قاسم حسين
من يتابع الشأن البحريني من السهل عليه الحصول بسهولةٍ على أدلة وافرة تثبت وجود سياسات التمييز والإقصاء ونشر الكراهية.
لقد أصبح التمييز أمراً مفروغاً منه، سواءً بالنسبة لأنصار المعارضة أو الموالاة، بعدما أصبح ممارسةً يوميةً يطبّقها طرفٌ بطريقة سادية، ويطالب الطرف الآخر بالصمت والصبر عليها. فإذا تكلّم واحتج واعترض، وطالب بتغيير هذا الواقع الشاذ والمنحرف، اتهم مرةً بالخيانة الوطنية، ومرةً بالعمالة الأجنبية، وسُلّط عليه الأشرار من كتبة مرتشين، وخطباء بذيئين، ديدنهم الشتم والسبّ وبضاعتهم التحريض ونشر الكراهية.
الصحافيون الأجانب حين يزورون البحرين، يحتاجون إلى يومين فقط لمعرفة حقائق الوضع السياسي بالكامل، فيزورون يوماً العاصمة وبعض ضواحيها الراقية حيث الفنادق والمنتجعات ومشاريع الترفيه، وفي اليوم التالي يزورون المناطق ذات الأغلبية الشعبية، التي تتعرض لسياسة الإهمال المتعمد والإذلال والحرمان من تنفيذ أية مشاريع جديدة، تنموية أو إسكانية منذ سنوات، وليشاهدوا بأعينهم البنية التحتية المتهتكة.
الإعلاميون الأجانب الذين زاروا البحرين في السنوات الأخيرة وخرجوا بقصص خبرية وأفلام وثائقية، لم يكونوا يحتاجون إلى الكثير من العناء لإكمال رواياتهم استناداً للمشاهدة والعيان. فالبلد صغيرٌ جداً، لا يزيد كله على ضاحيةٍ من ضواحي أية عاصمة أوروبية، أو بلدة أقل من متوسطة الحجم في مصر أو الجزائر أو اليمن. ومع ذلك يعاني من كل هذا التمييز والتشطير والصراع السياسي، الذي حاول البعض تحريفه إلى نزاع طائفي. وهو ما نتجت عنه معاناة إنسانية كبيرة، وملفات حقوقية معقدة، تتمثل في هذه الأعداد الكبيرة من الضحايا (180)، والسجناء (3000)، والمفصولين عن العمل (6000). هؤلاء المفصولون كانوا حصيلة ثلاثة أشهر فقط من عمل لجان تحقيق مكارثية شُكّلت دون سند قانوني، ووفق معايير غير دستورية، ولعبت فيها الأهواء السياسية والمصالح الشخصية والفئوية للإضرار بطائفة كبرى أصيلة في البلاد.
التمييز لم يتوقف خلال الأعوام التالية، والاعتقالات وأحكام السجن المغلّظة زادت وتيرتها، حتى بات لدينا مئات من المحكومين بمددٍ طويلةٍ بين 15 و25 عاماً.
المنظمات الحقوقية الدولية استمرت في رصد الانتهاكات وتوثيقها في تقاريرها السنوية وإصدار بيانات الإدانة الدورية، وتذكير السلطة بضرورة الالتزام بالمعايير الدولية لاحترام حقوق الإنسان. وبدل أن تعمل السلطة بصدقٍ على وقف هذه الانتهاكات ومعالجة آثار ما وقع منها، أخذت تهرب إلى الأمام، عن طريق تشكيل لجان داخل لجان، وهيئات داخل هيئات، للتغطية على ما يجري، مفترضةً أن المنظمات الحقوقية الدولية معادية لها، وتعمل لتنفيذ أجندة خارجية ومؤامرة عالمية سرية!
انتهاكات حقوق الإنسان ومظاهر التمييز الفاقعة رصدها بسيوني في تقريره الشهير، كما كانت سبباً في إصدار 167 توصية من مجلس حقوق الإنسان في جنيف قبل عامين، في واقعة غير مسبوقة دولياً.
دلائل التمييز والانتهاكات كما قلنا وفيرة كالفطر، وكثيرٌ منها وثّقه الناشطون خلال العامين الماضيين، وهو ما واجهته السلطة بملاحقة المصوّرين والمدوّنين، وتقديم الكثيرين منهم للمحكمة، وبعضهم قتل في ظروف غامضة. وكان أن انتشرت مقاطع فيديو تسجل الكثير من الحوادث والتجاوزات، وأشهرها حوادث الاعتداء على محلات جواد وتكسيرها وسرقة محتوياتها، دون أن يُلاحق أحدٌ من مرتكبيها رغم وجود أفلام فيديو تظهر وجوه الجناة.
آخر هذه الفيديوهات انتشر الاثنين الماضي، وأظهر أحد رجال الأمن وهو يعتدي بالضرب والتعذيب على مواطن بحريني مغطّى الوجه، في سيارةٍ لوزارة الداخلية بمعية عدد من رفاقه، ويتلفظ ببذاءات يعفّ عنها أي رجل شهم صاحب مروءة.
الفيديو الأخير هو الأسوأ على الإطلاق… حيث سيبقى وصمة عار على فاعليه والساكتين عنهم والمدافعين عن جريمتهم، حتى تقوم «الداخلية» بتطبيق القانون على الجناة، دون لجلجة أو محاباة أو تمييز.