مريم الشروقي
فوق… فوق في العلالي، فوق الراس، فوق النخل، فوق الناس، وما تهمّنا من هذه الكلمات جملة «فوق الناس»، وأيضاً هناك تحت النعال، وتحت المداس، وتحت النّاس… وبالطّبع هناك من يظن بأن فئة حالياً تحت الناس، أي أقل منهم شأناً!
فوق وتحت، ومن ثمّ يتبعه تحت وفوق، فالدّنيا ليست سرمدية واقفة، بل هي في حركة دائمة، ومن يظن نفسه بأنّه فوق الناس، لابد أن يأتي يوم ويصبح تحت الناس، فلو دامت لغيرك لما وصلت إليك!
فئة المتمصلحين من الوطن هم «فوق» حالياً، وسيأتي عليهم ذلك اليوم الذي يصبحون فيه مجرّد بشر عاديين، لا متمصلحين ولا يحزنون، بل سيترنّحون من قضيّة التمصلح التي استشرت رائحتها الكريهة، كرائحة عفن خليج توبلي!
أثارتنا رسالة قدّمها أحد القرّاء بالأمس ليعلم معنى كلمة (متمصلحون)، ونجيبه بأنّ المتمصلح، هو ذلك الخائن الذي يخون وطنه بترويج التهم وثقافة السب والكراهية، حتى يُدخل في جيبه بضع «ملاليم» لن تدوم له، من أجل أن يكون «فوق»، وينسى المتمصلح دوماً بأنّه «تحت» في أعين الناس وأعين من حوله، ومن زوّده «بالخَردة» طبعاً، لأنه ليس حرًّا أبيًّا يقول كلمة حق في ليلة سوداء حالكة السواد، بل يقول ما يؤجّج الضغينة، وما يزيد الفجوة، لأنّه يقتات على الفوضى، ويحسبها جيّداً، فيرى أي الفريقين سيفوز، وبالتالي يتمصلح ويتمصلح… إلخ.
يقول سيّد كُشك رحمه الله تعالى: كم رجل وُضعت له علامات فلمّا علا مات.
إذاً نحن نعلم بأنّ ما أنت عليه من كلمة «فوق» سيكون نصيبها «تحت»، إذا خُنتَ الأمانة، أمانة الوطن وأهل الوطن، أمانة الكلمة الحرّة البعيدة عن المزايدة والتمصلح والمغالاة من أجل مآرب أخرى، فالوطن ليس فيه مزايدة، بل على الجميع العمل اليوم من أجل إخماد الفتنة والتأجيج، والسعي وراء الحوار الحقيقي الشفّاف بيننا، فلقد تشقّقت الجدران، ولا نعلم متى نصلحها.
جميعنا تحت حالياً، وجميعنا يعاني الأمرّين من الأزمة الموجودة في بحريننا، وجميعنا نريد وطننا الأم، بلا رجوع إلى الجذور ولا إلى مَن لمن، بل السؤال هو من هم لِمَن؟ ونعلم بأنّ «هم» – أي أبناء الوطن – من سيظل حاضراً حتى يكون الجميع فوق لا تحت.
لنفكّر في هاتين الكلمتين، ولنتّخذ لنا فكراً جديداً، فكراً نيّراً، فكراً يوحّدنا ولا يبعّدنا عن بعضنا البعض، حتى نُصبح فوق وفوق، ونحن سنظل فوق بالشرف والأمانة والكلمة الصادقة التي تخرج من الروح لتصل إلى الأرواح. فأيّ نصيب نريد «فوق أم تحت»؟!