عقيل ميرزا
كلنا يتذكر كيف كان الحزن عميقاً عندما سقط الشاب علي مشيمع في يوم 14 فبراير/ شباط 2011، وزاد عمق هذا الألم والحزن عندما سقطت سلسلة أخرى من الضحايا بسرعة الضوء وخصوصاً في يوم 17 من الشهر نفسه أو ما سمي بـ «الخميس الدامي»، فخلال أربعة أيام ارتفعت القائمة إلى ست ضحايا، وعلى الرغم من الاختلافات في وجهات النظر حيال الأزمة آنذاك، إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يكن مختلفاً عليه هو أن البحرين كلها حزينة لفقد أيٍّ من أبنائها، وعلى هذا الأساس كان الحداد عامّاً ولم يكن مناطقياً، أو طائفياً، بل ولم يكن شعبياً فحسب، بل كان بحرينياً بامتياز، فالحداد على الضحايا كان رسمياً وشعبياً.
مضت الأيام والأشهر والأعوام، وأكلت الأزمة من عمر هذا الوطن أكثر من ثلاث سنوات عجاف، حتى صرنا اليوم نحصي الجراحات جرحاً جرحاً، ولم تعد قائمة الضحايا تحمل ستة أسماء فقط كما كانت في يوم 17 فبراير 2011، بل ارتفعت إلى 117 ضحية بحسب إحصاءات رسمية وأهلية، وإذا كان حجم الألم على الضحايا بداية الأزمة كبيراً لا أعرف كيف يمكن أن نَصِف حجم هذا الألم ونحن نقرأ أسماء 117 ضحية بين رجل، وامرأة وطفل، سواء من عامة الناس أو من الشرطة، أو من الأجانب أيضاً، فالضحية هي هي، والألم هو هو، ولا يمكن أن نضرب جداراً عازلاً بين أحد منهم والآخر، فكلهم ضحايا.
أكثر ما يأكل من الأوطان هو استمرار نزيف أبنائه، والدماء التي تجري من هذا النزيف واحدة؛ فالطائفة، والتوجه، والمنطقة، واللغة، واللهجة، لا تغير من لون الدم، فكلها دماء حمراء جريانها يؤلم فؤاد الوطن، ويزيد وجعه وحزنه وألمه.
في الوقت الذي نسمع فيه هذه الأخبار المحزنة باستمرار، وفي الوقت الذي نسجل فيه الضحية تلو الأخرى، نجد الأخبار السارة منقطعة تماماً، كانقطاع الماء عن الحديقة الغنّاء، فأخبار الحوار ليس لها حسيس ولا نجوى، لا في قنوات السلطة، ولا المعارضة، وكلما اقتربنا من الحل خطوة واحدة ابتعدنا عنه خطوات عديدة، بل صرنا لا نقرأ إلا الأخبار التي تأخذ بالأذهان إلى مزيد من التعقيد، ومزيد من التأزيم، ومزيد من الاحتقان، وكأننا اخترنا لأنفسنا أن نخسر أكثر، وأن نتألم أكثر، ونتقهقر عن الحل أكثر وأكثر.