* أسابيع قليلة وتحل ذكرى النكبة الفلسطينية، حين تم اغتصاب الأرض وتشريد المواطنين الفلسطينيين، عبر ارتكاب المجازر في "دير ياسين" و"كفر قاسم" وغيرهما من المجازر التي تلاحقت الى يومنا هذا.
فأين اصبحت القضية الفلسطينية اليوم؟
وفي أي مدار أو فلك يدور الحال العربي؟
لماذا تراجع عنوان القضية من الصراع العربي – الصهيوني، الى الصراع العربي – الاسرائيلي، ليصل الى مجرد صراع فلسطيني – إسرائيلي؟
ولماذا تم تفكيك مضمون الصراع من صراع (وجود) الى صراع (حدود) الى مجرد صراع حول المستوطنات او مجرد خلاف حول ايقاف بناء مستوطنات جديدة من عدمه؟
* لماذا اصبح الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني مشجبا يعلق عليه النظام الرسمي العربي فشله في الوصول الى حل عادل للقضية، ومشجبا يتم تعليق كل الخيبات العربية عليه رغم ضخامة الامكانيات والثروات؟
أين الثوابت الفلسطينية؟ وأين الثوابت العربية حول القضية؟ وأين ألف باء الأمن القومي العربي؟ هل تغيرت القضية؟ هل تم استيراد ولو جزء يسير من الحق العربي؟ هل حقق الطرف الصهيوني في فلسطين المحتلة من الماء الى الماء، أي تراجع؟ أي تنازل؟ أي رغبة في السلام؟
* الواضح ان لا شيء تحقق، ولا شيء تغير، وانما علاقة النظام العربي الرسمي بالقضية هي التي تغيرت بل ان الاوضاع بعد النكبة وبعد تقسيم فلسطين عبر اداة الدول الاستعمارية (الأمم المتحدة) ازدادت غرقا في مزيد من الاحتلال منذ 67، حتى لم يعد أحد يذكر اليوم قضية اغتصاب فلسطين، أو قضية تقسيمها الجائر استعماريا، أو حتى قضية الاحتلال لباقي الأرض الفلسطينية والعربية.
فالأمور اسرائيليا وصلت الى حدود ترسيخ بنية الدولة الدينية (يهودية اسرائيل) مما يعني القضاء على حق العودة الفلسطيني، وحق اللاجئين، بل المخطط يهدف الى طرد من تبقى منهم عام 48 في وطنهم الأم، لتحقيق يهودية الدولة الصهيونية وفي اطار عنصري فاضح.
* بل ان الكيان الصهيوني الغاصب يسعى الى هدم المسجد الاقصى، وضم بقية المقدسات الاسلامية الى تراثه، ولم تعد الأرض وحدها مغتصبة، بل التاريخ والتراث والمقدسات والمساجد، تمهيدا لبناء "هيكل سليمان" المزعوم.
فيما بعض النظام العربي يعمل على استمرار الانقسام الفلسطيني، وحصار غزة، وتجويع اهاليها، وضرب مقاومتها، والتخلي عن أولويات القضية الفلسطينية، وحيث "هذا البعض" من النظام العربي يعتبر نفسه اليوم كأنه مجرد امتداد للوجود الصهيوني على ارض فلسطين، ويعمل على حمايته – رغم انه غاصب – وحماية امنه، ويعقد التحالفات معه، ويسعى بكل طريقة إلى التطبيع المجاني في ظل الحراب الامريكية المعتادة، بل يعقد اللقاءات السرية، ويحاول دمج حكومة الكيان الصهيوني في المنطقة، بالحيل المختلفة، وصولا الى جعل (الجامعة العربية) مجرد مظلة مستجدة لعمليات الدمج المستقبلية تلك، حتى أصبح الكيان الصهيوني صديقا للبعض وحليفا للبعض الآخر، ومصونا بصمت عربي مذهل رغم كل الجرائم التي يرتكبها، وبمباركة عربية لحروبه على المقاومة العربية في لبنان وغزة.
* ستة عقود ونيف قلبت الحال العربي، من هزيمة عسكرية في الـ 67، الى هزيمة سياسية وفكرية ونفسية وذاتية اليوم، وأصبح الحال العربي كلوحة سريالية، اختلط فيها اللون باللون والحابل بالنابل، وتم ابتكار (ثقافة الهزيمة الرسمية) لمواجهة (ثقافة المقاومة)، وتم ابتكار لغة انهزامية تتستر خلف مفردات فارغة من أي محتوى موضوعي كـ "الواقعية والاعتدال والسلام وحوار الاديان والشرق الاوسط الكبير" الى غيرها من المفردات التي اطلقتها ماكينة الدعاية الصهيونية من مراكزها الاستراتيجية، ليتلقفها النظام الرسمي العربي وبعض النخب العربية باعتبارها كشفا وفتحا جديدين.
وفي الوقت الذي يسعى فيه هذا النظام العربي سعيه الحثيث إلى التطبيع والتحايل على الشعوب العربية الرافضة له، يمارس فعاليته الاخرى في تحقيق التراجع الكبير تجاه كل قضاياه الجوهرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ويمارس دورا "غرائبيا" في تشويه اي مقاومة أو ممانعة لسياسات الكيان الصهيوني، وأصل وجوده، تحقيقا للفشل العربي الباذخ الذي لم يحلم به الصهاينة كما هو اليوم قط.
وللحديث صلة.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.