جاهل أو حالم هو ذلك الذي لا يعرف قراءة التاريخ وقراءة إرادة الشعوب، وهذا ما يدفعنا إلى قراءة تجربة الطبقة الرأسمالية الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، التي نعتبر أنها تمثِّل آخر النزعات الإمبراطورية الرأسمالية في التاريخ لأنها كانت تحلم بتحقيق مشروع إمبراطوري تحكم به العالم من المحيط إلى المحيط بعد أن تسيطر على بترول العالم انطلاقاً من احتلال العراق. وبانهيار أحلامها ونزعاتها على أرض العراق انهار آخر تلك الأحلام لأنه لن يُوجد من بعدها دولة قوية ستتجرأ على إعادة التجربة مرة أخرى. وإذا تجرَّأت فإن جرأتها لن تكون أكثر من ضربة مجنون لا يعقل.
وإذا كان المشروع الإمبراطوري الأميركي قائم على تحالف الرأسمال مع اليمين المسيحي المتصهين، فإنما جمع الطرفين هدفان متوازيان، يستند فيه الطرف الأول إلى عامل التوسع للاستغلال الاقتصادي، ويستند طرفه الآخر إلى أحلام صهيونية تعتمد نبوءة التوراة منهجاً لها وهدفها التمهيد لظهور المسيح الذي سيُخلِّص العالم.
وإذا كان عماد المشروع التنفيذي بيد الرأسمال لما يملك من إمكانيات التنفيذ، فإن عماده الروحي هو بيد النبوءات الغيبية التي لا تقدم في عملية التنفيذ أكثر من توفير حوافز التعبئة والتحريض لكل من رهن مشاريعه لأضغاث أحلام. ولما انهار المشروع التنفيذي بفشل احتلال العراق لم يبق للعامل الروحي للمسيحيين المتصهينين إلاَّ بضع قبضات من ريح ستتبخر سريعاً على الرغم من أنها ستبقى في خيالات صانعيها والمنساقين في ركابها ليصطادوا بواسطتها الغافلين عن حقائق التاريخ الغارقين بأحلام الأسطورة المستحيلة على التحقق. وكل من يراهن على الأسطورة فلن يحصد إلاَّ أضغاث أحلام، وهو كمن يراهن على العاصفة الذي لن يحصد منها إلاَّ ريحاً عاتية تقتلعه وأحلامه من الجذور. فالتاريخ تصنعه إرادات الشعوب وليست نبؤات السحرة والعابثين بعقول البشر.
هُزمت الولايات المتحدة الأميركية في العراق، وسقط رهان اليمين الأميركي المتطرف على اعتبار القرن الواحد والعشرين قرناً أميركياً. ولاذت الإدارة الأميركية بسلامة ما بقي من جنودها أحياء، وما بقي لها من إمكانيات اقتصادية مهددة بالانهيار أيضاً.
ليست النزعة الإمبراطورية سمة من سمات الاستعمار الغربي فحسب بل هي أيضاً سمة من سمات كل المشاريع السياسية التي تتجاوز أهدافها حدود الدول والشعوب المستقلة. وبمثل هذا التعريف تتساوى النزعات الرأسمالية الإمبراطورية، والنزعات الدينية السياسية، التي تعمل على التمدد خارج حدود الدول التي تنطلق منها. ولهذا وإذا كان المشروع الرأسمالي الأميركي قد هُزم في العراق، واستسلم إلى اليأس من استحالة تحقيق أحلامه، واستراح العراق من إعادة احتلاله مباشرة بشكل خاص، والوطن العربي بشكل عام، من تلك النزعة ولو إلى حين ليس بالقصير، فإن ذلك لا يجيز الاسترخاء والطمأنينة إلى أن الأمة العربية قد أصبحت بعيدة عن استهداف وجودها، بل ما تزال النزعات الإمبراطورية من نوع آخر قابعة في عقر دارها تهدد وجود الأمة بكل كيانها. وهذه النزعات باقية في مشاريع التدين السياسي الإسلامي الذي بقي حيَّاً في مخيلات بعض الفرق المذهبية الإسلامية من السُنَّة والشيعة. ولكي يكون كلامنا أكثر دِقَّة ووضوحاً، نشير إلى المشروعين الأم في كل من عقائد «حركة الإخوان المسلمين»، وعقائد «ولاية الفقيه». وإذا كانت «حركة الإخوان المسلمين»، بعد سقوط أنموذجها في أفغانستان، ما تزال تحبو باتجاه بناء أنموذج في مكان آخر يعبِّر عن عقائدها ويترجمها، ولعلها تراهن على ذلك من خلال دورها النشط فيما يتم تعريفه بـ«الربيع العربي»، فإن لحركة «ولاية الفقيه» قاعدة تنطلق من إيران وتعمل على التمدد خارجها، ومن أهم عوامل تمددها ظاهر في العراق، فإننا سنوجِّه اهتمامنا شطر الدور الذي تقوم به إيران في العراق، على أن لا يعني ذلك التقليل من خطورة الدعوات الدينية السياسية الأخرى، فلهذا الجانب مقال آخر.
