رأى المفكر البحريني علي فخرو، أن دول مجلس التعاون الخليجي جميعها لم تستعد إلى مرحلة ما بعد النفط، وأخفقت في تنويع مصادر دخلها على رغم أنها كانت قادرة على توظيف عوائد النفط لتحقيق تنمية شاملة.
وشدد فخرو في ندوة قدمها بمقر جمعية التجمع القومي في الزنج مساء الاثنين (1 فبراير/ شباط 2016)، تحت عنوان «إخفاقات التنمية، مسئولية من؟»، على أنه «من أجل تحقيق أي تنمية لابد من تحولات أساسية، أولها التحول من قانون السلطة إلى سلطة القانون، وهذا يعني الانتقال إلى الديمقراطية المعقولة، كما لابد من وجود سلطة قضائية نزيهة وعادلة، وكذلك إعلام متوازن لا يخدع الناس، كما لا يمكن أن تحدث تنمية في أي دولة مع وجود فساد».
وفي مستهل الندوة، قال فخرو: «سأقصر حديثي في موضوع الندوة على دول مجلس التعاون لعدة أسباب، أولها وجود الثروة النفطية التي لا تملكها غيرها من الدول، والأمر الثاني أنني أريد أن أحصر حديثي عن بقعة محددة، لأنني لا أريد أن أتحدث عن وطن عربي مترامٍ يمكن أن نضيع في متاهاته، والشيء الثالث هو أنني أريد أن أتحدث عن فترة زمنية محددة، هي فترة النفط».
وأضاف «أود القول إن أسباب الفشل تنطبق على كل الدول العربية، ولكن هذه المنطقة كانت تستطيع أن تلعب دوراً في وعي هذه الأمة العربية، وما أود قوله إنه خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي كانت التنمية تعني التنمية الاقتصادية البحتة، حتى تنبهت الأمم المتحدة والمفكرون وبالذات في أميركا الجنوبية».
وأردف «بالنسبة إلى الأرض العربية فقد توضح مفهوم التنمية البشرية أكثر عندما قام المجلس الإنمائي بإصدار تقاريره بهذا الشأن منذ العام 2002 وحتى الآن، وسنوياً هم يقدمون موضوعاً مختلفاً لتقاريرهم، ويركزون في جميع تقاريرهم على تمكين الفرد والمجتمع».
وتابع «نحن نتكلم عن عملية تخطيطية متكاملة تسير في خطوط متوازية إلى الهدف، وليست عشوائية، وما يحز في نفسي أنه في الفترة التي أنشئ فيها مجلس التعاون في العام 1981، كان في كل دولة خليجية وزير تخطيط، وأنه في الفترة التي كان هناك إيمان بأهمية التخطيط، وتقديم محاولات حقيقية لتقديم خطط».
وأفاد فخرو «أريد أن أؤكد أننا ذكرنا بالحرف في اجتماعاتنا في بدايات الثمانينات أن من الواجب أن ينزل الاعتماد على النفط في الناتج القومي من 50 في المئة إلى 25 في المئة في العام 2000، ولكن وجدنا اليوم أن هذه الدول زاد اعتمادها على النفط بنسبة وصلت إلى 70 و80 في المئة من الناتج الإجمالي لدولهم».
وأكمل «وبالنسبة إلى تمويل النفقات العامة الجارية اقترحنا أن ينزل من 80 في المئة من التمويل بواسطة النفط، في ذلك الوقت، إلى لا شيء في العام 2000، بحيث يتم الاستفادة من مصادر أخرى في التمويل، مع تأكيدنا على أن النفط هو ملكية عامة يجب أن يستفيد منها الجميع».
وذكر أن «دخل دول مجلس التعاون وصل إلى مبالغ خيالية بسبب النفط، ولكن 20 في المئة من ذلك الدخل ذهب إلى النفقات العسكرية، وهذا يعني أنه لم يكن هناك تخطيط استراتيجي منذ ذلك الوقت».
وتابع «الأمر الآخر الذي تنبهنا له، هو تخفيض حجم قوة العمل الوافدة، ولنأخذ البحرين كمثل صغير، الآن بعد 40 عاماً يتم الحديث عن وجود عاطلين في التمريض».
وقال فخرو «عندما كوّنا مركز التدريب في المصارف المالية، بعد 10 سنوات من عملها، تلك المصارف بحرنت 60 في المئة من كوادرها، ولكن الآن اذهبوا إلى هذه المصارف وشاهدوا حجم العمالة غير البحرينية فيها».
وشدد «حتى وزارة التربية والتعليم، عندما خرجت منها كنت أظن أن العمالة البحرينية ستشكل كامل كوادر الوزارة، وذلك بالنظر إلى حجم البعثات والتدريب والتوظيف الذي كانت الوزارة تقدمه للبحرينيين، ولكن تعالوا اليوم وانظروا إلى حال هذا القطاع، وهذا الأمر لا ينطبق على البحرين فقط، بل على بقية دول مجلس التعاون الأخرى».
وواصل «اليوم هناك نوع من التركيبة السكانية التي وصلت إليها هذه الدول، وما يحزن أكثر أنها لاتزال تبني الكثير من المجمعات الفارهة من أجل جذب المزيد من غير مواطنيها الراغبين في الرفاهية».
وبيّن فخرو «كنا مهتمين كثيراً بإصلاح الإدارة والقيادة، وذكرنا في تقريرنا أن من الضروري الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، من أجل إيجاد تنمية نظيفة ومستدامة».
