(محاضرة القيت في مجلس الدوي يوم السبت 13 يونيو 2009م)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جميعا
الأخوة الكرام
يسعدني أن التقي بكم مجددا والفضل في ذلك للأخوة الكرام في مجلس الدوي، فلهم مني جزيل الشكر والتقدير.
أنا لست خبير في القضايا اللبنانية، لذلك فان مداخلتي اليوم هي بهدف إثارة بعض القضايا التي اقترح أن نتشارك في الحوار بشأنها بغرض الاستفادة معا.
خاض الانتخابات قوتين أساسيتين هما قوى 14 آذار وقى 8 آذار
وتتشكل قوى 14 آذار من أربعة كتل أساسية هي: كتلة تيار المستقبل برئاسة النائب سعد الحريري، وكتلة اللقاء الوطني الديمقراطي بزعامة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنلاط، وكتلة القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، وحزب الكتائب اللبنانية بقيادة رئيسه الأعلى رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل.
أما قوى المعارضة، فتتشكل أساسا من: قوى 8 آذار (حزب الله بزعامة أمينه العام السيد حسن نصر الله، وحركة أمل بزعامة رئيس البرلمان الحالي نبيه بري). إضافة إلى قوى المعارضة الأخرى الممثلة في البرلمان وهي: (كتلة التغيير والإصلاح برئاسة زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، وكتلة الحزب القومي السوري الاجتماعي برئاسة علي قانصو. علاوة على قوة أساسية غير ممثلة برلمانيا هي تيار المردة برئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية، وهو تيار تأسس مطلع العام 2006.
وفاز تحالف 14 آذار، بزعامة سعد الحريري، بـ71 مقابل 57 مقعدا (البقية) لتحالف المعارضة (8 آذار)، بقيادة حزب الله في الانتخابات التشريعية، وهي النتائج التي تكاد تطابق تشكيلة مجلس النواب السابقة، وتوجب على الطرفين تشكيل حكومة ائتلافية ألمح كلاهما إلى استعداده للمشاركة فيها.
أما من حيث عدد الأصوات، فأن نتيجة الإنتخابات النيابية أظهرت احتفاظ المعارضة ة بالأكثرية الشعبية في لبنان 839371 صوتا ( 54.7% ) … الموالاة 693931 ( 45.3% ).
وفيما اقتربت نتائج انتخابات من نظيرتها في عام 2005 اختلف توزيع المقاعد الفائز بها كل فريق في الدوائر الـ26؛ نظرا للتعديلات التي طرأت على تحالفات الفريقين منذ انتخابات 2005، وهو ما تجلى في عدة دوائر أبرزها البقاع الأوسط "زحلة"، التي انتقلت مقاعدها ال7 للأكثرية بعدما كانت في السابق للتيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون (معارضة)، بينما انتزعت المعارضة مقاعد دائرة زغرتا الـ3.
وهنا يجذر أن نتوقف قليلا أمام ما سمي بمعركة الحسم في زحلة. في قراءة أجرتها صحيفة "الأخبار"، لتوزع أصوات المقترعين على أعضاء لائحتي 8 و14 آذار يتبين أن الصوت السني كان الحاسم في المعركة الانتخابية، ما أدى الى فوز كامل أعضاء لائحة "زحلة بالقلب" التي نالت ما نسبته 90,02% من المقترعين السنة، فيما نالت لائحة "الكتلة الشعبية" فقط 11,38% وهي نسبة متدنية لم تكن تتوقعها لائحة المعارضة. أما شيعياً فقد نجح "حزب الله" وحركة "أمل" في تجيير نحو 13500 صوت لكامل أعضاء اللائحة، إذ نالت ما نسبته 95,44% من المقترعين الشيعة، فيما لم تنل لائحة 14 آذار من الناخب الشيعي سوى ما نسبته 4,07%.
هذه الأرقام التجييرية الكبيرة لتيار "المستقبل" و"حزب الله" وحركة "أمل" من الناخبين السنّة والشيعة، لم يقابله تجيير مماثل من الناخبين المسيحيين في الدائرة. فلائحة "زحلة بالقلب" تفوقت على لائحة الكتلة الشعبية عند الناخبين الموارنة، حيث كانت نسبتها 55,41%، فيما نالت الشعبية ما نسبته 43,77% (هذا التراجع في الاقتراع الماروني لغير لائحة سكاف خلافاً للعادة التقليدية إذ نالت 77% عام 2005)، وتوازن الاقتراع الكاثوليكي لمصلحة اللائحتين (49,28 لمصلحة الكتلة الشعبية، و49,08 لمصلحة زحلة بالقلب) قلب المعادلة ضد سكاف مسيحياً، إذ أعطى تقدماً للائحة 14 آذار على لائحة 8 آذار في الشارع المسيحي، وهو إن كان تقدماً طفيفاً، فإنه يشير إلى مزاج الناخب المسيحي في زحلة ومنطقتها، ومدى توازن القوى الحزبية والعائلية بين الطرفين. ففي انتخابات 2005 لم تنل لائحة 14 آذار من الناخب المسيحي إلا ما نسبته 15%. أما على صعيد التصويت الأرثوذكسي في دائرة زحلة، فقد أظهرت الأرقام تقدم الكتلة الشعبية (56,70%) على لائحة زحلة بالقلب (42%).
