اعتبر أكاديميون أن فصل عدد من أساتذة الجامعة خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين، من شأنه أن يؤثر على مؤشر التعليم العالي في البحرين بالمقارنة مع الجامعات الأخرى.
وصدر قبل أيام مؤشر «كيو إس» لتصنيف أفضل 300 جامعة في العالم للعام الدراسي 2011/2012، والتي خلت منها أية جامعة محلية، واقتصر التواجد العربي في القائمة على جامعتين سعوديتين؛ هما: جامعتا الملك سعود والملك فهد للبترول والمعادن، اللتان حصلتا على الترتيب 200 و221 على التوالي، إضافة إلى الجامعة الأميركية في بيروت التي حصلت على الترتيب 300.
فيما تصدرت القائمة الجامعات الأميركية والبريطانية، وعلى رأسها جامعتا كامبردج وهارفارد.
وفي يوليو/ تموز الماضي، صدر مؤشر «webometric» لتصنيف الجامعات العالمية الذي تعده أكبر هيئة عامة للبحوث في أسبانيا، والذي صنف ترتيب جميع جامعات العالم بحسب الأفضلية، وجاءت جامعة البحرين فيه في الترتيب 4065 على مستوى العالم، فيما خلت قائمة أفضل 100 جامعة عربية من أية جامعة بحرينية.
وفي هذا الصدد؛ اعتبر رئيس الجمعية البحرينية للجامعيين علي سبت أن خلو مؤشر أفضل 300 جامعة في العالم من أية جامعة بحرينية، لا يتناسب والأولويات الثلاث التي ركزت عليها رؤية البحرين الاقتصادية 2030، وقال: «إن التصرفات والسلوكات التي مورست في الملف التعليمي في الفترة الأخيرة وفي ظل غياب معايير واضحة وشفافية ألحقت خسائر وضرراً بهذا الملف».
وأضاف «لا شك أن عمليات الفصل التعسفي للأكاديميين والطلبة وإلغاء البعثات، من شأنه أن ينعكس على البيئة التعليمية في البحرين، ومن ثم يؤثر على المعايير التي توضع في الاعتبار عند تقييم الجامعات».
وتابع «ينبغي الابتعاد عن تسييس هذا الملف، ويجب أن يوضع له الاهتمام والأولوية الكبيرة وبعيداً عن عمليات التسييس والتمييز».
وربط سبت بين خلو المؤشر من الجامعات البحرينية، وآلية منح البعثات للعام الدراسي الجاري، معتبراً أن آلية توزيع البعثات لهذا العام كانت مجحفة بحق الطلبة الذين اجتهدوا في دراستهم لمدة 12 عاماً من أجل الحصول على معدلات عالية، مشيراً إلى أن الآلية المتبعة حديثاً لتوزيع البعثات جاءت في ظروف غير مستقرة وظروف استثنائية تمر بها البلاد.
وقال: «الخريجون المتفوقون أصيبوا بالإحباط نتيجة توزيع البعثات، ويكفي أن الخامسة على البحرين حصلت على رغبتها العاشرة، وهذه المرة الأولى في تاريخ متابعتنا يحصل مثل ذلك».
وتابع «في غياب هذه المعلومات وعدم الشفافية، عجزت الجمعية في هذا العام عن إعداد دراستها السنوية من خلال تحليل نتائج الثانوية العامة والتخصصات ومجالاتها، والبعثات المحلية والخارجية، ومتابعة التظلمات في هذا الشأن. ففي هذا العام كل هذه الأمور غابت في ظل الشكاوى التي وصلتنا».
وطالب سبت بإعادة النظر في آلية توزيع البعثات، باعتبار أن ذلك من شأنه أن يترك آثاره على مستقبل التعليم في البحرين، وخصوصاً أن الصدمة التي لحقت بالخريجين المتفوقين لا يمكن إصلاحها بسهولة.
وأشار إلى أن الجامعات البحرينية تحتاج إلى جهاز شفاف ومستقل، يعمل بعدالة وشفافية ومعايير واضحة من أجل متابعة ملف التعليم العالي، مضيفاً «دعونا إلى أن يكون مجلس التعليم العالي جهة مستقلة عن وزارة التربية، لأن ملف التعليم العالي ملف كبير ويحتاج إلى جهد جبار من أجل النهوض بالبحرين وسمعة البحرين وصناعة التعليم في البحرين».
وتابع «نحن بحاجة إلى أن تتبع الجهات المعنية بالتعليم العالي ذات معايير شفافة ومتواصلة ودعم مادي وموازنة كافية، لأن التقييم وجودة مخرجات التعليم العالي لا يمكن أن تتم من دون هذه الموازنة والكفاءات العلمية».
كما أكد سبت ضرورة إشراك كل الجهات المعنية في عملية تطوير التعليم العالي سواء الجامعات أو مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، من أجل أن تكون مخرجات التعليم بشكل أفضل مما هي عليه.
