د. علي بيان
في الأيام الأخيرة من عام 2014 وتحديداً ليل الثلاثاء / الأربعاء- 30 / 31 كانون الأول صوت مجلس الأمن على مشروع القرار الفلسطيني لتحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال في عام 2017. أيّد القرار كل من روسيا الإتحادية والصين وفرنسا ولوكسمبرغ والأرجنتين وتشيلي وتشاد والأردن، وعارضته كل من الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، وامتنعت عن التصويت كل من المملكة المتحدة وليتوانيا ورواندا ونيجيريا وكوريا الجنوبيّة. وإذا ما اعتبرنا أن الإمتناع عن التصويت ( تحفّظ ) هو رفض غير مباشر يمكن الوصول الى النتائج التالية :
1- فاز الشعب الفلسطيني ديمقراطياّ على الصعيد العالمي بحصوله على ثمانية أصوات من أصل 15 صوتا أي 53.34%، ولكنه فشل تقنيّاً لعدم حصوله على تسعة أصوات مع عدم استخدام أية دولة دائمة العضويّة في مجلس الأمن حق النقض ( الفيتو ) . وفاز مشروع القرار على مستوى الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن بحصوله على ثلاثة أصوات مقابل صوتين أي 60%، والمعروف أن الديمقراطية هي حكم الشعب أو الإحتكام إلى رأي الأكثريّة عندما لا يتحقق الإجماع، وتتشابه نتائج التصويت على مشروع القرار مع نتائج التصويت الرئاسيّة أو / والبرلمانية في الدول المصنّفة ديمقراطيّة حيث لا يوجد عادةً فرق معنويّ ( Significant difference ) إحصائيّاً بين الفائز والخاسر.
2- باستثناء أستراليا حيث لا يوجد دولة أو دول أخرى من قارّة أوقيانوسيّا ممَثَلة في الدورة الحاليّة لمجلس الأمن، فإن القارّات الأخرى انقسمت عموديّاً حيث أن بعضها أيّد القرار وبعضها الأخر رفضه أو امتنع عن التصويت. إنّ أقلّ ما يمكن قوله عن الدول الثمانية التي أيدت مشروع القرار هو أنّها أثبتت مصداقيّتها في احترام القوانين الدوليّة والقرارات الأمميّة المتعلّقة بفلسطين. وإذا ما توقفنا أمام موقف فرنسا خاصّةً فيمكن أن نضيف إلى ما سبق أنّ فرنسا قد أكّدت إستقلاليتها عن الإملاءات والضغوط الأميركيّة، واحترمت إرادة الشعب الفرنسي الذي صوت ممثلوه في البرلمان في 2 كانون الأول 2014 لصالح الإعتراف بدولة فلسطين بغالبيّة 339 صوتاً مقابل 151 صوتاً وامتناع 16 نائباً عن التصويت. أما ما يتعلّق بالدول التي عارضت القرار أو امتنعت عن التصويت فلا بدَّ من البحث عن أسباب وخلفيّات موقفها واحدةً واحدة.
أ- كوريا الجنوبيّة: أنّ امتناع كوريا الجنوبيّة عن التصويت كإشارة سلبيّة مترافقاً ذلك مع الإفراج عن 490 مليون دولاراً من الأرصدة الإيرانيّة المجمّدة في البنوك الكوريّة الجنوبيّة يدلّ على درجة الضغط الأميركي على تلك الدولة، وعلى العلاقة الجدليّة بين التصويت على مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن ومتابعة المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني بين إيران ومجموعة 5+1، ودرجة التنسيق والتفاهم بين الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران. هذا وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أفرجت تباعاً عن أرصدة إيرانيّة كانت مجمدة في بنوكها. لقد اتخذت كوريا الجنوبيّة هذا الخيار بالتصويت رغم انعقاد مؤتمر حول العلاقات العربيّة الكوريّة الجنوبيّة في عمّان/الأردن قبل أقلّ من أسبوعين من انعقاد جلسة مجلس الأمن، وقد نظّم ذلك المؤتمر منتدى الفكر العربي في الأردن وجمعيّة الصداقة العربيّة الكوريّة بالتعاون مع وزارة الخارجيّة الكوريّة الجنوبيّة والذي تضمن مدحاً وثناءاً للعلاقات الجيدة بين الدول العربيّة وكوريا الجنوبيّة والتوصية برفع وتيرة تلك العلاقات في المجالات الإقتصاديّة والثقافيّة والإجتماعيّة وغيرها. وبذلك ورغم العلاقات الإقتصاديّة المتطورة بين كوريا الجنوبيّة والدول العربيّة فإنّ كفّة الضغط الأميركي كانت أقوى من تاثير العلاقات العربيّة الكوريّة الجنوبيّة على موقفها الأخير في مجلس الأمن.
ب- نيجيريا ورواندا: رغم أن أفريقيا كانت دائماً بكل دولها إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، خاصةً تلك المشار إليها في القرارات الدوليّة المتعاقبة.فإنّ امتناع الدولتين عن التصويت يشير إلى ضغوط صهيونيّة وأميركيّة عليهما. نشير هنا إلى أن الكيان الصهيوني كان قد أرسل خبراءَ في مكافحة الإرهاب إلى نيجيريا للمشاركة في البحث عن الطالبات المختطفات من قبل جماعة بوكو حرام وهذا ما يمكن إستغلاله لتغيير مواقف نيجيريا من القضيّة الفلسطينيّة لصالح العدو الصهيوني مستقبلاً كما حدث مع التصويت على مشروع القرار الفلسطيني. والأمر له دلالات أكبر من حدود سياسة الدولتين المعنيتين بل بالتحول في مواقف دول القارة الإفريقيّة غير العربيّة، حيث أنّ نيجيريا ورواندا إضافةً إلى تشاد التي أيّدت القرار لا تمثل نفسها فقط بل مجموعة الدول الإفريقيّة في الدورة الحاليّة لمجلس الأمن.