الدور الإيراني في العراق جزء من مشروع إمبراطوري على الطريقة الدينية:
هُزمت الولايات المتحدة الأميركية في العراق، ولكن حتى الآن لم يقرأ النظام الإيراني تلك التجربة بعين العقل والحكمة، بل استمر أولياؤه في ضلالهم يعمهون. وخُيِّل لهم أن أزمَّة الاستيلاء على العراق أصبحت ملك أيديهم.
وعلى الرغم من أننا نرجو من إيران أن تكون الجار الحسن للعرب، وإذا كنا لن نسرح مع أوهام استجابة القائمين على أمورها لنداء حسن النية، فإن ذلك يدفعنا إلى النظر بعمق في المشروع الإيراني ليساعدنا على استشراف مستقبل العراق على المدى القريب والمدى الأبعد بعد مرحلة هزيمة المشروع الإمبراطوري الأميركي.
بداية نخاطب المتناقضين الذين حمَّل بعضهم مسؤولية البدء بالحرب الإيرانية – العراقية للعراق، وبعضهم الآخر حمَّل إيران مسؤولية البدء بها. وقبل الحسم بتحديد من يتحمل المسؤولية نقول: إسألوا أهداف نظرية «ولاية الفقيه» فهناك يكمن السبب. فتلك النظرية هي تعبير عن نزعة إمبراطورية على قواعد فقهية دينية، لأن من أهدافها الأولى أن تبني دولة إسلامية أممية، ومن دون التوسع خارج إيران يستحيل بناء تلك الدولة. ولهذا، وعلى سبيل الافتراض، إذا لم تبادر إيران للبدء بالحرب ضد العراق في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بالفعل التنفيذي، فإن البدء بها هو أمر ديني لا يجوز تأجيله في نظر أصحابه، لأن أولي الأمر في إيران بعد انتصار ثورة الملالي حسبوا أنهم مكلَّفون بشن تلك الحرب في أي وقت، وهم لا خيار لهم فيه، كما يزعمون، بل هو «أمر إلهي» يجب عليهم شنَّ الحرب إعداداً لظهور المهدي المنتظر.
كانت الإشارة إلى تلك المحطة التاريخية ضرورية لتفسير ما حصل بعدها، وليس لنكء الجراح كما قد يحسب البعض. نامت أهداف إيران بالتوسع بعد العام 1988، على الرغم من إعلان الخميني بأن موافقته على قرار وقف إطلاق النار كانت وكأنه «يتجرع السم»، إذ كان إعلانه على ذلك الشكل، وبتلك الطريقة من الشعور بالألم، فلأنه قد شعر وكأنه يخالف «أمراً إلهياً». ولهذا نام «المشروع الإلهي» انتظاراً لتوقيت أفضل وظرف مناسب. فكان الاحتلال الأميركي للعراق هو الظرف المناسب ليستأنف أصحاب نظرية «ولاية الفقيه» مشروعهم، فتعاونوا معه وقدموا له كل وسائل الدعم، وشاركوه بفعالية لاستكمال احتلال العراق، ومن أكثرها خطورة التآمر على المقاومة الوطنية العراقية بالملاحقة والقتل والاعتقال والتشريد. وكان مبررهم أنهم استندوا إلى فتاوى تجيز لهم الاستعانة حتى بـ«الشيطان الأكبر» لإسقاط «الأنظمة الكافرة»، ليستكملوا من بعدها كما يزعمون مخطط الانقلاب على ذلك «الشيطان».
