نوال عباسي – الأردن
أيام وأيام ويرحل عام ألفين وأربعة عشر تاركاً خلفه قصصاً وحكايات ومآس وفواجع وأوجاع عربية سيرويها وسيحكيها التاريخ.
ما حدث من أحداث في هذا العام على أرض وطننا العربي تستحق التوقف عندها، وسأمر على ما علق في ذاكرتي منها. سأبدأ بغزة التي رأى الشاعر يوسف الخطيب وجه الله فيها ونحن رأينا ينابيع الدم فيها. غزة التي دمرها الصهاينة وقتلوا وأعاقوا وشردوا مئات الآلاف من أهلها لإشباع غريزتهم في القتل والتدمير تاركين خلفهم عشرات الآلاف من الناس يعيشون إما في الخيام أم في العراء. ولن أنسى الفتى أحمد أبو خضير والطريقة الأكثر وحشية من الوحوش التي استشهد خلالها. أما عن إمعان الصهاينة في تهويد فلسطين من البحر إلى النهر. وذلك يتم بالاستيطان وبالحفريات حول وتحت الأقصى لهدمه فحدث ولا حرج.
وخلال هذا العام، أطل علينا عبر شاشات التلفزة، المخبول التن ياهو بمهزلة الاعتراف بـ"الدولة اليهودية" متناسياً بأنه غاصب ومحتل، وبأن فلسطين كانت وستظل عربية القلب والأرض واللسان منذ فجر التاريخ، ولن يجرؤ أي عربي بالاعتراف بـ"يهودية" فلسطين حتى لو كان من أكبر العملاء.
أما عن العراق فلقد أضحى ذبيحة تتناهشها ذئاب الطائفية والعرقية، والحرامية، والداعشية الذين سهل لهم الدرب نوري المالكي لاحتلال مدينة الموصل والاستيلاء على ثرواتها البنكية وعلى أطنان من الأسلحة وعلى ثياب عسكرها الذين هربوا بالدشاشيش إلى كردستان، ناهيك عن الأمريكان والصهاينة والصفويين وشذاذ الأفاق الذين يتسابقون مع ساكني المنطقة الخضراء في نهش تلك الذبيحة، ولقد سهلوا الدرب للغربان بأن تصول وتجول في الأجواء وتقتل من تود بحجة "محاربة داعش"، الشياطين الذين صنعتهم أمريكا لتخريب الغير مخرب من أقطارنا العربية. ولقد أرسلوا قوات أمريكية ومتعددة لتعميق جذور الغزو الإمبريالي للعراق.
أما النفط العراقي فينهب ومردوده يدفع كثمن للأسلحة الأمريكية التي تحصد أرواح الأهالي والثوار الرافضين لاستعمار بلدهم، وتصدر للعراق تحت كذبة محاربة الإرهاب الذي صنعوه والذي أنعشت الاقتصاد الأمريكي قبل نهاية هذا العام.
أما عن سوريا فحدث ولا حرج بعد أن دمرها الإسلام المتطرف، وغيره من المرتزقة، وأضعفوا اقتصادها وجيشها. ناهيك عن اكثر من مليوني لاجئ سوري نصفهم يعيشون إما في المخيمات وإما في العراء. والذبيحة السورية تتناهشها الدول القوية، كأمريكا وتركيا وروسيا وإيران من أجل مصالحها. وكما قيل: لا صداقة في السياسة إنما مصالح..!
أما عن ليبيا فالنار مشتعلة فيها، والإسلام المتطرف يقتل يومياً العشرات ويهدم وينهب المنازل ويشرد ساكنيها إلى الشتات. أما اليمن فقد تصبح قريباً يمنان. أما عن الأردن ولبنان فخلايا "داعش" معششة فيها، وقد تكون على الأبواب. أما السودان فقد أصبح سودانان قبل هذا العام بأعوام. أما عن أم العرب مصر فهي تتعرض لضغوط دولية غير مسبوقة لعودة الإسلاميين والفلول للحكم، وكذلك فهي معرضة لحرب أهلية من الصعب إيقافها إذا ما اشتعلت، وحمايتها مسؤولية وطنية وعسكرية صعبة، إذ يتعرض أفراد من جيشها يومياً للقتل الممنهج من قبل الإسلام المتطرف، ومخطط أمريكا وصهيونيتها تدمير الجيش المصري كما دمروا الجيشان العراقي والسوري كي يمرر المشروع الصهيو-أمريكي بسهولة. (التنح) الذي يبدوا لنا أن لا دم في عروقه، حسني مبارك، يحكم عليه بالبراءة قبل نهاية هذا العام، مع إنه قد ثبت بأنه مجرم ومرتشي، وأعاق نهوض بلده عشرات السنين، تمنيت على النائب العام الذي أصدر الحكم عليه بالبراءة، إضافة البراءة نظراً لسوء صحته ولكبر سنه..!
أما عن بقية أقطارنا العربية، لا بل إنما أقطارنا العربية، فمعظم حكامها يأتمرون بأوامر شرطية العالم أمريكا، ولا هم لهم إلا المحافظة على كراسيهم، أما الشعب فهو مهمش! أما أرضهم فهي مدججة بالقواعد الاستعبادية وترزح تحت نير ظلم ذوي القربى والإمبرياليين. أما الربيع العربي فيهدف إلي تحلل الوطن وتقسيمه إلى دويلات هلامية لخدمة الإمبرياليين ومشروعم الاستعبادي!
كل ما حدث و يحدث على أرضنا العربية من فواجع صنعته أمريكا من أجل تقوية قاعدتها الصهيونية المغروسة في قلب الوطن. ومن أجل نهب ثرواتنا.
أود أن أقول لأمريكا أن الشعب العربي لن يسامحك، والربيع الأمريكي قد بدأ على أرضك، وثورة السود، على التمييز العنصري الذي تمارسينه بين أبناء شعبك، قد اشتعلت على أرضك، والذي زرع الشوك سيجنيه حتماً.
ما من شك بأنني لن أستطيع تغطية كل ما حدث في هذا العام من أحداث في وطننا العربي تستحق الكتابه عنها، لكنني أخيراً سأتوقف عند تأبين فقيد الأردن والوطن العربي المحامي حسين مجلي، وكلمة الأستاذ المحامي المناضل هاني الخصاونة، الذي بكى وأبكى الجميع خلال إلقاء كلمته، وأقول: كم هي غالية وجارحة وموجعة دموع الرجال يا أبا محمد، وكم نحن بحاجة للدموع علناً نغسل قلوبنا من أوجاعنا وأوجاع الوطن التي أتعبتنا.
تقليد في بيتنا كانت أُمي تكسر جرة ليلة الاحتفال برأس السنة مع دقات الثانية عشرة ودخول العام الجديد ليحفظ الله البيت وأهله من الشر.
في وداع العام الجديد سأشتري إثنان وعشرون جرة، ومع دقات الساعة الثانية عشر سأبدأ بكسرها واحدة تلو الأخرى علّ وعسى بأن يبقى عدد أقطارنا كما هو، وأن يفشل مشروع التقسيم الـ"سايس بيكو الجديد" وأن لا يصبح عدد الجرار في العام القادم أربعة وأربعين جرة يا علي بابا.