ج- ليتوانيا: بعد خروجها من الإتحاد السوفياتي السابق واستقلالها عام 1990 انضمت إلى الإتحاد الأوروبّي وحلف شمال الطلسي ( ناتو ) عام 2004، كما أنشأ الناتو على أراضيها قاعدة جويّة ( زوكاني ) لتسهيل نشاطاته اللوجستيّة في حوض البلطيق وشدّ الحبال مع روسيا الإتحاديّة. وكون أنّ القوة الأساسيّة التي تحدّد مسار وخيارات الناتو هي الولايات المتحدة الأميركية نستطيع معرفة درجة الضغط التي مارستها لتتخذ ليتوانيا ذلك الموقف من مشروع القرار الفلسطيني.
د- ألمملكة المتحدة: لقد توافق موقف بريطانيا من مشروع القرار الفلسطيني مع موقف الحكومة البريطانيّة الرافض للإعتراف بالدولة الفلسطينيّة والذي عبَّر عنه متحدِّث حكومي غداة تصويت البرلمان البريطاني على الإعتراف بالدولة الفلسطينيّة في 13 تشرين الأول 2014، وكانت نتيجة التصويت إيجابيّة بأكثريّة 274 صوتاً مقابل رفض 12 صوتاً، إذ قال المتحدِّث بإسم الحكومة أنّ تصويت البرلمان لن يغيِّر في سياستها. وحيث أن بريطانيا تعتبر من أعرق الديمقراطيات في العالم وحيث أنّ البرلمان البريطاني يمثِّل إرادة الشعب البريطاني الذي انتخبه فإنّ الحكومة البريطانية برئاسة كاميرون قد ضربت عرض الحائط تلك الإرادة وضربت كذلك إسفيناً في التراث البريطاني المتعلق بمفهوم الديمقراطيّة، ناهيك عن خروجها سلباً على القرارات الدوليّة المتعلِّقة بفلسطين وشرعة حقوق الإنسان المتعلِّقة بحق تقرير المصير.
ألولايات المتحدة الأميركية وأستراليا: إنّ موقف هتين الدولتين الرافض لمشروع القرار هو غير مستغرَب، إذ أثبتت الإدارة الأميركيّة دائماً أنّها مع الكيان الصهيوني قلباً وقالباً، وأستراليا التي تعتبر امتداداً للمملكة المتحّدة المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية في جميع المحطّات التاريخيّة لن تخرج عن سياسة الدعم للكيان الصهيوني. تجدر الإشارة إلى أن تصويت الولايات المتحدة الميركية ضد مشروع القرار يكشف نفاق الإدارة الأميركية واستخفافها بالعقل العربي الرسمي الذي يصنفُها بالدولة الصديقة ويتحالف معها أحياناً في عدوانها المباشر على الأقطار العربيّة ( العراق وليبيا وسوريا واليمن والصومال ) .
إنّ تصويت الولايات المتحدة الأميركية ضد مشروع القرار يكشف نفاقها فيما يتعلق بمشروعها القائم على مبدأ الدولتين جنباً إلى جنب ( Two states side by side ) . ومن يتابع نشاط وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري خلال التحضيرات لعرض مشروع القرار يلاحظ أنّه مارس دور وكيل الكيان الصهيوني في إتصالاته وممارسته الضغط على الدول الأخرى لثنيها عن تأييد مشروع القرار. هل سأل بعض العرب أصدقاءهم في الإدارة الأميركيّة أين هي الحدود ( سايد باي سايد؟ ) . يعتقد بعض العرب أن الأميركيين يقصدون بها الحدود الفاصلة بين الأراضي المحتلة عام 1948 وتلك المحتلة عام 1967 وهذا غير صحيح في الأجندة الصهيونيّة المدعومة أميركياً. فالكيان الصهيوني يعتير أن نهر الأردن هو الحد الفاصل ويشكل الحدود الشرقيّة. وهذا ما جاء في تصريحات قادة العدو ويتَرجم عمليّاً بالتمدّد الإستيطاني السرطاني في الضفة الغربية وإجراءات تهويد القدس مع رعاية وحماية كاملة من الإدارة الأميركيّة التي تمنع اتخاذ أي قرار من قبل مجلس الأمن الدولي لوقف الإستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967 وتغيير معالم القدس.
الخلاصة : إن مبادرة القيادة الفلسطينيّة بالتوجه إلى المؤسسات الدولية وخاصّةً مجلس الأمن والهيئة العامّة للأمم المتحدة هي خطوة ايجابية وتعتبر جزءاً من كفاح الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه لأنها ترفع من وتيرة التاييد الدولي على الصعيدين الشعبي والرسمي للقضية الفلسطينية وفي الوقت نفسه تكشف ليس فقط أعداء الشعب الفلسطيني والأمة العربية بل وتكشف إنتهاكاتهم للشرائع والقرارات الدوليّة، وعدم احترامهم لإرادة شعوبهم أو ممثليهم، واستخدامهم المعايير المزدوجة في مقاربة ومعالجة الصراعات في العالم.ولهذا كان يجب مشاركة كافة اطراف المقاومة في دعم هذه الخطوة .