وتابع «نحن كنا نتحدث عن اقتصاد إنتاجي وليس ريعي، كنا نتحدث عن اقتصاد ينتج ثروة، وآنذاك كانت أعيننا وقعت على النرويج، التي قررت أن ناتج القدرات البترولية عندهم لن يذهب إلى الموازنة العامة، وأن الموازنة يجب أن تكون نتاج اقتصاد إنتاجي وليس ريعياً، ووضعت كل تلك الثروة من أجل بناء ثروة في المستقبل، وإن كانت استخدمتها في الخارج وليس في الداخل، ولكن ريع تلك الثروة عاد لبناء الاقتصاد الإنتاجي».
وأشار إلى أن «آسيا الوسطى استطاعت أن تقنع الناس أن يدخروا 30 في المئة من الناتج القومي لبناء اقتصاد إنتاجي، ونحن من ريع ثروة تخرج من تحت أرجلنا، نصرفها على أنواع مختلفة من أمور الضياع».
وأوضح «نحن منذ ذلك الوقت كنا نريد إصلاح التعليم، التراجع الذي حدث شيئاً فشيئاً في المنطقة كلها، والخصخصة التي حدثت كانت أحد مظاهر هذا القطاع، قلنا إنه من الضروري ربط التنمية بالتعليم، لأن هذا ما فعلته آسيا الوسطى، كوريا ركزت بشكل كبير على التعليم، وكانت المعلمة في كوريا مسئولة عن إنجاح جميع طلبتها، حتى لو تطلب ذلك أن تأخذ الصغار عصراً لتدريسهم، وليس فقط عليها أن تأخذ عدداً من الساعات، كانت مسئولة أيضاً عن النتيجة، وكانت المدارس فيها مليئة بالمئات من المعلمات اللاتي تأخذن مجموعات صغيرة من هؤلاء الطلبة الذين يحتاجون إلى الدعم في فترات ما بعد العصر».
وتابع «كذلك أنت لا تستطيع أن تبني تنمية لإنسان لا يحترم قيمة العمل، فكان لابد من الضروري إحداث تغييرات أساسية في البنية الثقافية، من أجل أن نبني تلك الثقافة، وتجرأنا آنذاك في قضية متطلبات التنفيذ، وقلنا إن الأساس هو العمل الرسمي، إذ لا تستطيع الحكومات أن تتخلص من مسئولياتها تجاه الناس».
وأكمل فخرو «كذلك تكلمنا عن الكيان السياسي الموحد، لأننا كنا نعرف أن التنمية لا يمكن أن تحدث على مستوى كل قطر لوحده، وقلنا إنه لابد أن يوجد مجلس تشريعي منتخب موحد بحيث إن الدول الصغيرة يمثلها بحد أدنى خمسة والدول الكبيرة يمثلها بحد أعلى 20 ممثلاً، وقلنا إنه يجب أن توجد حكومة اتحادية ورئيس وزراء اتحادي ومحكمة اتحادية تفصل في الأمور، ولو أخذ بهذه الأمور وقتها، لكان بالإمكان بناء نهضة تنموية شاملة، وهنا أؤكد أيضاً أن التنمية الخليجية يجب أن ترتبط بالتنمية العربية».
وأشار إلى أن «المسئولية تقع أساساً على الحكومات التي تدير الثروة، وفي اعتقادي أننا تصرفنا في تلك الفترة من العام 1990 وحتى العام 2010 بثروة تتراوح بين 5 إلى 6 تريليونات دولار من دون أن نحقق نهضة كبرى، وقد كنا بالأمس كنا نعتمد على الفكر المحلي، والآن بتنا رغم كل ثرواتنا نعتمد على شركات خارجية».
وأفاد «أنا جلست 12 عاماً وزيراً في وزارة التربية والتعليم ولم يكن هناك إلا اثنان من المستشارين العرب، وكل ما غيرناه كان بعقول بحرينية وعربية، ولم يكن من فكر شخص غربي، فما الذي يجعلنا نتهافت على موضوع الخارج وندفع الملايين له؟».
وأضاف «اليوم أغلب ثرواتنا شحّت، لذلك إذا لم نفعل شيئاً من أجل التنمية فإن المستقبل سيتدمر بكامله، ويسعدني أن أسمع أن القيادة في الإمارات تناقش الآن مستقبل ما بعد النفط، وهذا الأمر يجب أن يتم في جميع دول مجلس التعاون الأخرى، على رغم أنها – أي الإمارات – من أكثر الدول الخليجية تنويعاً للدخل، ولكنها الأكثر التفافاً إلى هذا الأمر».
ولفت فخرو إلى أن «المجتمعات يجب أن تُعلي صوتها في هذا الموضوع، المجتمعات في فترات الرخاء تكون هادئة مستكينة، كان يجب في فترة النفط أن يتم الانتباه إلى مرحلة ما بعد النفط، وليس إلى أعلى ناطحة سحاب أو أقوى فريق كرة».
وبيّن أن «أحد الأسباب الأخرى لغياب التنمية هو غياب التكامل القومي، كما إن العولمة ساهمت في إضعاف الدولة من خلال إلحاحها على خصخصة التعليم والصحة». وأكمل «الآن لابد من تحولات أساسية، أولها التحول من قانون السلطة إلى سلطة القانون، وهذا يعني الانتقال إلى الديمقراطية المعقولة، كما لابد من وجود سلطة قضائية نزيهة وعادلة، وكذلك إعلام متوازن لا يخدع الناس، كما لا يوجد أن تحدث تنمية في أي دولة مع وجود فساد».
وختم فخرو «من القضايا الأساسية استعمال الدين من أجل الصراعات والتفكير الغيبي والكذب على التاريخ، وهذه قضية تحتاج إلى حل بتنقية التراث الفقهي أساساً، لأنك لا تستطيع أن تصل إلى تنمية حقيقية في جو ديني متخلف وخانق ومتزمت».
العدد 4897 – الأربعاء 03 فبراير 2016م الموافق 24 ربيع الثاني 1437هـ