الحرية الأمريكية هدفها التبعية المطلقة وتفتيت المنطقة إلى دويلات
ما يجري في لبنان ليس جديدا على الساحة العربية فهو يمشي ضمن تنفيذ المخطط الأمريكي لشرق أوسط جديد بدأ باحتلال العراق وإسقاط النظام البعثي فيه في أبريل 2003 وتفتيت أوصاله ومحاولات تكوين دويلات طائفية ثلاث هي:
كردستان في الشمال وسنستان في وسط العراق شيعستان في الجنوب والعين الأمريكية طبعا متفتحة ومطمئنة على شمال العراق بالنسبة الى الأمريكان هي الأكثر أمنا وسلاما لتواجدهم العسكري في المستقبل في المنطقة حيث ستكون هناك محاولات لضم الأكراد في إيران وتركيا الى هذه الدويلة الهشة.وقد لاقى العدوان الأمريكي على العراق حماسا وأصواتا مؤيدة ومشاركة لوجيستية من أنظمة عربية خاصة من أنظمة الجوار بل وباركت منظمات سياسية وجمعيات وطنية اجتياح العراق واحتلاله تشفيا في إسقاط نظامه ولم يكن حماسهم تجاه ما يحدث في العراق مثل الحماس الذي نراه اليوم تجاه لبنان الشقيق على اعتبار ان التخلص من النظام يقتضي التحالف مع الشيطان الأكبر (الأمريكان) فكأنما هذا الشيطان تحول الى إنسان وديع في العراق ويجب الإشادة به وبإنجازاته. أرجو ألا يفهم من هذه المقدمة أن كاتبها ضد دعم لبنان والمقاومة اللبنانية وقيادة ومقاتلي حزب الله الصامدين أمام ضربات العدو الصهيوني وهم يسطرون أروع البطولات ليس للبنان وحده وإنما للامة العربية والإسلامية ولكن حبذا لو يكون الشعور القومي واحدا تجاه احتلال أي دولة عربية بغض النظر عمن يحكمها.. وحبذا لو يراجعون أنفسهم في هذا الشأن لان ما تحقق في العراق بعد ثلاث سنوات من الاحتلال ووعود الانسحاب والاستقرار والتحول الديمقراطي والرخاء الاقتصادي والتعايش بين المذاهب وعودة الأمور الى افضل مما كانت عليه قبل حكم صدام حسين لم يتحقق بعد. واتضح جليا ان احتلال العراق وتفتيته الى دويلات طائفية كان البوابة الرئيسية لسايكس بيكو جديدة.. ويتساءل المرء إذا كانت الحكومة العراقية غير قادرة على حماية نفسها، فهل ستكون قادرة على حماية مواطنيها الذين تجتاح مدنهم وأسواقهم ومساجدهم ومقدساتهم موجات القتل والتفجيرات التي يذهب فيها عشرات الأبرياء ضحايا لهذه الأعمال الإرهابية في وقت يتم التعتيم الإعلامي على الأعمال البطولية للمقاومة الوطنية ضد القوات الغازية هناك! فالأعمال البطولية للمقاومة في فلسطين والعراق ولبنان هي واحدة يجب أن نؤمن بها كونها تدافع بصلابة وشجاعة عن حياض هذه الأمة ووجودها وشرفها. وفي هذا السياق المتعلق بتأكيد وحدة المقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان ضد المخططات العدوانية الأمريكية الصهيونية المشتركة أي قومية المواجهة والمعركة التي تجري رحاها على هذه الأراضي الثلاث.. وفي هذا الشأن استضاف التجمع القومي يوم الاثنين الماضي بمقره في الزنج الدكتور يوسف مكي رئيس تحرير موقع التجديد العربي في ندوة بعنوان «العدوان على لبنان وقومية المعركة« استهلها باستعراض تاريخي للمحاولات الصهيونية لتقسيم لبنان بالإضافة الى المخطط الأمريكي تجاه المنطقة وفيما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد بدءا باحتلال العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، وما آل إليه الوضع في الشروع في تقسيمه الى دويلات على أسس طائفية. ونوه الى أن هذه المحاولات