في ندوة بنادي العروبة حول الديمقراطية التحديات والفرص
الدكتور الكواري ( رئيس أمناء مركز الخليج للتنمية): الديمقراطية
لازالت هاجس أبناء المنطقة .. وتتطلب الصبر والأمل.
تغطية : مكي حسن
أكد الدكتور علي الكواري رئيس مجلس أمناء مركز الخليج لسياسات التنمية في قطر في حديث حول ( آفاق الانتقال الى الديمقراطية بدول مجلس التعاون الخليجي .. ضخامة التحديات وضعف الفرص ) على الشعوب ان تتحلى بروح الأمل لتنال في النهاية مطالبها في الحرية والعدالة والمساواة ( الديمقراطية) مشيرا الى أن معظم البلدان تمر بمراحل تسبق تحويل الديمقراطية الى مرحلة نهائية ، حين تعتبر الديمقراطية قيم وثقاقة وسلوك للشعوب والحكومات مرددا على الحاضرين قول الشاعر( ما أضيق العيش… لولا فسحة الأمل).
جاء ذلك في ندوة أمس الأول 19 مايو 2013م بنادي العروبة حيث استضافه النادي كمحلل سياسي خليجي من جهة وكشخصية بحثية من جهة أخرى حيث يرأس مركز الدوحة للبحوث . حصلت الندوة في مقر النادي في الجفير سلط الدكتور الكواري الأضواء فيها حول آفاق التحول الديمقراطي بدول الخليج ، والتحول الذي حصل بالإضافة الى التطرق الى العقبات .. أدار الندوة جمال السلمان عضو اللجنة الثقافية بنادي العروبة ، وحضرها عدد لا بأس به من رجال السياسة والثقافة والإعلام.
ديمقراطية الصيرورة
تناول المتحدث موضوع التحولات الديمقراطية وآفاقها بدول مجلس التعاون الخليجي .. التحديات والفرص بالقول ان تحقيق أو الوصول الى الديمقراطية لا زال هاجس أهالي وشعوب المنطقة بالخليج ، والسؤال : هل أنظمة الحكم بدول الخليج يتوافر فيها مقومات التحول الى الديمقراطية ؟ منوها الى ان الديمقراطية عادة تمر بعدة مراحل وتنتقل من مرحلة ديمقراطية الكلام الى مرحلة الديمقراطية العملية أي " الصيرورة ".
واستطرد ، تتحقق الديمقراطية حينما تشهد أي بلد تحول السلطة فيها من أيدي النظام الحاكم الى أيدي الشعب ، أي حينما يكون " الشعب مصدر السلطات"، وفيها يكون الشعب ذو سيادة ، حينها تنتقل السيادة من الحالة الفردية الى الحالة المجتمعية.
وتابع ، في مرحلة " الشعب مصدرالسلطات " ، يصبح المواطنون كلهم سواء، ولهم نفس الحقوق ، وعليهم نفس الواجبات ، وهي مرحلة تعرف ب "توديع فترة الحكم المطلق " ، هي مرحلة جديدة من الديمقراطية يثبتها ويحميها عقد إجتماعي " دستور ديمقراطي " يؤسس لقوانين جديدة من حرية التعبير والرأي والتنظيم والعمل والتنقل وتداول السلطات في ظل انتخابات حرة ، إذا تحققت هذه الامور( وجدت في نصوص دستور ديمقراطي) ، نقول ان هذا النظام على الأقل من حيث النص اصبح ديمقراطيا ، يفضى الى مرحلة أخرى تتمتع بنظام جديد مشيرا الى انه ليس كل التحولات والمراحل تفضي الى ( نظام ديمقراطي ) .
نموذجان
وفي هذا الشأن ، ولكي تتضح فكرة التحول الديمقراطي والمراحل التي تمر بها الديمقراطية في البلدان بشكل عام ، توقف الدكتور على الكواري قليلا ، وخاطب الحضور ، قائلا: " على سبيل المثال ما حصل في إيران" ، نعم توجد إنتخابات في نظام ما بعد ثورة 1979 في إيران لكن في النهاية ، الأمور في يد المجلس الأعلى للثورة ومجلس حماية الدستور، ونفس الوضع ماجرى في مصر بعد ثورة 25 يناير2011، فالسلطة الآن ليست في يد الشعب ، بل هي في فكر معين يفرض ما يريده على الناس من خلال مادة ( 119) بالدستور المصري.
وكشف ان المرحلة النهائية في عملية التحول الديمقراطي في المجتمعات تحصل حينما تتحق القيم الديمقراطية والثقاقة الديمقراطية وعليه يصبح السلوك الديمقراطي هو المنهج العام للدولة والأفراد. وفي هذا السياق ، تساءل فما الموجود عندنا بدول المجلس ؟ وأجاب أن الموجود هو ( حكم الفرد) ، وهي مرحلة من مراحل التحول الى الديمقراطية أي ان ( حكم الفرد) هي ديمقراطية غير موجودة لحظتها ، وعليه من المهم جدا ، أولا: تحديد المقصود بنظام الحكم .. ثانيا: عند الإنتقال الى الديمقراطية ، لابد من معرفة الاطر العامة التي تعني وتعمق مفهوم الديمقراطية.. ثالثا: تتحقق الديمقراطية في حال تحولها الى قيم وثقافة شعبية.
