د. جاسم المهزع: نعيش الآن سايكس بيكو جديدة
جاءت ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر مصر بعد التحالف العربي مع الحليف الاستراتيجي بريطانيا العظمى والشريف حسين مع لورنس الضابط الإنجليزي لتقوم الثورة العربية الكبرى إلا ان جينات الأمل قد قتلت لاحقا وذلك بعقد اتفاقية «سايكس بيكو« بين بريطانيا وفرنسا والتي نصت على تقسيم الوطن العربي «الإمبراطورية العثمانية« بينهما مقابل إعطاء لواء الإسكندرونة وهي أراض سورية بالمجان لتركيا.
ذكر ذلك الدكتور جاسم المهزع الأمين العام لجمعية الوسط العربي الإسلامي ــ وهي جمعية ذات توجه قومي عربي إسلامي في ذات الوقت تتخذ من مدينة المحرق منطلقا لها حيث لايزال الخط الناصري يعشعش هناك على الرغم من مرور السنين العجاف ــ، قال ذلك في ندوة عقدت بمقر التجمع القومي في الزنج مؤخرا بعنوان (ذكرى ثورة 23 تموز المجيدة) وفي تحليل عام للأوضاع العربية يستعرض ما وصلنا إليه في الوقت الراهن، مشيرا الى أنه بعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) تم تنصيب فيصل ملكا على العراق بينما عيّن الملك عبدالله ملكا على مملكة شرق الأردن والتي سميت لاحقا بالمملكة الأردنية الهاشمية بعد نكبة فلسطين عام .1948 وخلال هذه السنوات والظروف التي مر بها الوطن العربي لاحظ المسئولون عن قيادة هذه الأمة في ذلك الوقت أن القومية العربية هي السبيل لقوة العرب ووحدتهم وسرعان ما اندلعت حرب فلسطين وحدثت الكارثة حين شاركت الجيوش العربية في الحرب، ولكن قيادات الجيوش ظلت في أيدي الضباط البريطانيين (حميمي إسرائيل ولا يعقل أن يكونوا مع العرب) وانكشف دورهم في التقهقر وعدم خوض المعركة في أكثر من محور لدرجة ان أحد ضباط الجيش العراقي الذي ذهب الى فلسطين سئل: لماذا لم تطلق النار؟ فأجاب باللهجة العراقية الواضحة «ماكو أوامر«، قاصدا بذلك ان الأمر والتوجيه يأتي من القيادة العليا البريطانية المسيطرة على الوضع ليس في العراق فحسب وإنما في معظم بلدان الشرق العربي ومصر باستثناء لبنان الذي كان تحت الانتداب الفرنسي. أما في مصر فلم يكن الوضع أفضل حالا حيث أماطت حرب 1948 الستار عن فساد العتاد والأسلحة التي كان يستخدمها الجيش المصري بالإضافة إلى السيطرة البريطانية عليه وارتباط النظام الملكي فيه بالمستعمر البريطاني، هذا عدا الصراع الاجتماعي بين القوى السياسية والحالة غير الديمقراطية التي يعيشها الشعب المصري في ذلك الوقت، وتفشي الفساد في أجهزة الدولة التنفيذية وسيطرة الفئة الإقطاعية على الاقتصاد المصري، هذا الوضع كان معززا بتهميش الدول الخليجية التي لم تكن في الحسبان في تلك المرحلة التاريخية من الصراع مع الكيان الصهيوني، وواقع الشمال الأفريقي تحت الاحتلال الأجنبي كله تأجج بعد نكبة فلسطين وانعكاس ذلك على نفسية المواطن العربي بإحساسه بالمهانة سواء من الهزيمة وتشرد الشعب العربي الفلسطيني أو من العجز العربي الذي أتخم وأرهل الجسم العربي حتى هذه اللحظة. في هذه الأجواء وفي ظل الواقع الفاسد تكون حس وطني وقومي لدى مجموعة من الضباط في الجيش المصري أطلقوا على أنفسهم «تنظيم الضباط الأحرار« وعاهدوا أنفسهم على إنقاذ بلدهم من هذا الوهن والتخلف والفساد.. وإن هذا التنظيم تشكل من مجموعة من الليبراليين وتيار اليسار والقومي وغير المنتمي منهم (زكريا محيي