يمكنه استيعاب وتوحيد هذه الأطر والشخصيات المستقلة.
مضى حتى الان (عشرة) اشهر على تشكيل هذا الإطار؛ دون ان يتمكن من تحقيق الهدف المنشود. فقد رحبت كثير من القوى الاجتماعية والسياسية بنشوئه، ولكن بطء حركة الجبهة بما لا يتناسب وديناميكيات المرحلة الراهنة، وعدم تفاعلها الميداني مع الحراك في الشارع -باستثناء تظاهرتين-، وبيروقراطية آليات العمل الداخلي في ما بينها، كل ذلك حول هذا الإطار الى مكرّر عن الأطر الأخرى، وعدم تميزه في قدرته على توحيد الحركة السياسية في البلاد.
الحراك الشبابي
توزع على عدد من المحافظات بهوية مختلطة وغير واضحة المعالم السياسية، والاهم ان الحراك الشبابي موزع جهوياً، دون جامع او موحد تنظيمي وسياسي ان هشاشة هذه المكونات بسبب جهويتها وعدم وجود برنامج عمل موحد لها، جعل من السهل اختراقها وإحداث فوضى في حركتها أخرجتها عن أهدافها الرئيسية ولا تحل المشكلة والحالة هذه من خلال وجود ممثلين للأحزاب السياسية التقدمية في أطرها… بل لا بد من انعقاد الشرط الرئيسي لتنظيم حركتها، ووحدتها وبرمجة أولوياتها وتوجيه كوادرها الشبابية نحو ما هو جوهري في التحول الديمقراطي في البلاد.
وفي هذا الاطار يمكن الاستفادة من الانتصار الذي حققه المعلمون في تشريع نقابة لهم والمكتسبات المتعلقة بالرواتب والمنح التعليمية ليكون نموذجا ومثالا يحتذى ينسحب على قطاع الشباب باتجاه تأسيس اتحاد وطني لشباب الاردن واتحاد عام لطلبة الاردن مستفيدين من التشريعات الدولية التي وافق عليها الاردن ومن المادة 16/2 من الدستور الاردني المعدل والتي تنص على حق الاردنيين بتأليف الاحزاب والجمعيات والنقابات واصدار قانون يكرس ويضمن للشباب هذا الحق.
هل حدث تعديل جدّي في موازين القوى العامة والعلاقة بين مؤسسات الحكم والشعب؟
في هذا الإطار يمكن رصد ما يلي:
تشكيل لجان وطنية للحوار: تحت وطأة الحراك الشعبي والمطالب الإصلاحية على جميع المستويات فقد صدرت قرارات رسمية بتشكيل: لجنة الحوار الوطني المكلفة بمراجعة قانوني الأحزاب السياسية والانتخابات النيابية وتقديم مشاريع بديلة، وتشكلت اللجنة الاقتصادية المكلفة بمراجعة السياسات الاقتصادية، وأخيراً لجنة التعديلات الدستورية، وقد عبرت طبيعة التشكيلات عن تردد واضح للسطلة التنفيدية في تبنيّ مشروع الإصلاح قولاً وفعلاً ودفع استحقاقاته المتأخرة.
أصبح لدى جميع القوى السياسية الان حصيلة من التقييم للاستحقاقات التي قدمها الحكم منذ بداية الحراك، فإضافة الى تعديل قانون الاجتماعات العامة وإقرار قانون نقابة المعلمين، هناك تردد وانقسام في الرأي لدى صناع القرار حيال قانوني الأحزاب السياسية والانتخابات النيابية، كما ان التعديلات الدستورية التي وقعت – رغم ايجابية بعض موادها مثل إنشاء المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات -، وبعض المواد الأخرى، الا ان تقييداً واضحاً قد وقع للتعديلات التي كان يفترض ان تخُضع لها جميع مواد الدستور وليس بعضها.
الخلاصة حول هذا الموضوع تشير الى مسالتين هامتين:
أ- الأولى تتعلق بمحدودية الإفراج عن تعديل القوانين الناظمة للحريات لدى الجهات الرسمية. وعدم توفر قرار حاسم باتجاه الانتقال نحو مرحلة التحول الديمقراطي.
ب- والثانية تشير الى ان الحركة السياسية والجماهيرية المنظمة لم تصل في ثقلها الى الحالة التي تستطيع ان تشكل فيها ضغطاً جدياً وتأثيراً نوعياً على صناع القرار.
التعامل الرسمي مع الحراك الشعبي في الميدان
بصورة عامة كان الحراك سلميا وجرى التعامل معه كأمر واقع، دون ان يخلو من مصادمات واعتداءات مفتعلة من قبل السلطات التنفيذية: (حادثة دوار جمال عبد الناصر، ساحة النخيل، حادثة المفرق، جرش، والتوتير المفتعل لدى مسيرات الولاء والانتماء الخ) وكثير من الاستدعاءات والضغوط والحوادث المتفرقة في المحافظات علينا ان نرصد في هذا السياق ما يلي: قدرة الحركة الجماهيرية الأردنية على التواصل والاستمرار في الحراك الميداني على الرغم من مكامن ضعفها وتشتتها.