تساؤلات خليجية
ثم تساءل وهو يلمح من منصة الندوة في قاعة إبراهيم كانو بنادي العروبة حضورا يملأ القاعة تقريبا من رجالات السياسة والإعلام والحقوقيين وغيرهم، فقال: " لو قسنا هذه الأمور الثلاثة على دول الخليج ، فأين تقع الدول الست من هذا المنظار؟"، ولم يطل في تقديم الإجابة في الرد على السؤال بذاته وحسب رؤيته ، فقال: " كل دول الخليج لم تحصل فيها ديمقراطية بقدر حصول محاولات للانتقال اليها مثلما حصل في دولة الكويت ، كانت محاولة للولوج فيها ، لكن مع الأسف أجهضت بنصوص تخطت الدستور ، وكذلك ماحصل في البحرين في عامي ( 2001) و( 2007) كانت محاولات للولوج في الطريق الديمقراطي.
وذكر ان دراسة حول نظم الحكم في دول الخليج العربي، أوضحت ان نظم الحكم لم تنتقل الى الديقراطية ، هي أنظمة ملكية وراثية مشيرا الى وجود 12 نظام ملكي بالعالم ، وكلها تغيرت مثلما هو الحال في الأردن والمغرب وبروناي مشددا في هذا الخصوص من الخطأ الإعتقاد بان النظم الملكية هي أنظمة مستوفية لحقوق شعوبها وعادلة ليوم الدين.
الشعب والسلطات
وقال: " في دولنا التي تتمتع بمختلف الانظمة الملكية والوراثية ، نجد ( كل المواطنين متساويين ) كنصوص دستورية لكن على الواقع بعضهم افضل من بعض "، واوضح في هذا المنحى ان الديمقراطية الصحيحة والإنتقال اليها كمرحلة جديدة من الحكم تتحقق من خلال الإنتقال الى مرحلة " الشعب مصدر السلطات " ، وهي مرحلة تصاغ فيها القوانين لصالح الناس جميعا ، وتصاغ من اجل التنفيذ وليس وضعها في نصوص جادة ، ومن ثم يمكن القول بان الدول الخليجية برمتها لم تنتقل الى حكم الديمقراطية.
وعليه يطرح سؤال : هل ننتظر 20 عاما حتى تحصل بلدان المنطقة على الديمقراطية ؟، وهل أننا حالة إستثناء عن دول أخرى كثيرة بالعالم تتجه للتحول الديمقراطي فيما لا زالت الأبواب موصدة أمام شعوب المنطقة في التوجه الى المسار الديمقراطي السليم.
وعزا المتحدث حالة الإستثناء هذه ، وحالة وصد الأبواب أمام التحول الديمقراطي بدول الخليج الى الأسباب الثلاثة التالية ، أولا: ضعف المجتمع الخليجي حيث الفرقة والانقسام منتشران من جهة والخلل في التركيبة السكانية من جهة أخرى جعل المواطنون في بعض دول الخليج أقٌلية ضمن الأقليات. . ثانيا : المجتمع الريعي حرم آخرين من العيش الكريم ، ولم يعد ينعم البعض بالعمل والسكن والخدمات الصحية ، كما عزا عدم التحول الى الديمقراطية بمفهومها وقيمها في المجتمع الخليجي الى وجود خلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ثالثا : الحكام هنا محميون من قبل الدول الكبرى بالعالم كالولايات المتحدة وبريطانيا ، لذا لا توجد قوة تحاسب هذا الحاكم.
انشقاقات متعددة
وعرج المتحدث في التوغل قليلا في شرح الشقاق والفرقة التي يمر بها المجتمع الخليجي ،وتسليط الأضواء على بعض من النماذج ، لتوضيح ، جاء فيه " ان الشقاق ليس فقط بين دولة خليجية وأخرى بل حتى بين أبناء البلد الواحد ، وصار الإنسان الخليجي فاقدا لهويته العربية والإسلامية "، واصبح المواطن الخليجي لديه عدة هويات من الانقسام الديني والطائفي والفكري ، وظهور سنة وشيعة كأنهم غير مسلمين تلاها ظهور إخوان مسلمين وسلفية ، بل سلفيون (على يمين بن باز ويسار بن لادن ) يكفر كل منهم الآخر ، وهكذا بالنسبة للتيار الوطني والقومي والليبرالي لازال يعاني من الانشقاقات والتمزق.
