عقيل ميرزا
بعد إحالة الحكومة لمشروع قانون بشأن الإعلام والاتصال إلى السلطة التشريعية قبل نحو شهر واحد أصبح الآن في أدراج البرلمان أربعة مقترحات بقانون تتعلق بالصحافة والنشر، وكأن الحكومة والنواب يمارسون هواية جمع الطوابع، ومشروعات ومقترحات قوانين الصحافة والنشر هي تلك الطوابع التي ليس لها مفعول غير استخدامها للذكرى.
كل التشريعات المتعلقة بالصحافة التي اصفرّت أوراقها في البرلمان، لا تزال أجنّة في عالم الأرحام، ولا أحد يعلم كم سيستغرق هذا الحمل الذي لا يبشر بولادة في الطريق، ويخشى الصحافيون أن يكون هذا الحمل كاذباً، فمن يُصدّق أننا منذ الفصل التشريعي الأول لمجلسي الشورى والنواب، الذي بدأ قبل اثني عشر عاماً مازلنا ننتظر ولادة قانون جديد يتناسب مع القرن الواحد والعشرين.
يوم أمس (الاثنين) حضرت «الوسط» ندوة في مجلس النواب كان هدفها الاستئناس برأي الصحافة المحلية بالقانون الجديد، الذي طال انتظاره، وإضافة إلى أن الوقت المتبقي من وقت عمل المجلسين لا يكفي لاستصدار رخصة سواقة، جديدة، فضلاً عن قانون يتكون من أكثر من مئة مادة، فإن الملاحظات على هذا المشروع لا تبشر بقانون يعزز حرية الرأي والتعبير، بل بقانون ربما يجهز على القدر من هذه الحرية.
أولى الملاحظات أن المتصفّح لأبواب القانون الجديد يعتقد بأنه يتصفح قانون العقوبات، وليس قانوناً للصحافة، فباب المسئولية الجنائية فيه هو الباب الأكبر والأوسع، فقد استولى على نحو ثلث مواد القانون، إذ يتكون هذا الباب من 32 مادة، بينما تتراوح مواد كل باب من الأبواب الأخرى بين 10 و20 مادة، وقد حاولت أن أجري إحصائية لكلمة «يعاقب» إلا أنني فشلت في إحصائها، بسبب كثرة ورود هذه المفردة التي تبعث على التشاؤم.
الطامة التي تنتظر كل من له علاقة بالإعلام المقروء، والمرئي، والمسموع، هي عدد الجسور الممدودة من قانون الصحافة الجديد، إلى قوانين أخرى، أهمها قانون العقوبات، أو حتى قانون الإرهاب، أو أي قانون آخر، ما لم يتم نسف هذه الجسور، والاكتفاء بمحاسبة الصحافي وفق هذا القانون فقط، من دون إحالته لقوانين أخرى، قد يحبس أو حتى يسجن الصحافي لو عوقب بإحدى موادها.
موضوع آخر وهو مطاطية المفردات التي لا يمكن أن يتفق على تفسيرها اثنان في العالم، ولكن الصحافي يجد نفسه مُحاصَراً بها في غالبية مواد القانون، ولا أعرف إلى من سيُترك تفسيرها إذا وقف الصحافي في قفص الاتهام، ومن هذه المفردات المطاطة، «سوء النية»، «تهديداً مباشراً للنظام العام»، وغيرهما، من التعبيرات المطاطة، التي لا يُختلف على تفسيرها.
ومن الملاحظ أيضاً أن «الإلاءات، والمالمّات» (إلا، ما لم) التي انتشرت في مواد القانون، جعلت منه ناعم الملمس، ولكنه، قد يأخذ بيد الصحافي، إلى ما وراء الشمس، فمثلاً فيما يتعلق بسرية مصادر الصحافي، فإن المادة (5) من القانون تشير إلى أنه (لا يجوز إجبار الصحافي على إفشاء مصادر معلوماته، إلا إذا كان إخفاؤها تهديداً مباشراً للنظام العام) وهذه الصياغة منتشرة في القانون، إذ أن المواد ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
إذا كنا لا نعتقد بأن الصحافة شريكة للسلطات الثلاث، وأن لها دوراً لا يقل عن دور تلك السلطات، فلن نصدر قانوناً ينهض بالعمل الصحافي في البحرين، ويأخذ بهذا الحراك الإعلامي في الصفوف الأمامية، في وقت لا تسمح فيه المجتمعات التي نعدها بدائية بالتقهقر في حرية التعبير، لأن تلك المجتمعات أدركت بأن للصحافة دوراً لا يمكن الاستغناء عنه في عالم قائم على الاتصال، بوسائل أسرع من الضوء.