الدين وخالد محيي وأنور السادات وجمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر ومحمد نجيب وحسين الشافعي) وغيرهم من الجيل القديم الذي رفع اسم مصر والأمة العربية عاليا. وكشف الدكتور المهزع ان تنظيم الضباط الأحرار وضع نصب عينيه الأهداف السياسية التالية: بدء العمل على اجلاء القوات البريطانية وبناء جيش وطني قوي قادر على الدفاع عن حياض الوطن بالإضافة الى العمل على إنهاء الإقطاع المكبل للنمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الزراعية والصناعية بما يرفع الإنتاجية وبالتالي الدخل القومي المصري، إلا ان هذا التنظيم بعد قيامه بالثورة في الثالث والعشرين من يوليو (تموز) عام 1952 لم يستمر متماسكا بنفس القدر حيث تمكن تيار عبدالناصر من إزاحة تيار محمد نجيب الأكبر سنا في العمر بينهم والذي ساند التنظيم في ثورته ضد الملكية والاستعمار البريطاني.. وكان التنظيم بحاجة ماسة الى وقوف هذا الرجل الى جانب حركة التنظيم وذلك لثقله وموقعه في الصفوف المتقدمة للسلطة آنذاك وكان ضمان موقعه دعما كبيرا لنجاح ثورة 23 يوليو. ونوه د. المهزع في حديثه عن تاريخ الثورة المصرية إلى ان تلك الفترة كانت عصيبة ولكن القيادة المصرية لكونها قيادة وطنية يهمها مستقبل بلدها طرحت مشروع بناء السد العالي فاتجهت للولايات المتحدة للحصول على تمويل مالي ولما رفضت توجهت الى الشرق (الاتحاد السوفييتي)، وحاول الأمريكان الضغط على عبدالناصر من دون جدوى، فاخذ قرار تأميم قناة السويس، ومذ ذاك بدأت الدول الغربية تخطط لضرب التجربة المصرية فقامت بريطانيا وفرنسا وحليفتهما إسرائيل بهجوم عام 1956 عرف بـ «الهجوم الثلاثي على قناة السويس«، ولكنهم لم يوفقوا في هجومهم وذلك للقيادة الحازمة ولصمود الشعب المصري والتفافه حول قيادته الوطنية معتزا بها وبخططها سواء في الدفاع عن أراضي مصر أو في توجهاتها لتحسين الوضع الاقتصادي. والتحم الشعب العربي في الأقطار العربية مع الشعب المصري يؤيده في صموده ولم يسم ذلك مغامرة كما هو الحال اليوم مع خطوة حزب الله في أسر الجنديين الإسرائيليين وما نتج عنها من هجوم على لبنان. وها هي القنابل والقاذفات تدك لبنان وتقتل الأبرياء والمدنيين وتقصف البنية التحتية من جسور ومبانٍ سكنية، ويقال عن ذلك انه كان نتيجة لمغامرة غير محسوبة قام بها حزب الله! ونوه أيضا إلى انه بعد صمود مصر بإمكانياتها المتواضعة أمام ثلاث قوى عدوانية خرج جمال عبدالناصر بطلا قوميا وزعيما عربيا بلا منازع. وعاشت مصر أروع واشرق وأفضل حال سواء في الإنتاج أو في الفكر أو في الحريات السياسية والحراك الاجتماعي وأتاحت هذه النجاحات صعودا بالشعور القومي وأهميته في استقرار وتقدم ووحدة المنطقة، إلا أنه استدرك من ناحية أخرى ان هذا العهد الجميل لم يكن موفقا وخاصة في اختزال الحريات وامساكها من قبل الاتحاد الاشتراكي، وفشلت لاحقا تجربة الوحدة بين مصر وسوريا والتي بدأت عام 1958 وانتهت عام 1961 وذلك لأسباب لم تكن محسوبة، منها حل الأحزاب، وحل حزب البعث الذي ناضل طويلا من أجل إثبات نفسه والذي حل نفسه عن طيب خاطر طموحا في تحقيق الوحدة العربية انطلاقا من البلدين الشقيقين. كما أشار الى سلبية أخرى طفت على السطح في التجربة المصرية ألا وهي احتكار الديمقراطية السياسية وظهور الرأي المنفرد في السلطة والحكم والتنفيذ مما نتج عنه تراجع في حجم الحريات التي أتيحت للإعلام والصحافة في الجمهورية العربية المتحدة والحراك الادبي والثقافي الذي نشط في ذلك العهد والذي لم يكن فيه مجال للبطالة والجوع وغلاء للأسعار. واستمر الوضع الى أن جاءت نكسة الخامس من حزيران عام 1967حيث هزمت جيوش مصر وسوريا والأردن واحتلت إسرائيل المزيد من الأراضي في مصر (سيناء) وسوريا (الجولان) ولبنان (مزارع شبعا وكفر شيبا) حيث لايزال بعضها تحت قبضتها ماعدا إرجاع شبه جزيرة سيناء الى مصر عام 1981 بعد احتلال دام عدة سنوات وما خرجت منها إلا بتحييد أكبر قوة وجيش عربي في الصراع العربي الإسرائيلي وضمن اتفاقية كامب ديفيد.. تلا تلك المرحلة قيام جمال عبدالناصر بإعادة تجميع وتكوين وحدات وفرق الجيش المصري وبدء حرب الاستنزاف، وما طل عام 1970 إلا والجيش المصري كان مهيأ لخوض المعركة من جديد إلا ان الأمور لم تجر كما تشتهي القيادات الرسمية أو الشعبية حيث إن الكل كان يتمنى ان يكون عبدالناصر موجودا، ولو كان موجودا لما حصل ما وقع بالأمة العربية وما مرت به من مهانات وتراجعات حيث توفي جمال عبدالناصر في 29 سبتمبر عام 1970 وفقدت الأمة العربية بذلك زعيما قديرا ومناضلا صلبا ألهب حماس الجماهير العربية في اعتزازها بقوميتها وعروبتها. وجاءت مرحلة تولي السادات عام 1970 ونشوب الحرب مع الكيان الصهيوني في العاشر من أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية حيث لم تدخل الأردن في الصراع منذ ذلك التاريخ والكل يشهد ويفخر بما قدمه الجنود من تضحيات وبما حققته قيادة الجيش المصري في عملية عبور القناة التي كانت محصنة بخط بارليف ولكنه تهاوى بقوة وضربات الجيش المصري، وما تلا ذلك من اتفاقيات ومع الأسف حولت النصر الى تراجع وخسارة لم يتم استثمارها لا في إطالة أمد الحرب ولا في استغلال نتائجها على المدى البعيد. ثم تطرق الدكتور جاسم المهزع الأمين العام لجمعية الوسط إلى الحديث عن شهر يوليو (تموز) بشكل عام كأحد الشهور ذات التاريخ المضيء في التاريخ العربي. الحديث بدأ بثورة 23 يوليو في مصر عام 1952 تبعتها ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق ووصول الضابط عبدالكريم قاسم الى منصة الحكم وإسقاط النظام الملكي وسحق نوري السعيد رئيس الوزراء في شوارع بغداد بالإضافة إلى ثورة 17 -30 تموز عام 1968 حين وصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة وتقلد أحمد حسن البكر مقاليد الأمور في العراق. واختتم حديثه بالتساؤل التالي: أين نحن كأمة عربية من يوليو (تموز) الآن؟ وهل مازلنا بحاجة إلى تموز آخر؟ مشيرا الى الوضع الحالي للجيوش العربية العريضة والنياشين التي على أكتاف قياداتها.. إنها جيوش مقلمة الأظافر وجيوش بلا أسماء. وقال: الآن جريمة كبرى تحصل في لبنان والقيادات العربية لم تستطع تحقيق لقاء أو اجتماع إلا بموافقة أمريكية.. الشعب في لبنان صامد وبحاجة الى دعم والمقاومة بحاجة الى دعم.. الآن وضع مزر ومخطط التقسيم ماض.. تقسيم الوطن العربي الى دويلات طائفية وكانتونات.. العراق محتل ويمزق ولولا المقاومة العراقية لرأينا الجنود الأمريكان يرتعون ويحتسون الخمر في شوارع بغداد.. يحدث كل هذا وذاك على مسمع ومرأى الجيوش العربية ولا أحد يحرك ساكنا!.. إنني أعتقد أننا أمام سايكس بيكو جديدة.
(*) نشرفي: أخبار الخليج