في نفس الوقت فان انجازاتها المطلوبة محدودة للغاية قياساً بالمطالب المقدمة. السلطات التنفيذية تتحمل مسؤولية رئيسية في تأجيل تلبية المطالب والتحايل عليها، ولكن استمرار مواطن ضعف الحركة الجماهيرية يحول دون الاستجابة السريعة ايضاً لهذه المطالب.
بشكل عام تتعامل الجهات الرسمية بازدواجية وارتباك واضحين مع مرحلة التحول الديمقراطي؟ وهي ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عن قراءة سياسية خاطئة للواقع القائم وقابلية الأزمات للاستمرار والتفاقم، مما يدفع باتجاه اتخاذ مواقف سياسية خاطئة تجاه القضايا المطروحة.
السلوك الرسمي تجاه الأحزاب السياسية
عززت السياسة الرسمية في البلاد ما يمكن تسميته بالثنائية السياسية بين الحكم وجبهة العمل الاسلامي. ولعلّ التطورات العربية الجارية في عدد من البلدان الشقيقة هو العامل الرئيسي في هذا الاتجاه، إضافة الى حدوث انعطافة نوعية في الإستراتيجية الأمريكية والأوروبية تجاه الأحزاب الإسلامية في الدولة العربية في ضوء النتائج التي أسفرت عنها انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، ومجلس الشعب المصري، ثم البرلمان الكويتي.
ومع انه ليس بالضرورة تكرار ما وقع في البلدان العربية الأخرى مع الأحزاب الإسلامية بسبب اختلاف الظروف وطبيعة العلاقات التحالفية التاريخية بين نظام الحكم وحزب الإخوان المسلمين الأردني.
ان مثل هذه السياسة الثنائية تتعارض مع ضرورات تكريس التعددية السياسية بكل أبعادها، والفاصل في هذا الموضوع سيكون قانون الانتخابات النيابية على وجه التحديد، وليس طبيعة اللقاءات السياسية.
لقد فتح راس الدولة والحكومتان السابقتان حواراً واسعاً مع الجميع شمل ليس فقط الأحزاب السياسية وإنما النقابات ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والاعتبارية وطيف واسع من التشكيلات الحديثة في الحراك الشعبي. الا ان النتائج كما نراها الان في عهد الحكومة الحالية هو تراجع عن هذه المبادرات وعدم البناء عليها: فلا تقدم في الحوار مع الأحزاب الديمقراطية، ولا خطوات الى الامام باتجاه تأسيس اتحادات عامة للشباب والطلاب، او تعديل جاد في تركيبة الاتحاد العام للنقابات العمالية ومحاسبة الفاسدين القائمين عليه.
ان غياب التمثيل القطاعي يغيب دور المجتمع المدني ويبعد هدف الدولة المدنية حيث يسود الدستور والقانون ويحتفظ الجميع بحرية الاعتقاد، والعمل وجميع الحقوق المنصوص عليها في الدستور.
كما انه يكرس حالة الفراغ في الحياة السياسية، حيث تصبح المكتسبات عرضة للتبديد والانقلاب عليها.
لا زالت الأحزاب السياسية التقدمية منها على وجه الخصوص، تفتقر للحضور المنظم في الأطر القطاعية مثل الاتحادات الطلابية والشبابية، والقيادات النقابية العمالية، الامر الذي يضعف دورها في هذه الأوساط ويحرمها من حقها في مخاطبة هذه القطاعات والدفاع عنها من خلال مؤسساتها التمثيلية.
استخلاصات
1- لأسباب موضوعية داخلية وعربية، فان حالة السخط الشعبي والحراك العام سيبقى قائماً بسبب عجز الأدوات التي أنتجتها النظم الحاكمة عن إدارة معارك ديمقراطية على هذا المستوى من العمق والشمول. لذلك فانه في الحالة الأردنية، يصبح مطلوباً تعزيز دور القوى الديمقراطية في القول والعمل/في تقديم الحلول وفي الميدان وهي القوى الحليفة والطبيعية للدولة المدنية.
2- الاحتجاجات القائمة في البلاد، توسعت وتجاوزت حدودها العاصمة عمان ولكنها تفتقر الى الهيكلة التنظيمية الموحدة والبرنامج والشعار الموحد المؤسس على اهداف مرحلية ومتوسطة وهكذا… الامر الذي سيؤدي الى ضعف تأثيرها الفعلي مهما توسعت مناطقياً وجهوياً.
ولوحظ ارتفاع سقف الشعارات في المحافظات وانخراط شرائح وعناصر اجتماعية جديدة كانت محسوبة تاريخيا على النظام مما يؤشر على بداية تململ في ركائزه التاريخية نتيجة ضغط الأوضاع الاقتصادية والسياسية والارتباك الحكومي المتواصل في التعامل مع مجموع مطالب الحراك الشعبي. وهنا على الاحزاب القومية واليسارية استيعاب القوى الاجتماعية الجديدة والناشئة المنظمة والتعامل معها على أساس برنامج التحول الديمقراطي والقواسم المشتركة، وفي هذا الاطار يمكن ان تتطور فكرة الدعوة الى مؤتمر وطني للاصلاح لتصبح فكرة موضع التطبيق بحيث تضم جميع الوان الطيف السياسي في البلاد.