والمشاريع التي تطرح تعيد المنطقة أو تذكرنا بمرحلة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956واحتلال قناة السويس كانت نتيجتها ان سيطر الشعب المصري وقيادته بزعامة المرحوم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على أراضيه ومياهه كحقوق ثابتة وشرعية لا يمكن المساومة عليها، وقال ان ما حدث في العراق وما يحدث في لبنان الشقيق هي محطات أخرى يعيد فيها التاريخ نفسه في قالب جديد بزعامة أمريكية إسرائيلية بدلا من الزعامة البريطانية والفرنسية والإسرائيلية. المشروع الأمريكي الجديد وقال الدكتور يوسف: إن توالي الأحداث المأساوية التي مرت بها الأمة العربية كشف عن الوجه الحقيقي للمشروع الأمريكي وكانت البداية ما يحدث في فلسطين ولبنان والكلام عن شرق أوسط جديد بدأ مباشرة بعد احتلال العراق حيث طرحت مؤسسات بحثية أمريكية المشروع تحت عنوان «السعودية ومرحلة ما بعد الملك عبدالله« حيث يزكي الباحثون تقسيم المملكة العربية السعودية الى ثلاثة أقسام استنادا الى ما نشرته مؤسسة رايز، وتقسيم المنطقة في هذه الحالة يعنى سايكس بيكو أخرى. كما أوضح انه في لقاء جمع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر مع وزير الخارجية السوري السابق الدكتور فاروق الشرع في بداية تسعينيات القرن الماضي قال له: ان منطقتكم غير مأمونة وانتم في وضع صعب وجودكم فيه مالم تلتحقوا بالمشروع الأمريكي الجديد، وعلى إثرها نشرت الخريطة الجديدة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.. كما ان اللافت للنظر أنه بمجرد العدوان الإسرائيلي على لبنان في الثاني عشر من الشهر الماضي، أعيد طرح المشروع والحماس له من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس. قومية المواجهة وتابع المتحدث كلامه عن قومية المواجهة وما يتم من مخططات تستهدف إعاقة وحدة وتقدم الأمة العربية وازدهارها وسيطرتها على خيراتها بالقول: في الحقيقة ان الطرح الجديد للإدارة الأمريكية لا يختلف عن طرح أولمرت سواء فيما يتعلق بتطبيق قرار 1959بعد اغتيال رفيق الحريري واتهام سوريا بضلوعها في العملية وطرح سحب سلاح حزب الله وتفكيك الميليشيات والتي لم تتم لحد الآن، وتساءل إذا تم تجميع الأسلحة فأين ذهبت؟ واشار الى أن الحزب الشيوعي اللبناني أعلن أنه فقد ثلاثة مقاتلين فهذا يعني ان السلاح موجود لدى الجميع ولا ندري لماذا الإصرار على سحب سلاح حزب الله؟ ولم ينس ان يعول في هذا الصدد على تصريح أميل لحود رئيس الدولة وهو قائد الجيش السابق حين قال : ان الجيش اللبناني يالله يقدر ينظم حركة المرور في لبنان، فهذه المؤشرات كلها تعني ان يكون لبنان أسفينا في خاصرة سوريا وبالتالي يسهل ربطه بمعاهدة صلح في المشروع الأمريكي للمنطقة. كما أكد المتحدث في الندوة أن هذه التصورات تتماشى مع الاطروحات الصهيونية منذ خمسين عاما للحصول على حدود آمنة لدولة إسرائيل مستدلا بذلك بما أكده باراك والنسبة التي يريد أن يعطيها الى الفلسطينيين وهي 56% وإسرائيل تأخذ 44% وجاء أولمرت وعكس المعادلة حيث للعرب غور الأردن والقدس موحدة مع حدود آمنة شرق نهر الأردن حيث ترتبط ال 44% بالمملكة الأردنية الهاشمية ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد وتبقى إسرائيل مسيطرة فيه على مرتفعات الجولان ومستعدة لضرب سوريا أو