وإذا كانوا قد احتفلوا برحيل قوات الاحتلال الأميركي زاعمين أنهم هم الذين قاوموا، لم يكن ذلك أكثر من ذرٍّ للرماد في عيون البسطاء والسُذَّج. أما إذا تساءلنا: لماذا احتفلوا ظاهرياً، واحتفلت معهم جوقة مؤيديهم، برحيل تلك القوات؟ فلأنهم حسبوا أن العراق وشعب العراق قد أصبح طوع بنانهم خاصة أنهم يسيطرون على أكثرية نيابية وحكومية وأمنية وعسكرية ومخابراتية، وبالتالي شعبية. وحسبوا أن تلك السيطرة الوهمية ستجعل حكمهم للعراق سهلاً وميسوراً، وبه يكونون قد أنجزوا جزءاً مهماً من أحلامهم الإمبراطورية. وبمثل تلك الحسابات تشابه حكام «ولاية الفقيه» بأحلامهم مع الاحتلال الأميركي عندما كان أقطاب إدارة جورج بوش يحلمون بأن الشعب العراقي سيستقبلهم بالورود. ولكن تناسوا أن الزمن القريب القادم سيدفع حتى بالطائفيين من الشيعة من الذين يتوهمون أنهم مؤيدين لهم سيشعرون بالذل والمهانة أن تصدر الأوامر إليهم من خارج العراق. وإن هذا الاحتمال سيتعمَّق أكثر فأكثر كلما ازداد التدخل في الشؤون الداخية العراقية من خارج العراق من جهة، وكلما حمل هذا التدخل عوامل الاحتراب الداخلي وعزَّزها بين أطياف العراق الطائفية وتنوعاته المذهبية من جهة أخرى.
ولكل هذا، ولما ثبت للأميركيين كذب أحلامهم أعلنوا ندمهم في وقت لم ينفعهم فيه الندم. وحتى لا يكرر «سادة» إيران تجربة الأميركيين الفاشلة إلى حدود الهزيمة النكراء، كان عليهم أن يقرأوا التاريخ جيداً وأن يقرأوا بجدية أكثر طبيعة إرادة شعب العراق. فهل يكون العراق مصدر استنزاف لطاقات إيران البشرية، ولطاقاتها المادية، كما فعلها مع أميركا؟
نقولها، ولسنا ممن تركبهم أوهام وأضغاث أحلام. نقولها: إذا كان «سادة» العالم قد عجزوا عن اجتثاث تاريخ العراق وإرادة شعبه على الرغم من إسناد معظم دول العالم وأنظمة الذل الرسمية العربية وأنظمة الدول الإقليمية، ومنها إيران. فإذا كان «سادة» العالم قد عجزوا عن تلك المهمة، فهل أضغاث أحلام من يتوهمون امتلاكهم لقوة أقل بما لا يقاس مع الولايات المتحدة الأميركية أنهم سينجحون فيما فشل به أولئك؟
تاريخياً، كان العراق ممراً لكل الغزوات الإمبراطورية القادمة من الشرق ومن الغرب. وعلى أرض العراق حصلت المعارك الكبرى التي سقطت فيها أعتى الإمبراطوريات وأكثرها قوة. ولعلَّنا لا ننسى السجال الحربي الطويل الذي جرى بين الإمبراطوريتين التركية والفارسية بعد الإسلام، ذلك السجال الذي لم يهدأ، حيث كانت الإمبراطورية الفارسية تحت شتى المسميات تجتاح أجزاء من العراق ما تلبث أن تنسحب منه تحت ضغط الإمبراطورية التركية. وهكذا ظلَّ الوضع في حركة دائمة لا تهدأ لأن المفصل العراقي كان مفصلاً حيوياً للإمبراطوريتين الإقليميتين الجارتين، وهو ما يزال يشكل الحاجة ذاتها للدولتين ذاتهما في العصرين الحديث والمعاصر. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كلاً منهما كانت تستند إلى دويلات مذهبية محلية يمتد تواجدها من أراضي ما بين النهرين إلى بلاد الشام.