3- تقود القوى المضادة للإصلاح الوطني الديمقراطي حملات شرسة في مواجهة قوى التغيير، وتستعين بإمكانياتها ونفوذها وخبراتها في إدارة الأزمات وتوجيهها نحو قضايا صراعية جهوية وفئوية مثل: التجييش ضد الوطن البديل وسياسات التوطين المرفوضة من كلا الشعبين الأردني والفلسطيني. كذلك في مواجهة ملفات الفساد؛ حيث يجرى العمل على انتقاء فتح ملفات دون غيرها والهاء المزاج العام بالمحاسبة الفردية (وهي مطلوبة على كل حال) دون العمل على معالجة وتغيير السياسات الرئيسية التي أدت الى انتشار ظاهرة الفساد على نطاق واسع مثل: مراجعة سياسة خصخصة القطاع العام، ومراجعة قانون الضريبة، والشروع في بناء اقتصاد وطني إنتاجي…الخ
وفي هذا الاطار يجب العودة الى دور الدولة الاجتماعي في رعاية وحماية وتوجيه الاقتصاد الوطني بعيدا عن الخصخصة والعودة لامتلاك مؤسسات القطاع العام وحماية المشاريع والمؤسسات التي تشكل عصب الاقتصاد الاردني.
4- يشكل موقف الحركة الإسلامية في البلاد عنصراً هاماً في كيفية إدارة الصراع بسبب ثقل وإمكانيات هذه الحركة، وقد تجاوزت في سياستها الحالة الوطنية والاستحقاقات المحلية، حيث تضع خطاها وفق التطورات الواقعة على مثيلاتها في البلدان العربية الأخرى. إضافة لذلك فان تطوراً نوعياً قد وقع في طبيعة علاقة الحركة الإسلامية مع السياسات الأمريكية والأوروبية – حسب الإعلانات والتصريحات الصحفية لقادة الحركة الإسلامية في الأردن والبلدان العربية الأخرى -.
لذلك فهي لا تسعى ولا تكترث بتحالفاتها على المستوى الوطني وان كانت تستفيد من وجودها في لجنة التنسيق الى جانب القوى السياسية الأخرى.. كما انها تصوغ علاقتها مع الحكم وفق مثلث الصراع الجاري: محليا – عربيا – وعالمياً.
ان مثل هذا الوضع للحركة الإسلامية، يسهم في ضعف أداء الحركة الجماهيرية وقدرتها على التوحد وتحديد الأولويات الوطنية وفق واقع حال المطالب الشعبية نفسها.
5- المطلوب ان تتجه القوى الديمقراطية بكل تلاوينها لإجراء قراءة مدققة في الوضع السياسي العام، ووضع الحركة الجماهيرية الأردنية ودفعها لتبوء موقع متقدم في قيادة مرحلة التحول الوطني الديمقراطي في البلاد.
والعمل على استمرار الحراك الشعبي والجماهيري ولملمة جهوده المبعثرة وتوحيد وتنظيم تحركاته بعيدا عن محاولات الهيمنة من أي طرف من أطراف الحركة الوطنية الاردنية باتجاه مأسسته وتوحيد مرجعياته.
6- لقد كشفت الاحداث في الحقبة الاخيرة ان الاصلاح السياسي الجدي والتعديلات الدستورية الاساسية وصولاً الى تحقيق مقتضيات تفعيل المبدأ الدستوري بأن الشعب وليس الحكم هو دون غيره مصدر السلطات؛ وبالتالي فإن انقاذ البلاد من معاناتها ومن الاخطار والازمات والارهاصات المحدقة بها يفرض الاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة التي ما فتئت ماثلة منذ وقت طويل دون الاستجابة الجدية لها حيث لا مفر ولا نجاة لاحد الا من خلال الاصلاح السياسي الفعلي واجراء تعديلات جوهرية تؤدي لتفعيل ذلك المبدأ الدستوري.
لذلك نرى ان التلاحم مع الحراكات الشعبية الهادفة وفتح الحوارات الجادة مع مكوناتها لتحقيق الاصلاح ومحاولة دفعها باستمرار في الطريق النضالي الصحيح يجب ان يبقى الوسيلة الامثل على رأس قائمة واجباتنا في ااتلاف الأحزاب القومية واليسارية الامر الذي يفرض علينا مهمات اكثر جرأة وتلاحم اكبر في هذه المرحلة حتى تحقيق الاهداف السياسية والمشروعة للشعب الأردني.
الأحزاب اليسارية والقومية
· البعث الاشتراكي
· البعث التقدمي
· الشيوعي الأردني
· حزب الشعب الديمقراطي
· الوحدة الشعبية
· الحركة القومية
عمان في 10/3/2012
شبكة البصرة