لا رأس فوق المساءلة . . لا حصانة أمام العدل
(عمر بن الخطاب)
سأل قيصر الروم قس بن ساعدة:
ما أفضل العلم؟ أجاب: معرفة الرجل بنفسه .
قال: ما أفضل العقل؟ أجاب: وقوف المرء عند علمه .
قال: ما أفضل الأدب؟ أجاب: استبقاء الرجل ماء وجهه .
قال: ما أفضل المروءة؟ أجاب: قلة رغبة المرء في إخلاف وعده .
قال: ما أفضل المال؟ أجاب: ما قضي به الحق .
يفتخر كل عربي بمثل هؤلاء الرجال العظام .
هو أول من قال: “أما بعد” عند العرب .
هذا النابغة العربي المسيحي هو أول من اجترح القاعدة التشريعية التي تبناها الفقه الإسلامي منذ 1500 سنة ولاتزال تدرس في معاهد وجامعات وكليات الشريعة والحقوق حتى الآن، إذ قال: “البّينَةُ على من أدعى، واليمين على مَنْ أنكر” .
ففي محاكمة المسؤولين الذين سقطوا والذين على الطريق فإن هناك تهماً متعددة حول المال العام الذي جنوه في حكم تراوح بين 20 – 40 سنة . وتقدر بين (13-70-130 مليار دولار)، ولكي يكون الشك في مصلحة هؤلاء فسوف نفترض مبلغاً واحداً فقط لكل منهم وهو مليار دولار لا غير طيلة فترة حكمه .
وإذا افترضنا أن الدخل السنوي لأي مسؤول لا يتجاوز 000 .400 دولار فيكون قد تقاضى مقدماً رواتب لمدة 2500 سنة .
وعليه، فإما أن يعيد المبلغ للدولة، وإما أن يجبر على أن يحكم مجاناً مدة 2500 سنة كي تسترد الدولة حقوقها، أطال الله أعمارهم جميعاً .
وهي عقوبة خفيفة الوطأة على الأسية (المسؤول) شديد الوطأة على حمال الأسية (الشعب) .
خطوط حمر بخصوص الحاكم المستبد:
استناداً إلى مقولة: “إذا كان القلب صحيحاً فسوف يجد ألف طريقة – أما إذا كان القلب ضعيفاً فسوف يجد ألف عذر”، هناك خطوط عدة حمر ممنوع تجاوزها في مسألة إسقاط الحاكم الطاغية بعضها:
– غير مسموح وغير مقبول أن يسقط الحاكم المستبد من الخارج، بل هي مسألة داخلية بيد الشعب مهما تطلب ذلك من الصبر والتضحية .
– من غير المقبول أن يكون هناك تعسف في محاكمة الحاكم، بل يجب أن تتوافر له المحاكمة العادلة والنزيهة والشفافة، وأن يعطى حق الدفاع عن النفس واعبتاره بريئاً إلى أن تثبت تهمته .
– مرفوضة حجة المعارضة الضعيفة بأن الحاكم المستبد من المستحيل إسقاطه داخلياً ولا مانع من الاستعانة بقوة خارجية لإسقاطه، النتيجة أن احتلال العراق وتدميره هما عقوبة أكبر بكثير من تحمل الصبر والنفس الطويل لإسقاط صدام حسين من الداخل .
– في ما يخص سوريا يجب على الثوار إزالة اللبس الخطر في رفض التدخل الأجنبي ولكن طلب الحماية الدولية . إن طلب الحماية من الخارج ليس له سوى ترجمة وحيدة هي التدخل العسكري، وهذا خط أحمر قاتل جرت تجربته في العراق وليبيا .
أهون على الثائر الوطني أن تدوسه دبابة بلده على أن يدخل على ظهر دبابة أجنبية لإسقاط نظامه .
محاكمة القائد التاريخي
من أكثر المحاكمات عدلاً في التاريخ وأقصرها مدة محاكمة الخليفة عمر بن الخطاب لفاتح بلاد الشام خالد بن الوليد، أنه وصل إلى مسامع الخليفة أن خالد بن الوليد قد دفع مبلغ 15000 درهم لأحد شعراء المناذرة الذي مدح ابن الوليد بقصيدة مطولة .
وفي أحد أيام الجمعة في دمشق والمسجد مملوء بالمصلين تقدم مبعوث الخليفة عمر من خالد بن الوليد ونزع عن رأسه عمامته وربط بها يدي خالد وراء ظهره، ثم سأله ثلاث مرات بصوت عالٍ: هل دفعت للشاعر من مال المسلمين أم من مالك الخاص؟
وكان الجواب في المرات الثلاث: لقد دفعت من مالي الخاص . عندها فك المبعوث يدي خالد وأعاد ربط عمامته على رأسه .
ففي دقائق تم توجيه التهمة أمام الناس، وفي دقائق تمت براءة القائد أمام الناس . وكانت الحادثة تطبيقاً دقيقاً للحكمة التي استنها عمر بن الخطاب والتي تصلح لكل زمان ومكان: “لا رأس فوق المساءلة، ولا حصانة أمام العدل” .
آهِ . . يا عمر، لو كنت معنا هذه الأيام .
جريدة الخليج الإماراتية /الإثنين 17/10/2011م