تأتي الذكرى الخامسة والثلاثون ليوم الأرض الخالد، هذا اليوم الذي انتفضت وهبت فيه جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني- عرب 48- من الجليل وحتى النقب لكي تدافع عن أرضها ووجودها في وجه مخططات التهويد والاستيلاء على الأرض الفلسطينية، ولكي تثبت للاحتلال بأن هذا الشعب الفلسطيني يجترح المعجزات ويستميت في سبيل الدفاع عن أرضه، تلك الأرض التي هي محور صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فهو يستخدم كل الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة من البلطجة والزعرنة وقوانين الطوارئ وأملاك الغائبين وتجنيد القضاء والقانون وتطويعه لهذا الهدف، هدف الاستيلاء على الأرض، وقوننة سلب الأراضي الفلسطينية كانت وما زالت تمر بواسطة قانونين أساسيين، قانون أملاك الغائبين عام 1953 وبموجبه حولت إسرائيل لحوزتها بشكل رسمي وقانوني جميع أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى الدول العربية المجاورة، وقانون استملاك الأراضي 1953 (قانون الحرام) بموجبه صودرت غالبية أراضي القرى المهجرة من مالكها الفلسطينيين بما فيهم المهجرين الداخليين، ونحن في هذا الجانب نشهد حرباً حقيقية تشن على شعبنا في الداخل، حيث نشهد إزاحات غير مسبوقة مجتمعية إسرائيلية نحو العنصرية والتطرف، والمسألة ليست قصراً على جملة القوانين العنصرية التي تشرع وتسن ضد شعبنا وأهلنا في 48 من قانون عزمي بشارة إلى قانون منع التحريض وقانون منع إحياء النكبة وقوانين فرض مواضيع تعليمية إسرائيلية على منهاج التعليمي العربي وغيرها، فهناك عملية تجري على درجة عالية من الخطورة، وهي محاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث شرعت ما يسمى دائرة أراضي إسرائيل في عام /2007 بنشر مناقصات لبيع أملاك اللاجئين في المدن، واستتبع ذلك في شهر آب/2009 سن البرلمان الإسرائيلي قانون الإصلاحات في دائرة أراضي إسرائيل، القانون يسمح بخصخصة أراضي بملكية الدولة تقدر ﺑ800000 دونم (أراضي مبنية ومعدة للتطوير بناءاً على المخططات الهيكلية) وذلك يشمل أملاك لاجئين فلسطينيين، وهذا القانون يسري المفعول في المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والجولان المحتل، وبيع الأملاك يشكل، فعلياً، مصادرة نهائية لحقوق الملكية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين على أملاكهم.
هم شعبنا واحد، ومصير شعبنا واحد، وتطلعات وأهداف شعبنا واحدة، وإن اختلفت الأولويات، وكذلك الاستهداف واحد فبالقدر الذي تستهدف فيه حيفا ويافا واللد والرملة والمثلث وعرابة وسخنين والعراقيب، بالقدر الذي تستهدف فيه القدس ونابلس والخليل وغزة والشيخ جراح وسلوان وكل بقعة من بقاع أرضنا الفلسطينية، فهذا عدو يبني وجوده ومشروعه على استباحة ومصادرة أرض الغير ونفي وجوده، ولكن شعبنا يعي جيداً حقيقة أهداف المشروع الصهيوني، وهو مصمم على البقاء والإنغراس والتجذر والصمود في وعلى أرضه والدفاع عنها باستماتة، فجذوره ضاربة وراسخة في أعماق هذه الأرض كامتدادات ورسوخ أشجار الزيتون، وهي ممتدة لأكثر من خمسة ألاف عام، ولن تجدي معه لا أساليب الترهيب ولا التخويف ولا البطش ولا البلطجة ولا الزعرنة ولا المقولات والأساطير التوراتية والتلمودية من طراز "شعب بلا أرض وأرض بلا شعب"وسيبقى يدق ويقلق مضاجع الإسرائيليين في منامهم وأحلامهم، وكوابيساً تلاحقهم في الصحو والنوم.
ورغم أن الاحتلال يزداد تغولاً وتوحشاً وعنصرية، ويواصل شن حرب عدوانية شاملة على شعبنا الفلسطيني، تتجسد وتتمثل في حرب متواصلة على شعبنا في القطاع، وبلطجة وزعرنة لقطعان وسوائب المستوطنين على طول جغرافيا الضفة الغربية، سوائب تمارس القتل والبلطجة والزعرنة والتعدي على ممتلكات وبيوت المواطنين، وقطع واقتلاع أشجارهم وتدمير مزروعاتهم وسرقة محاصيلهم والاستيلاء على أرضهم ومحاصرة واقتحام قراهم تحت سمع وبصر قوات الاحتلال وشرطته التي توفر لهم الأمن والحماية، وبمباركة ومشاركة وتغطية من المستويين السياسي والقضائي لدولة الاحتلال، وخير شاهد ومثال على ذلك، ما عاثته سوائب المستوطنين من دمار وترويع لسكان قرية عورتا في نابلس في أعقاب عملية"إيتمار" التي ارتكبها ونفذها عمال آسيويين، وما يجري من عمليات تطهير عرقي واستيلاء على الأرض في منطقة الأغوار الفلسطينية، حيث تصعد سلطات الاحتلال والمستوطنين من ضغوطاتهم على المواطنين الفلسطينيين والبدو القاطنين في الأغوار الفلسطينية، بهدف إجبارهم على الرحيل واستكمال مخططات الاستيلاء على المزيد من الأراضي وإقامة البؤر الاستيطانية بهدف إفراغ الأغوار من سكانها.
