في ندوة نظمتها وكالة (وفا) لإعداد كوادر في الإعلام
وتحت عنوان (الإعلام وقضايا الأمة العربية)
حسن خليل غريب
على قوى التحرر أن تبتكر وسائل على قاعدة (المقاومة الشعبية الإعلامية) من أجل الوصول منها إلى مدارك الجماهير
أيتها الأخوات
أيها الأخوة
لست أكاديمياً في الإعلام، بل سأنقل تجربتي الشخصية من خلال متابعة القضايا القومية على الصعيدين الفكري والإعلامي خلال الخمسين سنة مضت. ولهذا وإذا كانت قضايا الأمم الأخرى تكاد تنحصر في الجوانب الإصلاحية الداخلية من تخلف اجتماعي وثقافي وسياسي واقتصادي، فإن قضايا الأمة العربية تتلخص بجانبين رئيسين، وهما:
– الأول: قضايا التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي.
– الثاني: قضايا التحرر الوطني والقومي خاصة أن بعض أقطار الأمة العربية إما خاضع سياسياً واقتصادياً لهيمنة الاستعمار والصهيونية، وإما خاضع بحكم احتلال أرضه. وهذا الواقع الذي تمتاز به أمتنا العربية يفرض علينا أن نولي واقع التحرر من الاحتلال أولوية تاركين القضايا الأخرى لاختصاصيين في جوانبها المختلفة.
واستناداً لذلك سأقسِّم ندوتي، في هذا الجانب، إلى ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة البداية:
منذ خمسين سنة تقريباً كانت وسيلة الإعلام تقتصرعلى الكتاب والجريدة اليومية والراديو، ودخل التلفزيون بشكل محدود جداً كوسيلة إعلامية في أواخر الستينيات.
وإذا كانت الأحزب والحركات المنظمة تهتم بالإعلام فلأنها كانت لها برامجها النضالية والثقافية، ومواقفها السياسية التي تعمل لإيصالها إلى أكبر شريحة من المواطنين.
ولقلة وسائل الإعلام المتاحة، كانت لتلك الأحزاب وسائلها المبتكرة التي لا تكلف إلاَّ قليلاً من المال، وذلك لسبب أنه لا حزب في ذلك الوقت كان يمكن أن يموِّل جريدة يومية أو حتى أسبوعية، ناهيك عن امتلاك ليس مبنى إذاعة أو تلفزيون، بل قلائل جداً من المهتمين بالشأن الوطني أو القومي كان يمتلك جهاز راديو أو جهاز تلفزيون. لذلك كانت الدولة وحدها هي التي يحق لها أن تؤسس وتشرف على تلك الوسائل وتدير سياستها.
ولهذا الواقع كانت الدولة هي المؤسسة الوحيدة التي تنشر عقيدة حكامها، بينما الأحزاب المعارضة كانت تبتكر وسائلها الخاصة، ومنها ما تستطيع أن تنشره في وسائل إعلام مكتوبة كالجريدة اليومية أو المجلات الدورية، بينما كانت وسائل الإعلام السمعية والمرئية محظورة عليها.
ولهذا كانت الأحزاب والحركات الناشطة تستخدم في نشر مواقفها السياسية الوسائل التالية :
1- وسيلة طباعة البيان وتوزيعه سراً، والتي كان المنتسبون إليها يقومون بتلك المهمة.
2- الحوارات مع الشعب من دون الإعلان عن هوية المحازبين.
3- توزيع وقراءة النشرات الداخلية وتدوالها بين أعضائها كمادة للتثقيف. وللتثقيف الذاتي قراءة الكتب التي أصدرها حزبيون أو متعاطفون مع الحزب.
المرحلة الثانية: مرحلة ما قبل انهيار الأنظمة التقدمية أو مرحلة ضعفها:
هذه صورة الأمس البعيد، ولكن صورة الأمس الوسيط فقد عرفت الأحزاب الوطنية والقومية نقلة نوعية، أي منذ أواخر الخمسينيات، وذلك بتقاربها مع بعض الأنظمة الرسمية التي كانت تمثل الحد الأدنى من التعبير عن العقائد الوطنية والقومية، حينذاك وجدت الأحزاب مصدراً للتمويل الذي أتاح لها إنشاء وسائل إعلامية كالجرائد والمجلات. وأما الوسائل السمعية والمرئية فكانت تقتصر على إذاعات تلك الأنظمة وتلفزيوناتها.
المرحلة الثالثة: المرحلة الراهنة:
وأما بالنسبة للواقع الراهن، فقد حدث انقلاب سياسي وتكنولوجي كبير، الأمر الذي نعجز عن التعبير عنه من دون وجود ذوي الاختصاص الملتزمين بأحزاب، من الذين يستطيعون توظيف الثورة التكنولوجية في وشائل الإعلام ووضعها في خدمة القضايا الوطنية والقومية، وهنا يستحضرني ثلاثة عناوين كبرى، من العناوين التي تفسر عجز القوى والحركات والأحزاب القومية عن وضع الإعلام في خدمة القضايا القومية الكبرى، وما أكثر تلك القضايا:
– العنوان الأول: دور القوى الكبرى في توجيه الإعلام المعاصر لمصلحتها.
– العنوان الثاني: العجز الذاتي للقوى والأحزاب والحركات بعد أن غرقت في أزمات داخلية منذ أكثر من عشرين سنة ولا تزال عاجزة عن معالجتها.
