دعا الدكتور علي الكواري الباحث في الشئون السياسية بدولة قطر إلى زيادة وتفعيل التقارب بين التيارات الإسلامية والتيارات الأخرى التي تعتنق أفكار الديمقراطية والليبرالية في العالم العربي للخروج من دائرة السجال إلى الحوار الهادئ والهادف بين جميع الأطراف للوصول إلى رؤية مشتركة هادفة تؤسس لقيم العدل والإنصاف. جاء ذلك في الندوة التي ألقاها بنادي العروبة وأدارها محمد الجابر عضو النادي. وتابع القول: إن هذه المقاربات ممكنة اليوم بفضل تطورات حدثت في مفهوم الديمقراطية المعاصرة بعد أن انتشرت الممارسة خارج دائرة الحضارة العربية وتم التمييز بين الليبرالية باعتبارها عقيدة وبين الديمقراطية باعتبارها منهجا ونظام حكم قادرا على مراعاة عقائد المجتمعات من دون احتكار عقيدة أو أخرى له وتحويله إلى مجرد آلية من آليات الخضوع لها.
وتابع الكواري القول حول مفهوم الديمقراطية الجامع بان مانشاهده اليوم من مرجعية ليبرالية هي بالأساس تعود لتطور الديمقراطية في العصر الحديث حيث تأثرت الديمقراطية بشكل طبيعي باختيارات عقائد المجتمعات التي نشأت فيها، ومن هنا يمكن القول بإن نظام الحكم الديمقراطي له مقوماته وذلك على أساس ان للمجتمعات خياراتها ومن هنا بات لزاما على كل شعب يريد ان يلج في اللعبة الديمقراطية وذلك عبر بوابة تفكيك الاستبداد وإدراك مآسي استمرار حكم الفساد ان يبدأ مفكرو هذا المجتمع بإجراء مفارقات جوهرية تزيل التعارض بين ثوابت مجتمعهم ومقومات نظام الحكم الديمقراطي. واستعرض أربع مسائل أساسية هي أولا: الحاجة إلى مفهوم جامع، ثانيا: توصيف نظم الحكم العربية.. ثالثا: عقبات الانتقال الديمقراطي، رابعا: مقومات نظام الحكم الديمقراطي، وخامسا: إشكاليات الديمقراطية وإمكانية مقاربتها. الحاجة إلى مفهوم جامع وقال الكواري: إن العالم العربي بحاجة ماسة اليوم إلى مفهوم جامع للديمقراطية يمكن أمة العرب تدريجيا من بناء كتلة تاريخية قادرة على تفكيك الإستبداد المزمن من أنظمة الحكم العربية مشيرا في هذا الشأن إلى أنظمة حكم الغلبة القسرية والمعتمدة على الحماية الخارجية في كثير من الأحيان منوها إلى أنه لا يمكن تفكيك هذه المجتمعات إلا بتوافق تدريجي بين التيارات السياسية والقوى التي تنشد التغيير السلمي لإقامة نظام حكم متوافق على أسسه وأهدافه. وتابع القول إنه من خلال المتابعة الواقعية لنظم الحكم السائدة نجد أن نظم الحكم الديمقراطية هي البديل الوحيد لحكم الفرد أو القلة، وان أنظمة الحكم الديمقراطي قد نجحت عبر تاريخها الحديث في تجاوز الخلافات في الرأي وحلها ضمن القبول بالرأي الآخر وفي إطار السياج السلمي ومن دون إقصاء لتيارات الأقلية في هذه المجتمعات. كما استدرك من جهة أخرى القول: ولكن بنظرة ثاقبة في أدبيات الديمقراطية في البلاد العربية نلمح بوضوح مدى الاضطراب والخلط والتشويه والتسفيه لمباديء الديمقراطية وأهدافها معللا ذلك بغياب مفهوم منضبط للديمقراطية بين الخصوم والمتحاورين في الوطن العربي حيث نشأ عن ذلك ما يسمى بـ(حوار الطرشان) كما لوحظ في مواقع كثيرة اختزال مفهوم الديمقراطية ضمن آلية المنافسة على السلطة فيما يعتبره البعض مرادفا للديمقراطية الليبرالية والتي تحمل الشبهة مع الإسلام مضيفا بان هذا الوضع أفرز ديمقراطية كشعار أجوف يردده الحكام. عوائق للديمقراطية كما سلط الضوء الدكتور علي الكواري على عوائق الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية بالدول العربية وصنفها إلى ثلاث مجموعات: الأولى: مشكلات تتعلق بالثقافة السياسية وعدم اكتمال الشروط المناسبة للإنتقال إلى الديمقراطية حيث يحسم المشهد السياسي في هذه المرحلة تحالف القوى التي تنشد التغيير الديمقراطي للانتقال من حكم الفرد أو القلة إلى نظام الحكم الديمقراطي منوها في هذا الشأن إلى أهمية أن يمتد هذا التحالف مع القوى الحاكمة عبر ما يسمى بـ «الميثاق«.. واضاف أن مرحلة التغيير والانتقال إلى هذه المرحلة تتطلب أيضا وقتا وإرادة جادة تستند على رؤية سياسية واضحة تكرس مفهوم الدولة وتعلي من شان دور المؤسسات الديمقراطية في المجتمع. ثانيا: مشكلات تتعلق