نظرة سريعة على التاريخ القريب تكفينا للمساعدة على تشخيص واقع ما جرى بعد احتلال العراق، وما يجري على أرضه الآن بعد الانسحاب الأميركي، وما قد يجر من أحداث في المستقبل القريب والبعيد. وهذا يوجزه التساؤل التالي: هل يكرر التاريخ ذاته ماثلاً بالأطماع الإمبراطورية الدولية التي فشلت، وبعد فشلها كيف نفسِّر أطماع دول الإقليم؟
نشبِّه الوضع الآن، إنه في أعقاب انكسار التأثير الدولي، وحصول الفراغ في العراق بعد الانسحاب الأميركي، انتدبت الدولتان الإقليميتان نفسيهما لإملاء ما اعتبرتاه فراغاً، وهذا ما سوف يتحول إلى صراع بينهما للحصول على ما يمكنهما من مصالح أقلها أمنية وعسكرية. ولأنه لاحدود معروفة لتلك المصالح، سيحمل المستقبل مشاريع حروب إقليمية بينهما سيدفع العراقيون ثمنه في شتى الاتجاهات.
ولو قرأت الدولتان التاريخ جيداً، وطبيعة اتجاهات المجتمع العراقي، لتأكدتا أن العراق لن يستطيع حكمه إلاَّ نظام وطني عربي مستقل بعيد عن تأثيرات الخارج مهما كان لونها أو شكلها أو دينها أو مذهبها. وهذا مبني على أن وعي المجتمع العراقي لأهمية اللاحم الوطني هو العامل الذي سيقوِّض كل أحلام الدولتين الإقليميتين وأطماعهما.
قيدة المقاومة العراقية هي من سيملأ الفراغ بعد الهزيمة الأميركية:
على الرغم من أن تحرير العراق من الاحتلال الإيراني الجديد، ومنع تأثيرات الدور التركي الطامع بحصة مجزية له، هي مهمة المقاومة الوطنية العراقية، كما أعلن الرفيق عزت الدوري قائد المقاومة، إلاَّ أن مقاومة الأطماع الإقليمية لن يكون العامل الوحيد في استنزاف إيران على أرض العراق ومنع الاختراق التركي من النفاذ، بل هناك عوامل دولية وإقليمية ورسمية عربية ستشكل رافداً كبيراً يصب في مصلحة مقاومة العراقيين، ليس حباً بالمقاومة الوطنيةالعراقية، بل دفاعاً عن مصالح تلك القوى وأمنها. وهذه الحقيقة لا تعني أي تنسيق مسبق بين المقاومة الوطنية العراقية، كعامل أصيل، وبين تلك القوى، كعامل رديف، لأن أواصر التواصل مقطوعة بينهما، خاصة وأن الرديف كان في موقع العداء للمقاومة منذ أن انطلقت، وما يزال. ولكننا نصنِّف تلك العوامل المشتركة التي تجمع بين النقيضين في موقع التعاون الضرورة الذي لا مفرَّ منه. وذلك سيدور استناداً إلى القاعدة التي يعمل من أجلها بعض دول العالم، وأنظمة الخليج، وهي «إذا لم تكن مصلحتي مضمونة في العراق، أو أن أمني مهدَّدٌ من بوابته، فلا مصالح لأحد». ولأن الوجود الإيراني في العراق يعني تهديداً لأمن أنظمة الخليج، لذلك ستكون تلك الأنظمة داعماً لتحرير العراق من كل وجود إقليمي شرط أن تشعر أن هناك ضمانات لأمنها من النظام الذي سيحكم العراق بعد تحريره تحريراً كاملاً وناجزاً من أي وجود مباشر أو غير مباشر لكل قوى الخارج، سواءٌ أكانت دولية، أم كانت إقليمية.