– العنوان الثالث: غياب المرجعيات الحزبية على الصعيد القومي، بعد احتلال العراق، عن رفد ومساعدة حركة التحرر العربية.
بما لا شك فيه أن العالم، بفعل حصول الثورة بوسائل الإعلام، لم يتحول إلى قرية صغيرة فحسب، بل تحوَّل إلى بيت واحد. وهي ثورة بالفعل لا يمكن لفرد عادي أو متخصص أن يلحق بها، فالتجديد بوسائلها يكاد يكون يومياً.
وإذا كانت وسائل الإعلام قد عرفت هذا المستوى من التجديد فإن أهداف المستفيدين منها لم تتغيَّر وإنما استفادت من هذا التجديد، مما عكس سرعة على أدائها في إيصال إعلامها الى شعوب العالم قاطبة بسرعة فائقة.
وإذا كانت الدول الكبرى، ومؤسساتها قد استفادت بشكل كبير من هذا التطور، فإن القوى والأحزاب والحركات على المستويين الوطني والقومي قد استفادت بشكل جزئي وطفيف، لكنها ظلَّت عاجزة عن امتلاك وسائل مكتوبة أو سمعية أو مرئية…
إن جلَّ استفادة حركة التحرر العربي لم تتعد دخول عالم الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والتويتر واليوتيوب، علماً أن هناك عوائق تحول دون تلك القوى والاستفادة من تلك الوسائل، ومن أهمها:
– ما تزال تلك الوسائل خاضعة لقرصنة الدول الكبرى، وتعطيلها في أحيان كثيرة.
– عاهات أزمة حركة التحرر العربي الداخلية ما تزال تعصف بها، سواءٌ أكان على صعيد بناها الداخلية أم كان على صعيد علاقات فصائلها الجبهوية.
– عجز أكثرية الشعب العربي عن استخدام وسيلة الأنترنت بسبب جهلها لاستخدامها أم كان بسبب عجزها عن توفير الإمكانيات المادية لشرائها.
في ظل هذا الواقع، يبقى الأمل معقوداً على شريحة الشباب المنتمي إلى الأحزاب، أو إلى تجمعات سياسية هادفة أن تبتكر وسائل تعميم آرائها وأفكارها حول القضايا الوطنية والقومية.
إن الشعوب بشكل عام، والشعب العربي بشكل خاص، تكتسب ثقافتها السياسية من وسائل الإعلام المتاحة من إذاعة وتلفزيون وجرائد يومية، أو حضور ندوات لقوى الأمر الواقع، خاصة في دور العبادة كالجوامع والحسينيات، وهي وسائل تخضع لتوجيه أجهزة الثقافة والاستخبارات الدولية من جهة، وقوى التغول الاقتصادي وأمراء الطوائف والمذهبيات من جهة أخرى. هذا الواقع يدل على مدى ضحالة تلك الثقافة خاصة أنها تتعرى من كل ما هو وطني أو قومي أو تقدمي، وتغرق في كل ما هو وهمي وسطحي.
وإذا كانت فصائل حركة التحرر العربي هي ما هي عليه من ضعف وقلة حيلة، ويندرج هذا الضعف على عجزها عن منافسة أجهزة الإعلام المعادية، يجب أن لا يتسرَّب اليأس إلى نفوس الذين انتموا إلى صفوفها خاصة ممن نذروا أنفسهم من أجل قضايا أمتهم. وهنا يأتي دور الشباب من بينهم، من الذين تمرسوا بفهم قضايا الأمة العربية، أن يبتكروا وسائل على قاعدة (المقاومة الشعبية الإعلامية) من أجل الوصول منها إلى مدارك الجماهير ممن يستطيعون الوصول إليها، وما يحضرني الآن من هذه الوسائل، هي:
– أن ينخرطوا بين صفوف الشعب الذي يعيشون فيه لعقد ندوات وحوارات، فإن هؤلاء الشباب سيجدون الكثيرين من أبناء شعبهم يرفضون الواقع المعاش، وهم عطشى لمعرفة الحقائق ممن يثقون بهم، من الذين يمتلكون الثقافة القومية والوطنية، ويدركون أبعاد ما يجري الآن.
– تطويع وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الثقافة الوطنية، وعقد الحوارات الهادفة. على أن يعملوا من أجل ارتقاء شريحة كبرى من الشباب عن تضييع الوقت بما لا يفيد بل يهدر الأوقات في السفسطات والمناكفات والسباب والشتائم.
– نقد ما يستطيعون نقده من وسائل الإعلام المعادية لقضايا أمتنا العربية، وتوزيعه على أكبر شريحة من زملائهم…
وهناك أساليب ومواضيع تلمون بها أكثر منا من خلال نشاطاتكم على صفحات تلك الوسائل.
وأخيراً، ولأن الحوار يكون أكثر حيوية من المحاضرات، أرجو أن تدلوا بملاحظاتكم وتجاربكم، وأسئلتكم من أجل إغناء هذه الموضوع بما يجعلنا نستفيد من وسائل التكنولوجيا المعاصرة والراهنة من أجل وضعها في خدمة قضايا أمتنا العربية.
وأدلى الحاضرون بملاحظاتهم وأسئلتهم في ورشة حوار دارت حول دور الشباب المثقف الملتزم بقضايا أمته في توظيف الثورة التكنولوجية بوسائل الإعلام من أجل توظيفها لنشر الوعي الثقافي بين جماهير الأمة، خاصة أن القوى المعادية احتكرت تلك الوسائل ووظفتها على نطاق واسع في سبيل خدمة أهدافها المشبوهة.