بتشويه مفهوم الديمقراطية من خلال استيراد نموذج ممسوخ للديمقراطية يسيطر عليه الاستبداد فتتشوه المسيرة الديمقراطية في هذه الحالة وذلك نتيجة فرض فيم وأخلاق وممارسات غير مشروعة بعيدة عن الهوية العربية والإسلامية منوها إلى ان مثل هذا النموذج هو المرتبط بأطروحات ودعوات إقامة «مشروع الشرق الأوسط الجديد« أو النماذج التي تثني عليها الولايات المتحدة في المنطقة بأنها تجارب ديمقراطية واقعية في وقت هي أبعد عن ذلك مما يؤدي فعلا إلى تشويه مفهوم الديمقراطية. ثالثا: العقبة الثالثة في الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطي بالوطن العربي هي إشكاليات الديمقراطية فيها وهذه الإشكالية هي نوعية تتطلب قراءة جديدة هادئة بهدف تقريبها إلى نوعية من الديمقراطية المسئولة متفتحة وفي أفق أرحب بالمجتمعات العربية. واسترسل في تسليط مزيد من الضوء حول مقومات نظم الحكم الديمقراطي عبر العالم وسردها بالتفصيل في خمس نقاط هي: أولا: مبدأ الشعب مصدر السلطات نصا وروحا وعلى أرض الواقع. ثانيا: مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية الفاعلة. ثالثا: مبدأ التعاقد المجتمعي المتجدد يتم تجسيده في دستور ديمقراطي ملزم لكل مواطن حاكما ومحكوما. رابعا: الاحتكام إلى شرعية دستور ديمقراطي يؤسس على ستة مبادئ هي: أن لا سيادة لفرد أو لقلة على الشعب وإنما الشعب مصدر السلطات عبر انتخابات دورية حرة ونزيهة. كما تطرق إلى أهمية إقرار مبدأ المواطنة باعتبارها مصدر الحقوق ومناط الواجبات وسيطرة أحكام القانون والمساواة، وعدم الجمع بين أي من السلطات التنفيذية أو التشريعية أو القضائية في يد شخص أو مؤسسة واحدة وضمان الحقوق والحريات العامة دستوريا وقانونيا وقضائيا من خلال فاعلية الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ورفع اليد عن الإعلام وكافة وسائل التعبير والتنظيم .. أما النقطة الأخيرة في سلسلة مقومات الحكم الديمقراطي فتتمثل في مبدأ تداول السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية سلميا ووفق آلية انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف قضاء مستقل. تعارض الإسلام والديمقراطية كما ذكر الدكتور الكواري في موضوع التعارض بين الديمقراطية والإسلام أن الجدل يدور بين المتمسكين بمبدأ الشعب مصدر السلطات وهم يصرون على إطلاق صلاحية التشريع دون قيود باعتبار أن إيمان المسلمين بعقيدتهم وحرصهم على تجنب الحرام هو القيد الحقيقي على المشروع الديمقراطي، وقال ومن ناحية ثانية إن من يصرون على أن تكون الشريعة الإسلامية قيدا على المشروع الديمقراطي ويختلفون بين أن يكون النص الدستوري هو الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع كما يطرح البعض منهم بأن يوضع التشريع في يد رجال الدين الأمر الذي يجعل القول الفصل في التشريع في يد قلة من المواطنين كما هو الحال في التجربة الإيرانية الحالية. وأضاف الكواري في هذا الصدد: وحسب اعتقادي أن الإسلام لا يفرض حكومة دينية وإنما حكومة مدنية مرجعها الأحكام القطعية المنزلة، كما أن جوهر الديمقراطية يرفض حكم القلة ووضع السلطات في يدها فقط أي انه هذه القلة هي فوق سلطة الشعب والذي هو مصدر السلطات. ظهور توافق وتابع في التعليق أكثر حول العلاقة بين الدين والتشريع والنهج الديمقراطي المطلوب بالقول أن هناك توافقا ظهر في الآونة الأخيرة متمثلا في أطياف سياسية في التيارات الإسلامية بالوطن العربي وذلك بهدف تقريب هذه الإشكالية المركزية فتزايد القبول لنظام الحكم الديمقراطي داخل التيارات الإسلامية وبالمقابل تزايد اعتراف التيارات الوطنية و الديمقراطية بمكانة الشريعة الإسلامية وعدم الممانعة في القبول بتشريعاتها. واستدرك في نهاية الندوة : أن هذا التقارب والقبول بين المجموعتين لم يحصل على فرصة الحوار والتعمق في التواصل الفكري ليضع حدا لإشكالية التقارب بين الإسلام والديمقراطية.. ودعا للخروج من دائرة السجال وتبادل الاتهامات والانتقال إلى دائرة الحوار وذلك ضمن قراءة متأنية وهادئة للواقع الذي يمكن أن يكون نظاما للحكم الديمقراطي بالوطن العربي.