أما الأكاديمي فاضل البصري؛ فأشار إلى أن تقييم الجامعات بحسب المؤشرات العالمية يتم وفق معايير معينة، من ضمنها نسبة الأساتذة إلى عدد الطلاب والخدمات التي تقدم إلى الطلاب والأبحاث المنشورة لأساتذة الجامعة ومستواهم الأكاديمي، وسعة المكتبة الجامعية.
وقال: «بالنسبة إلينا هذه المؤشرات جعلت جامعاتنا المحلية متأخرة بشكل عام، وخصوصاً بمقارنتها بجامعات أخرى لديها مراكز للأبحاث، على سبيل المثال، في حين أن الجامعات في البحرين تركز على التدريس، ويعتبر نصاب الأستاذ الجامعي فيها مرتفعاً جدّاً بالمقارنة بالجامعات المرموقة».
وأضاف «في جامعة البحرين على سبيل المثال، يكون نصاب الأستاذ الجامعي فيها ثلاث مواد بمعدل 15 إلى 18 ساعة للتدريس في الفصل الدراسي الواحد، بينما في جامعات أخرى يقتصر نصاب الأستاذ على ثلاث مواد في العام الواحد، وذلك بغرض عدم إشغال الأستاذ بالتدريس فقط، وإنما دفعه لإجراء البحوث».
كما أشار البصري إلى مقومات أخرى للبحث تتعلق بوجود مكتبة وسهولة الحصول على الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية، موضحاً أن عدم الحصول على المعلومة يؤخر عمل البحث أو إجراء البحث نفسه، ناهيك عن عدم وجود دعم لحضور المؤتمرات العلمية لتبادل الأفكار والاطلاع على ما هو جديد.
ولفت البصري أيضاً، إلى أن من بين أسباب تراجع الجامعات المحلية في مؤشرات تصنيفها، غياب شفافية التوظيف، مبيناً أنه في الجامعات الأخرى يتم شغل منصب رئيس القسم أو العميد بنشر إعلان في الصحافة، يسمح لأي شخص سواء من داخل أو خارج الجامعة التقدم للمنصب، في حين أن بعض الجامعات المحلية لا تعتمد على أساس واضح يعتد به في شغل هذه المناصب، وقال: «في أحيانٍ كثيرة قد لا يكون رئيس القسم هو الأفضل أو لديه مؤهلات كافية، وهو ما يؤدي إلى خلق إحباط بين زملائه».
وأضاف «في الجامعات المرموقة، يتم اعتماد نظام للتعاقد مع أي أستاذ جامعي جديد، الذي إذا استوفى كل متطلبات الوظيفة يتحول إلى نظام عقد دائم».
كما أشار البصري إلى أن نظام الترقيات في بعض الجامعات معقد ويتم التأخر في منح الترقية للأستاذ الجامعي من دون أسباب، ومن خلال عمل بعض «اللوبيات» لتحديد الترقيات.
واعتبر البصري كذلك أن من بين العوامل الأخرى التي تؤثر على مستوى تصنيف الجامعات؛ هو عدم حصول برامجها على الاعتماد الأكاديمي من جهات عالمية، وأن مثل هذا الاعتماد يرتقي بسمعة الجامعة وبرامجها، ويسهل انتقال الطالب إلى جامعات مرموقة.
وقال: «ربما تكون جامعة البحرين هي الجامعة المحلية الوحيدة الحاصلة على اعتمادية المجلس الأميركي للاعتماد الأكاديمي، وهي خطوة جيدة. إلا أن قرارات فصل عدد من الأكاديميين الذي تم بناء على آراء سياسية، هو مخالف لحقوق الإنسان وسيؤثر على مستوى تقييم الجامعة من قبل المجلس الأميركي على سبيل المثال، الذي يتم كل ستة أعوام، وسيتم بموجبه إعادة تقييم الجامعة بعد عامين».
من جهته، اعتبر الأكاديمي عبدالإمام السماك أن فصل الأساتذة الجامعيين لآرائهم السياسية من شأنه أن يؤثر على سمعة الجامعة على المستوى الدولي، ويعطي مؤشراً على افتقار الجامعة إلى حرية الرأي، وقال: «إذا لم يكن لدى أساتذة الجامعة حرية التعبير عن آرائهم، فكيف يمكن لهم غرس مبدأ حرية الرأي لدى طلبتهم؟».
وأشار السماك إلى أن تصنيف أي جامعة يعتمد على نوعية مخرجات الجامعة والأبحاث التي تجريها، وآلية إدارتها، ومعيار التوظيف والترقي فيها، وما إذا كان هناك عدل وإنصاف وحرية لجميع منتسبيها، معتبراً أن افتقار الجامعة إلى هذه المقومات من شأنه أن يقلل من مستوى عطائها بالمقارنة مع جامعات أخرى.
وقال: «إذا كان الأستاذ الجامعي يرى أن هناك تمييزاً ضده في وظيفته، وأن التعيينات تتم بموجب معايير معينة، فكيف يمكن أن يكون لديه انتماء وعطاء؟، مثل هذه الأجواء تخلق جوّاً غير منتج».
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3292 – الإثنين 12 سبتمبر 2011م الموافق 14 شوال 1432هـ