وإذا كانت بعض الأنظمة الرسمية العربية، خاصة أنظمة الخليج العربي، مع بعض دول الإقليم وتحديداً الحكومة التركية، سوف تراهن على مقاومة المشروع المذهبي الإيراني في العراق بمشروع مذهبي آخر، فهي تكون قد اختارت الأسلوب الأخطر.
وإذا كانت تلك الوسائل ستعتمد أولاً وأخيراً على الشعب العراقي وعلى حساب أمنه وأرواحه وأرزاقه وسبل معيشته، فإنها ستتواجه برفض عراقي عام قد يتنامى بسرعة.
وبناء عليه سيعمل التحالف الخليجي والتركي على استنزاف إمكانيات إيران في العراق، ومنعها من الاستفراد به، ولن تدعها هادئة البال.
وإذا كان هذا العامل مهماً، فإن الأهم منه، سيكون العامل الشعبي العراق رافضاً لما يُسمى بحروب الآخرين على أرضه. وأما السبب فإنه احتفل بهزيمة الولايات المتحدة الأميركية لأنها احتلت أرضه وصادرت قراره وفرضت حكاماً عليه يسرقون قوته وراحته وأمنه، ليس لكي يستبدلها بأي احتلال آخر، يمارس الأخطاء ذاتها تحت مسميات أخرى. وإذا كان البعض من شرائح المجتمع العراقي قد استمرأ طعم الحكم المذهبي فإنما كان ذلك لظروف مؤقتة وجد فيها أمنه مهدداً نتيجة السلوكات الخاطئة التي كان يمارسها بعض تيارات الإسلام السياسي. ولكن الخوف من ذلك سوف يزول عندما يجد نفسه مطمئناً إلى وجود حكم وطني يوفر الأمن للجميع، خاصة أن الحكم الطائفي السياسي، في ظل الاحتلال الأميركي والذي سوف يستمر بوجود الاحتلال الإيراني، برهن وسيبرهن أكثر بعد التحرير الكامل والناجز أنه ليس الأمن المنشود.
نقول كل ذلك، بينما لا ننسى أن الشعب العراقي الذي واجه أكثر الويلات خطورة، ودفع ثمناً فادحاً، أثناء الاحتلال الأميركي المباشر، سيدفع أيضاً ثمناً كبيراً في صراعات الدول الإقليمية على أرضه. ولكن مواجهة كل ذلك، بأقل ما يمكن من خسائر، ستكون من إحدى مهمات الشعب العراقي الذي عليه أن يعي أن مصلحته لن تأتي من هذه الدولة الإقليمية أو تلك، وليس من تثبيت دويلات مذهبية تحت حجة أنها تحمي المنتسبين إليها. وأما السبب فلأن تدخل الدولتين الإقليميتين في العراق ينطلق من مصالحهما الذاتية. ولأن علاقات الدويلات المذهبية القائمة الآن، حسب نصوص الدستور المسخ، ستكون علاقات توتر وحروب دائمة، وستكون الحدود بينها مبنية على الجماجم والأرواح وسواقي الدم.
وإذا كانت الدولتان الإقليميتان لن تخسرا شيئاً فيما سيحصل من صراعات، فلأنهما ستمولانها من دم العراقيين وأرواحهم وأمنهم وأرزاقهم، سيبقى من مهمات العراقيين، من أقصى الشمال إلى جنوبه، ومن أقصى شرقه إلى أقصى غربه، أن يحسموا قرارهم موحدِّين إلى جانب المقاومة الوطنية العراقية التي حرَّرت وطنهم من الاحتلال الأميركي المباشر، خاصة أن في برنامج هذه المقاومة الكثير مما يطمئن بأن نتائج التحرير ستصب في مصلحة الشعب العراقي، كل الشعب العراقي، بشتى أطيافه السياسية والدينية والعرقية.