أولا – ان احتلال ايران العسكري لحقل (الفكة) النفطي العراقي، والممارسات والتصريحات الايرانية التي رافقت وتلت ذلك هي تطبيق حرفي للنمط الصهيوني في العدوان والاحتلال واحتقار القانون الدولي. فالكيان الصهيوني يحتل الارض العربية ثم يطالب بالتفاوض لحل النزاع، ثم يحتل ارضا جديدة ويدعو للتفاوض لحل النزاع! وهكذا فعلت ايران عندما احتلت الجزر العربية الثلاث ورفضت التحكيم الدولي لكنها تطلب دائما من الإمارات التفاوض الثنائي لحل النزاع وهي تعرف أنها ستلجأ للتسويف والمماطلة في التفاوض ولن تعيد للآخرين حقوقا إلاّ إذا جرّعوها السمّ. وهكذا تعاملت إيران اليوم مع قضية إحتلالها للأراضي والحقول النفطية العراقية في الفكة، فهي إحتلت الأرض العراقية وتطلب التفاوض لترسيم الحدود متناسيةأن الحدود العراقية الأيرانية مرسمة وموثقة لدى الأمم المتحدة، ومن السهل على أية جهة قانونية محايدة تثبيت حقوق العراق في أراضيه المغتصبة طال الزمن أم قصر.
ثانيا – دأبت إيران خلال السنوات السبع الماضية على تنفيذ مخططها في تفتيت العراق ونهب موارده تحت مظلة الإحتلال الأمريكي ومن خلال هيمنة عملائها وميليشياتها على الحكومات المتعاقبة المنشأة في ظل الإحتلال، فهولاء العملاء سهّلوا لها سرقة نفط حقول البصرة (ذكر تقرير بيكر- هاملتون أن ما مجموعه نصف مليون برميل نفط يجري تهريبه الى ايران يوميا)، وعملائها وميليشياتها يقومون نيابة عنها بحملة تصفية البعثيين وضباط الجيش العراقي والعلماء وكادر الدولة، وهم يهجّرون العراقيين قسرا لإستبدالهم بإيرانيين، وهم يطالبون بتقسيم العراق على أساس طائفي، وهم ينشرون الخرافات والبدع الصفوية والتخلف والمخدرات، وبإختصار هم يقومون بكل ما هو كفيل بتدمير العراق. أما جيش إيران فقد كانت مهمته نزع الدعامات الحدودية والتقدم بعمق كيلومتر إلى عدة كيلومترات في داخل الاراضي العراقية، أي إحتلال مساحة من أراضي العراق تعادل أربع مرات مساحة دولة البحرين (يبلغ طول الحدود العراقية- الايرانية 1200 كيلومتر).
ثالثا : أمّا لماذا لجأ حكام ايران الآن الى اسلوب الاحتلال العسكري المباشر والمفضوح لحقل نفطي عراقي، فيبدو انهم وصلوا الى قناعة مفادها أن سلطة عملائهم في العراق آيلة الى زوال، وأن شعب العراق كشف حقيقتهم وكشف خيانة وإجرام أحزابهم الطائفية، ولذا قررت إيران ان تحقق اكبر قدر ممكن من المغانم على حساب العراق لتجبر اي حكومة عراقية مقبلة على التعامل مع احتلالها للأرض العراقية كأمر واقع.
رابعا : تعرض العراق لإحتلال عسكري امريكي مباشر وإحتلال سياسي وعقائدي وديموغرافي وإجتماعي إيراني.وتعاملت المقاومة العراقية مع الاحتلال العسكري الأمريكي وهزمته، أما الاحتلال الايراني فقد قاومه العراقيون سياسيا وعقائديا واجتماعيا وإنتصروا عليه، وذلك انتصار لا يقل عبقرية عن الانتصار على أمريكا وتكبيدها اكبر هزيمة في تاريخها. لقد نجح المواطن العراقي بعبقريته الفريدة في انزال الهزيمة بالأحزاب السياسية والميليشيات الطائفية والعمائم الدينية المعبأة بالحقد على العراق والعروبة والمسلحة بشعارات غوغائية لتدمير المخزون الروحي العظيم لشعب العراق وتمزيق نسيج القيم والثقافة لأعرق دولة عرفها التاريخ. لقد إستنهض العراقيون كل عمقهم العربي والاسلامي والحضاري والانساني وأسقطوا هذا المخطط التدميري الكافر. ويأتي إحتلال حقل الفكة الذي جوبه بوقفة وطنية بطولية من أبناء العراق في العمارة والبصرة وكربلاء وبقية مدن العراق كدليل إضافي على هزيمة المشروع الإيراني التدميري في العراق.
خامسا : إن الوعي الشعبي العراقي هو عنصر أساسي في هزيمة الإحتلالين الأمريكي والإيراني، وإذا كان المحتل الأمريكي سيرحل الى ما وراء البحار فإن المحتل الايراني سيتربص بالعراق وسيحاول أن يقتطع أجزاء عزيزة من أراضي العراق إحتلها بدعوى عدم وجود ترسيم للحدود، بينما الترسيم موجود والإتفاقيات والخرائط موجوده، لذا فمن المناسب أن تقوم الاحزاب والمنظمات والاتحادات والشخصيات العراقية المناهضة للإحتلال بمطالبة المجتمع الدولي ومؤسساته وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وحركة عدم الانحياز بتحمل مسؤولياتهم في وقف العدوان الإيراني على الاراضي العراقية. ومن المناسب أن توجه قيادة المقاومة العراقية، الممثلة الشرعية لشعب العراق، رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة والى رئيس مجلس الأمن تطالب فيها بنشر قوات دولية على الحدود العراقية الإيرانية لمراقبة احترام الطرفين للحدود الدولية، ومثل هذه القوات سبق نشرها على الحدود العراقية الايرانية بموجب قرار مجلس الامن (619) في 9 آب 1988 وواصلت عملها في الاشراف على وقف اطلاق النار وانسحاب قوات البلدين الى الحدود الدولية المعترف بها والتحقيق في أي انتهاك للحدود الدولية، إلاّ أن ايران طلبت سحب هذه القوات ضمن مخططها لإثارة الاضطرابات في العراق إثر العدوان الامريكي عام 1991، وفعلا سحبت هذه القوات في 28 شباط 1991.
إن المطالبة بنشر قوات دولية على الحدود بين العراق وإيران ستجابه برفض إيراني وبرفض من حكومة (علي الدباغ) المنشأة في ظل الإحتلال، إلاّ أنها ستعطي بالمقابل زخما للقوى المناهضة للإحتلال في تصعيد حملتها السياسية، ويمكن الطلب من مجلس الأمن نشر هذه القوات بموجب الفصل السابع من الميثاق، ومن دون الحاجة لموافقة إيران (كما حصل في نشر بعثة الامم المتحدة للمراقبة بين العراق والكويت بموجب القرار 687 (1991)).
وغني عن القول أن تشريعات الارض والسماء أعطت لمن احتلت أرضه حق الدفاع الشرعي عن النفس وقمع العدوان، وتلك أمضى الأسلحة.
والله المستعان
بغداد 22/12/2009