فإن شعبنا يضرب أروع الأمثلة في الصمود والتضحية والمقاومة والتشبث بالبقاء، هذا الشعب في ظل تلك الهجمة ورياح التغيير التي تهب على عالمنا العربي بفعل الانتفاضات والثورات الشبابية، يتطلع إلى قيادات شعبنا بأن ترتقي إلى مستوى المسؤولية، وأن تغلب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني على المصالح والأجندات الفئوية، وأن تنهي ظاهرة الانقسام المدمرة، تلك الظاهرة واستمرارها تشجع الاحتلال الإسرائيلي وتفتح شهيته على المزيد من التوسع والاستيطان، وإخراج مشاريع التهويد والتطهير العرقي الى حيز الوجود والتنفيذ، فها هي القدس تشن عليها حرب شاملة ومفتوحة، ولم تعد مسائل الطرد والترحيل وهدم البيوت فردية، بل أصبحت جماعية وتطال أحياء بكاملها، وكذلك ما يجري في النقب، حيث الهجمة شاملة وتستهدف تصفية الوجود العربي هناك، وما طال قرية العراقيب البدوية هناك من هدم للمرة التاسعة، سيطال الكثير من التجمعات العربية الأخرى في النقب.
في ظل حكومة استيطانية يمينية مغرقة في العنصرية والتطرف في إسرائيل، وفي ظل تسييد وجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو المزيد من العنصرية والكره والحقد لكل ما هو عربي وفلسطيني، فالمتوقع لهذه الهجمة الاستيطانية أن تتصاعد وتتكثف، وخصوصاً أن الاستيطان في الضفة الغربية منذ ما يسمى بمؤتمر انابولس للسلام وحتى اللحظة الراهنة زاد بنسبة لا تقل 200% ويجري التخطيط من أجل إقامة حوالي 80000 وحدة سكنية للمستوطنين في الضفة الغربية، من اجل تغير الطابع الديمغرافي فيها.
وكل هذه المخططات تثبت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمختلف تلاوينها وتسمياتها، إن اختلفت في التفاصيل والجزئيات والهوامش والنبرة واللغة، فهي متفقة في الاستراتيجي، وهو مواصلة الاستيطان والأسرلة والتهويد، بينما نحن نواصل الاقتتال على سلطة وهمية ولا نبني ولا نمتلك أية استراتيجيات جدية لإنقاذ أرضنا من الأسرلة والتهويد.
نعم في ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تستباح فيه الأرض الفلسطينية، ويجري نهبها ومصادرتها والاستيلاء عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها، فلا بد من وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وآليات تنفيذية تمكن من الدفاع عن الأرض وحمايتها، واستخدام كل وسائل المقاومة بكل أشكالها ومسمياتها بدءاً من رفض استئناف المفاوضات العبثية، وربط أي عودة إليها بالوقف الكامل والشامل للاستيطان في القدس والضفة الغربية، مع تحديد سقف زمني ومرجعيات لتلك المفاوضات، وكذلك تصعيد النضال الجماهيري والشعبي، كما هو الحال في مقاومة جدار الفصل العنصري، حيث بلعين ونعلين والمعصرة وام سلمة والولجة وبيت امر وغيرها ضربت أروع الأمثلة في المقاومة الشعبية، والتي يجب أن تتطور وتتوسع لتشمل كل قرى ومدن فلسطين، فما عاد الشجب والاستنكار والبيان والمهرجان والاحتفال من الوسائل الفعالة في مقاومة وردع ووقف غول الاستيطان، هذا الغول الذي يبتلع كل شيء له علاقة بالوطن، لا استجداء بالمفاوضات يوقفه ولا الاستجداء على أبواب هيئة الأمم والبيت البيض وعواصم أوروبا الغربية أيضاً، وكذلك ليس بالخطب العصماء والشعارات الرنانة و"الهوبرات" الإعلامية والتصوير أمام الكاميرات وفي الفضائيات، بل ما يوقفه هو وحدتنا وإنهاء انقسامنا ونضال جاد وحقيقي، وخطوة عملية قي هذا الجانب أفضل من مليون شعار.