أما في الشارع الأرمني فقد فشل حزب الطاشناق في رفع نسبة الاقتراع عموماً في دائرة زحلة، حيث اقترع 3365 أرمنياً من أصل 10880 ناخباً، نالت "الكتلة الشعبية" ما نسبته 89% ولائحة زحلة بالقلب ما نسبته 7,8%.
ولقد قدر بقاء أصوات زحلة بيد المعارضة لتساوت النتائج بين المعارضة والموالاة.
وكشفت النتائج عن أن إجراء انتخابات 2009 وفق قانون عام 1960، بخلاف انتخابات 2005 التي جرت وفق قانون عام 2000، قد أثر في اختلاف توزيع المقاعد التي فاز بها كل فريق، إضافة إلى الصوت المسيحي الذي لوحظ أنه إذا ما وجد وسط محيط سني يصوت لمرشحي 14 آذار (الأكثرية)، وإذا ما وجد وسط محيط شيعي فإنه يصوت لمرشحي 8 آذار (المعارضة)، ولذا وصفت المناطق المسيحية بأنها "رمانة الميزان" التي رجحت كفة على أخرى.
واتسمت انتخابات التي أجريت في 26 دائرة انتخابية بخمس محافظات لبنانية، بعدة سمات أهمها:
– نسبة مشاركة مرتفعة جدا في غالبية الدوائر، وخصوصا الساخنة منها، إذ بلغت في المتوسط 54.8% مقابل 46.8% في انتخابات 2005، فيما بدا أنه انعكاس لحالة الاستنفار والتعبئة لدى الطوائف والقوى السياسية على مدى السنوات الأربع الماضية، والتي بلغت ذروتها خلال الأشهر الأخيرة.
– المعارك الانتخابية الأشد عنفا جرت في الدوائر المسيحية، وهذا ما عبرت عنه نسب الاقتراع العالية لدى المسيحيين.
– الحضور الأرمني كان كثيفا وفاعلا في العملية الانتخابية، وخاصة في دائرتي المتن الشمالي وبيروت الأولى.
– شكل الصوت السني، الذي تخطى 27 ألف ناخب، عاملا حاسما في تحديد وجهة بعض الدوائر، كما حصل في دائرة زحلة.
– تدفق اغترابي غير مسبوق على الدوائر الساخنة، ترجمة للجهد الاستثنائي الذي بذله فريقا الأكثرية والمعارضة لتوسيع جبهاتهم الانتخابية بأكبر شريحة ممكنة من المغتربين لتحسين فرص الفوز.
– معظم الدوائر كانت تنحاز لإحدى اللائحتين بشكل كامل دون الأخرى، فمن بين 26 دائرة، شهدت 3 دوائر فقط فوز مرشحين من الأكثرية والمعارضة بنسب متفاوتة.
– لعب المال السياسي دور هام في شراء الأصوات خاصة من قبل قوى 14 آذار مدعومة بالمملكة العربية السعودية والأوربيين والأمريكان.
أما نسب المشاركة الانتخابية في المحافظات اللبنانية الخمس فهي: بيروت 35%، جبل لبنان 46%، شمال لبنان 38%، البقاع 41%، جنوب لبنان 40%.
الأخوة الحضور
لقد اعتبر الكثير أن نتائج الانتخابات اللبنانية كانت فجرت مفاجئات كبيرة ومذهلة، وقلبت موازين القوى السياسية في لبنان.
ولكننا قد لا ندهش أو نفاجأ بتلك النتائج إذا استحضرنا العديد من العناصر التاريخية والمعطيات السياسية والاقتصادية خاصة الطائفية الحاكمة للحكم والسياسية والاقتصاد والمجتمع وكل شيء في لبنان، كذلك التقاطعات الإقليمية القوية.
ولنستعرض معا جانب من هذه المعطيات والعناصر
أولا: البنية السياسية اللبنانية:
البنية السياسية في لبنان هو نتاج لـ "الميثاق الوطني" وهو اتفاق غير مكتوب بين النخبة التي فاوضت الفرنسيين على الاستقلال. بموجبها تم الاتفاق على أن تكون رئاسة الجمهورية للمارونيين، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وللدروز أحد الوزارات السيادية: الداخلية، الخارجية، الدفاع. وهكذا.
