منصور الجمري
مصطلح «المياه الجافة» متناقض، إذ كيف تكون المياه التي تبلل كل شيء «جافة»؟ ولكن العلم الحديث وتطوره المستمر استطاع فعلاً إنتاج «مياهاً جافة»، إذ يتم تصغير قطرات المياه إلى حجم حبة الرمل، وبعد ذلك يتم طلاء هذه القطرات بمادة «السيليكا»، وينتج عن ذلك مسحوق يشبه الملح، ولكنه في الواقع يحتوي على 95 في المئة من الماء. والاستخدامات لهذه المادة الغريبة مازالت تدرس، فالبعض يوجهها للاستخدام في صناعة مواد «التجميل»، بينما البعض الآخر يرى لها فوائد في حماية البيئة.
مهما يكن، فلا نريد أن نشارك العالم في «اختراع سياسي» ليست منه فائدة، وذلك عبر طرح حوار بأسلوب القطرات المصغرة جداً، ولكن من دون أن تكون ذات محتوى له علاقة بالحوار. ربما تنفع هذه القطرات في «تجميل» البيئة السياسية فقط، من دون أن تجري عليها تغييرات جوهرية تنفعنا في شيء.
التقطير الحالي غريب جداً، إذ إن الدعوة للحوار انطلقت من تصريح صغير جداً، بعكس ما تعودنا عليه من وزارة العدل التي تسهب كثيراً في بياناتها الصحافية الأخرى. وبعد إطلاق هذه «القطرة الصغيرة الأولى»، انقطعت الأنباء عن الحوار، وبدلاً من ذلك اطلقت تصريحات متناقضة من هنا وهناك، بعضها يوحي بأن الحكومة تنازلت أو تخلت عن دورها في السياسة، وأنها لا ترى لنفسها مكاناً في شيء اسمه «حوار»، والأمر لا يكاد يعنيها من الأساس.
بعد ذلك رجع «التقطير»… إذ وبحسب الجمعيات السياسية المعارضة فإنها تسلمت مكالمة من وزارة العدل تطلب منها ترشيح «ستة أسماء»، وأن الوزارة ستتولى الاتصال بهذه الأسماء بنفسها، وستتفق معها على اجتماع. وعندما سألت المعارضة عن الأجندة والموضوع والتفاصيل، قيل لها إنه لا يوجد تخويل بالإفصاح عن أية معلومات من هذا النوع!
ولو قارنا «الشح الشديد» في هذه التصريحات الرسمية مع تصريحات صدرت عن الأمم المتحدة وأميركا وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي فسنجد أن العالم أجمع كلف نفسه التحدث عن موضوعنا البحريني أكثر من المصدر الرسمي لدينا. والسؤال: لماذا نحول الحوار البحريني إلى «مياه جافة» لا يمكن شربها؟