يوسف مكي
في الظاهر يبدو ان النظام في البحرين متماسكا وقادرا على مواجهة الثورة. ولكن الواقع الذي يعيشه النظام يخالف الظاهر، ويشير الى ان النظام يعاني من الاحتضار وربما النهاية الوشيكة.
اما الدلائل والمشرات على تهالك النظام فهي كثيرة. بعضها يتعلق به، أي بالقبيلة وصراعات الاجنحة، والبعض الآخر بالظروف الموضوعية التي تمر بها البلد منذ 14 فبراير (شباط) 2011 حتى الآن. وعدم قدرة النظام على ادارة هذا البلد الصغير، ومن باب اولى عدم قدرته على حكمها بطريقة عقلاني ورشيدة.
فعلى صعيد العائلة / القبيلة يمكن القول انها تعيش ذروة صراعات فيما بين اجنحتها دون ان يتمكن أي جناح من حسم الموقف لصالحه لتجنيب القبيلة مصيرا كارثيا وليس رغبة في الاصلاح. والصراع بين الاجنحة ليس بين ما يعرف بالحمائم والصقور، انما بين الصقور والصقور، ومنذ سنة 1783 وهذا معروف بالتجربة التاريخية لشعب البحرين، وبالتالي فإن الصراع هو بين اجنحة الصقور والصقور حول الكيفية التي يتم بها تجنب المصير الكارثي للقبيلة أي ترتيب البيت الخليفي باقل قدر من الخسائر والامتيازات، وفي نفس الوقت يظل آل خليفة محتفظين بالبحرين، والتمكن من ادارة الصراع مع الشعب دون ان يفقدوا مواقعهم الحصينة في الاستئثار بالقوة والثروة ومقدارات البلاد التي غنموها فيما مضى بحد السيف من سكانها البحارنة.
وكدليل آخر على حجم التخبط والانهيار الذي يعاني منه النظام / القبيلة، السماح بدخول القوات السعودية لسحق الثورة، مما يعني ان قوات النظام وجيش النظام وجنرالاته لا تثق في قدرة جيشها وقواتها في القضاء على الثورة ومما يعني ان صراعات الاجنحة موجودة في اهم مؤسسات النظام (الجيش) وحتى الامن.
إن دخول القوات السعودية هو نوع من الاستقواء والاستنجاد من قبل النظام بقوات بديلة لجيشه من المفترض انه ليس في حاجة لها – مما يعني ان النظام غير واثق من نفسه انه يستطيع حسم الموقف ازاء الثورة بجيشه، انها علامة ضعف وليس قوة. وبالفعل فالثورة لا تزال مستمرة برغم قانون السلامة الوطنية للجنرالات، وبرغم قوات السعودية، وجيش النظام.
اما فيما يتعلق بظروف البحرين بوجه عام فكل المؤشرات، وخاصة الاقتصادية تدلل على ان البلد تعاني من وضع متأزم على صعيد التجارة والمال والاستثمار والعقار والسيولة وتفكك الطبقة التجارية وتذمرها، ومطالبتها بوقف الضرائب هنا ووقف الرسوم هناك واغلاق محلاتها في اماكن اخرى، هذا فضلا عن الكساد في البضائع والبطؤ في حركة الاسواق، والحذر الشديد لدى الناس في الإقدام على مشاريع جديدة، وارتفاع حس الادخار الفردي بدلا من تبديده في المشتريات والتبضع الاستهلاكي، وذلك خوفا ما يخبئه المستقبل لهذا البلد. يضاف الى ذلك ان مؤسسات الدولة وخاصة الخدمية تعمل بالبركة، حيث تم تخريب هياكلها ووظائفها بما يسمى جيش المتطوعين وهم الذين تم شراء ولائهم من قبل النظام ليحلوا مكان من تم ايقافهم وسجنهم وفصلهم ممن ينتمون للمعارضة. ولكن المفارقة جيش من المتطوعين ويستلم رواتب من الدولة، وفي بعض القطاعات عدد العاملين / المتطوعين اكثر من الموظفين الرسميين كل ذلك بفضل السياسة غير الرشيدة للنظام او القبيلة.
وواضح من خلال تلك الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية والمرتبطة بالحالة السياسية الخانقة، وما يترتب عليها من عدم استقرار، نجد ان النظام غير قادر على قيادة سفينة البحرين الى بر الامان، لأسباب تعود اليه كنظام قبلي يجعل من مصالح ومغانم القبيلة اعلى من مصالح الوطن، وربما آخر شيء يفكر فيه، ولكن باعتباره بقرة حلوبا وليس وطنا لكل ابنائه. إن اوضاع الوطن المتردية هي نتيجة منطقية لسياسات النظام / القبيلة. بلد ينهار امام انظار ابنائه، وبفعل صراع بين اجنحة النظام من جهة، وعدم اكثراث حكامه بمصالح الشعب ومايدور في البلاد من حراك شعبي من جهة اخرى.
لذلك فإن النظام يواجه نوعــين من الازمات ازمة داخلية / ذاتية مستحكمة تخصه وهي مزمنة ولم تُحسم لحد الآن، ولن تُحسم فيما يبدو في الافق المنظور. وازمة سياسية شاملة ومزمنة ايضا على مستوى الوطن تتمثل في الصراع بين النظام والشعب، بسبب ان النظام ليس لديه ما يقدمه لهذا الوطن حيث تمنعه قبليته من ان يرى اكثر من مصالح القبيلة. فالوطن غير قائم في منطق واساطير القبيلة، فهو غنيمة وامتيازات واسلاب.
وعليه فهو نظام مأزوم منذ عقود وغير قادر على ادارة البلاد، فهو اشبه بالبناء الآيل الى السقوط، الآن او بعد حين، لأنه استنفذ دوره التاريخي، ولأن الامور لا يمكن ان تظل هكذا، إذ لابد من التغيير. هذا هو منطق التاريخ، وهذا هو منطق الشعوب، الذي لا تستوعبه العوائل والقبائل الحاكمة ولا الانظمة الاستبدادية.
ولكن الشعوب باقية والقبائل / الانظمة تزول. باختصار شديد يمكن القول الآن في البحرين نظام قديم يموت، ونظام جديد على انقاضه لم يولد بعد.
مجلة الجزيرة العربية » مقال اليوم :الأربعاء 11-07-2012
عن:القدس العربي
باحث بحريني في علم الاجتماع