قام النظام السياسي إذن على متكئا على بنية طائفية، أسهمت التطورات اللاحقة، ودور القوى الإقليمية والدولية في تعزيزها. ارتبطت الطائفة المارونية بالفرنسيين، والارثوذكسية بالروس، والسنة بعد ثورة يوليو بمصر، ولاحقا بالسعودية والدروز انتقلوا في تحالفاتهم، بين فرنسا وروسيا ومصر وسوريا، وأخيرا ضمن تحالف 14 آذار مع التحالف الأمريكي – السعودي- المصري. أما الشيعة، فكانوا حتى تأسيس حركة أمل، بدعم من شاه إيران لم يكونوا منظمين، وكانت عائلة الأسعد المحافظة والتقليدية تحتفظ برئاسة البرلمان لفترة طويلة. لكن التطورات اللاحقة فرضت أمل وحزب الله كعنصرين فاعلين، حظيت أمل بتأييد الرئيس السوري، حافظ أسد، وبعد الثورة الإيرانية، واعتبارا من العام 1983، بدأ حضور حزب الله بدعم وتوجيه إيراني مباشر.
ثانيا: النظام الانتخابي اللبناني
جرت الانتخابات على أساس قانون الانتخابات لسنة 1960 كما أسلفنا.
بلغ عدد المقترعين اللبنانيين أكثر من ثلاثة ملايين ناخب، يتوزعون على 26 دائرة انتخابية، عدد المسيحيين منهم 1,257,618 ناخبا أي ما نسبته 38,97% أما عدد المسلمين فهو 1,897,193 ناخبا أي ما نسبته 60,38%. والسنة هم الأكثر تعدادا من حيث عدد الناخبين فهم 851,670 ناخبا يليهم الشيعة 840,308 ناخبا، فالموارنة 690,368 ناخبا.
وتنافس أكثر من 450 مرشحا على 128 مقعدا، يتقاسمها المسلمون والمسيحيون مناصفة، فهناك 64 مقعدا للمسلمين موزعة على النحو التالي: السنة 27، الشيعة 27، الدروز 8، العلويون 2. وهناك 64 مقعدا للمسيحيين: الموارنة 34، الروم الأرثوذكس 14، الروم الكاثوليك 8، الأرمن الأرثوذكس 5، الأرمن الكاثوليك 1، الإنجيليون 1، والأقليات المسيحية1 الأخرى1، وهذه الفئة تشمل الناخبين المسيحيين من الأرمن البروتستانت والسريان والأرثوذكس والكاثوليك، كما تتضمن الأقباط الأرثوذكس والكاثوليك وكذلك الأشوريين والنسطوريين. والجدير بالذكر أن ثلاثة مرشحين أرمن كانوا قد فازوا بالتزكية قبل بدء العملية الانتخابية.
ورغم أن المقاعد النيابية موزعة على الطوائف فذلك لا يعني أن كل طائفة تنتخب ممثليها، رغم أن هذا ليس صحيحا دائما، فالتركيبة اللبنانية الديموغرافية أعقد من أن تسمح بتحقيق هذه الغاية التي يطمح إليها كثيرون في نظام طائفي متجذر، فلبنان الذي يتعايش فيه حوالي 69 حزبا سياسيا والمكون من 18 طائفة دينية تكاد تكون معظم مناطقه مختلطة سكانيا، ومهما صغرت الدائرة الانتخابية تكون في معظم الحالات من مكونات مذهبية متعددة. وباستثناء دائرة بشري المارونية الخالصة في شمال لبنان، نكاد لا نعثر على دائرة انتخابية أخرى لها الحالة نفسها. إلا أن معظم الدوائر يغلب عليها انتماء طائفي معين مثل بعلبك ـ الهرمل أو النبطية وبنت جبيل ذات الأغلبية الشيعية، وصيدا وطرابلس والمنية ـ الضنية ذات الصبغة السنية. وثمة دوائر شديدة الاختلاط مثل زئنحلة (10 طوائف)، بيروت الثانية (10 طوائف)، بيروت الثالثة، معقل سعد الحريري (11 طائفة)، بعبدا وتشمل الضاحية الجنوبية (8 طوائف). ورغم أن ثمة دائما طائفة مرجحة وقد تكون كاسحة، إلا أن صغر حجم الدوائر بحسب قانون الانتخاب الحالي، وتقارب النتائج المحتملة بين المرشحين في بعض الحالات، يجعل من أصوات الأقليات الصغيرة ضمن كل دائرة ولو بلغت مئات الأصوات، بالغة الأهمية، خاصة في المناطق التي تشهد منازلات حادة.
ونقلا عن الـ بي بي سي، وجامعة تكساس وموقع السي أي أيه، نشر موقع الجزيرة الاحصائية التالية عن التوزيع الطائفي لسكان لبنان لسنة 2007:[4]
[عدل] المسيحيون