لتهديد أي دولة عربية مارقة حسب الفكر والأيدلوجية الصهيونية في حق العودة الى الوطن الأم في فلسطين وأرض الميعاد وبقاء دولة إسرائيل الناهي والآمر الأول في المنطقة وعلى الدول العربية الخنوع لها. الوصول الى الليطاني وقال رئيس تحرير موقع التجديد العربي إنه يجري العمل على أن تظل إسرائيل دولة غاصبة وعسكرية في المنطقة وتنفذ الرغبات الأمريكية وتتطلع في الوقت ذاته الى مياه لبنان والاستيلاء على نهر الليطاني ، وهي في هذه الحرب تريد تأمين الوصول الى الليطاني وبما يضمن لها مساحة 20 الى 25 كيلو عرض داخل الأراضي اللبنانية.. وعاود المتحدث في المقارنة بما يجري على الساحة اللبنانية والعراقية والرابط القومي والنضالي بينهما مشيرا الى أن العراق يفتت الى ثلاث دول هي: كردستان وسنيستان وشيعستان، كما يجري العمل على تغيير في السعودية، فإذا ما تمت هذه الخطة وكتب لها النجاح لاسمح الله فكل الأنظمة ما عليها إلا الارتباط بالديمقراطية الجديدة وبالحرية القادمة على طبق أمريكي منوها الى أن الحرية هنا تعني التبعية المطلقة وتفتيت المنطقة الى دويلات هشة وهزيلة. وقال: هذا هو السيناريو المعد الآن للمنطقة، لكن بالمقابل هناك شهداء ودماء تسيل في العراق وفلسطين ولبنان دفاعا عن شعوبها وممتلكاتها واستقلاليتها، والمتتبع لأخبار المقاومة في هذه الدول الثلاث يلاحظ كم من الشهداء يقدمون فداء للوطن وللتراب العربي، وبالمقابل أيضا يلحظ المتتبع لأخبار العراق كم من دماء الأبرياء أيضا تراق في بغداد والمدن العراقية تسال يوميا في صراع طائفي وأعمال همجية، ومن حقنا ان نتساءل من المسئول عن هذه الاعمال التي تودي بحياة العراقيين تحت يافطة الصراع الطائفي المقيت في ظل تواجد كثيف للقوات الأمريكية؟ تسلسل الأحداث ومن ناحية أخرى أكد رئيس تحرير موقع التجديد العربي ربط ما يجري على أرض الواقع العربي وعبر التسلسل الزمني للمشروع الأمريكي من جهة وبالمخطط الصهيوني من جهة أخرى مشيرا الى تصورات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية لحل الصراع الدائرة رحاه بين لبنان وإسرائيل حيث رفضت فكرة وقف إطلاق النار الفوري وتبنت نظرية حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه ضد قوى الإرهاب قاصدة بذلك «حزب الله« .. فكل هذه الأفكار والأطروحات لو تعمقنا فيها وحللناها لوجدنا أنها تهدف الى مخاض شرق أوسط جديد.. وتابع المتحدث: ان طرح فكرة شرق أوسط جديد تتجسد أيضا في مقولة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي عندما صرح: بأن مشاكل بلدان الشرق الأوسط ستنتهي عام 2012 أي بعد 6 سنوات قادمة، فيما قال أولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني ان إسرائيل ستكون في حدود آمنة عام 2010، وهذا يكشف مدى التنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بالمخطط والفترة الزمنية الموضوعة للتنفيذ على أسس خلق دويلات طائفية وافتعال حروب متواصلة يصل الناس فيها الى الحاجة الى طلب الخلاص من هذه الحروب وحالات الفوضى حيث سيطالبون بالخلاص من هذه الأوضاع المزرية ومن هذه الفوضى واللااستقراروحينها يكون الأمريكان جاهزون لتخليص هذه الشعوب من مآسيها على أساس ان الأمريكان هم رسل السلام والحرية والديمقراطية الى العالم.
(*) نشرفي: 12 أغسطس 2006م. جريدة أخبار الخليج