وتابع ، تبقى المنطقة الخليجية تعيش في ظل ضعف المجتمع الداخلي ومعاناته من التشتت ، وكذلك في ظل وضع دولي ( غير مكترث) للتحول الديمقراطي بالمنطقة مقابل أمل عدد كبير من أهالي المنطقة الى كون الدول الكبرى عامل أساسي في عملية التغيير ، وبالتالي يتطلعون الى دور أكبر للقوى الكبرى في الضغط على الانظمة بأن تحدو نحو التحول الديمقراطي والديمقراطية وصيرورتها ، وهذا لم يحصل حتى هذه اللحظة لأن القوى الكبرى تنظر الى مصالحها قبل كل شيء ، ولايهمها كم يبقى الحكام العرب في الحكم طالما المصالح مستمر تدفقها.
وأختتم الدكتور على الكواري حديثه حول أفق الديمقراطية وتحولاتها ومشاكلها وفرصها بمنطقة الخليج العربية بالتأكيد على أهمية ان ينظر المواطن الخليجي الى المستقبل نظرة أمل وتفاؤل وليس نظرة جمود وتشاؤم مذكرا الحاضرين بترديد قول شاعر عربي حيث قال : "ما أضيق العيش .. لولا فسحة الامل "، قاصدا بذلك ان هبوب نسائم الديمقراطية وانتقالها من مرحلة الى أخرى وصيرورتها لابد ان تمر وتحصل في هذه البقعة الحيوية من خارطة العالم .
الأسٍئلة والتعليقات
تلا ذلك فتح الباب للتعقيب والأسئلة ، وطرحت قضايا تتعلق بالهواجس والاحباطات التي يعاني منها المواطن بدول الخليج ، ومفهوم الدولة الريعية والدولة الفضائية والوجه الحقيقي للديمقراطية ودور قطر في دعم حركات وأحزاب سياسية سيطرت على المشاهد في بلدان الربيع العربي ، والعجب انها تقوم بدور داعم للديمقراطية في وقت تفتقد ذلك كدولة ، ودور قناة الجزيرة الإعلامي السلبي والإيجابي والكتاب الذي ظهر أخيرا ( قطر .. خزينة الأسرار) ومنع من التداول ، وهل يمكن تحقيق د ديمقراطية بدون ثورة او بدون وجود مفكرين بالإضافة الى تشخيص الوضع الخليجي ، وكشفت عن تشاؤمك ( لولا فسحة الامل) من قوى يمكن ان يعول عليها مسألة التحول الى الديمقراطية في هذه المجتمعات قاصدا السائل بذلك التيار الوطني والليبرالي وليس التيار الديني ولا الحكام أنفسهم.
الأجوبة
وقد أجاب على معظم هذه الاسئلة ورادا على التعقيبات ذاتها حيث اتفق مع بعض الأطروحات الداعية الى عملية التحول الديمقراطي بدول الخليج ، وذكرانه يتفق بأن قطر تقوم بدور اكبر من حجمها في دعمها لحركات سياسية ( وفاقد الشيء لا يعطيه) ، كما ان قناة الجزيرة أسست مطلع التسعينات حيث لم توجد في تلك الفترة سوى ( س, إن . إن) ، وحال تأٍسيسها من دول غربية ( مشروع غربي) خاطبت عقول الناس بالخليج والمنطقة العربية ، وكسبتهم بمهارة ، ثم اختارت توجهها الإسلامي في السنوات القليلة الماضية مما أماط اللثام عن حقيقة مشروع تأسيسها كفكرة غربية
وما هو الهدف المناط لها بالمنطقة الخليجية والعربية على حد سواء.
الفساد المالي
أما حول الكتاب المنشور من جهة والمحظور من جهة أخرى ، وما جاء فيه عن قطر ، فذكر ان قطر بعد نشر هذا الكتاب ، اصبحت محطة لعدد كبير من دور الطبع والنشر ، للتصيد في الماء العكر، واستدرك ان ماجاء فيه ينطبق على باقي دول الخليج في الفساد المالي والثروات الطائلة من جهة وفي الوقت ذاته هو عبارة عن جزء من الحملة على قطر حيث بالمعيار الدولي يرونها انها تجاوزت حجمها مؤكدا في نهاية إجاباته على أهمية التمسك بالديمقراطية وذلك من خلال ممارستها كقيمة وثقافة ونهج وعمل ، وبالتالي حصول المواطنين على حقوقهم، ومنها المشاركة في إتخاذ القرارات العامة.
نجوم لا تضيء
أما فيما يتعلق بوجود مفكرين عرب ، ومدى حاجة أي ثورة الى مفكرين كما حصل قبل وإبان الثورة الفرنسية، فعقب على الأمر بالقول : وصف احد المحللين السياسيين المفكرين العرب بأنهم " نجوم تتلألأ .. ولا تضيئ " .. تتلألأ بمعنى انهم يلقون الإحترام والتقدير أينما حطوا أو رحلوا لكن عقائدهم الاجتماعية بحجم أصابعهم مشيرا الى انه يجب الألتفات الى ما يجري في تغيير لقواعد اللعبة في مصر بعد ثورة 2011 حيث خلق نظاما على شاكلة الملالي في طهران .. وفي تونس خلق نظاما أدخل الشريعة في مواد دستورية ، وهذه مشكلة كبرى برزت في طريق الربيع العربي.