هاني الفردان
ماذا بعد تصريح المتحدثة باسم الحكومة الوزيرة سميرة رجب إلى صحيفة «الشرق الأوسط» بأن «أي مشروع حوار جديد سيكون استكمالاً لحوار التوافق الوطني الذي جرى في يوليو (تموز) من العام 2011»؟
فهل يفهم من ذلك التصريح هو إسدال الستار على الحوار الذي أعلنه سمو ولي العهد في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2012، في منتدى حوار المنامة عندما قال: «إن الحوار هو الحل الأمثل».
لقد نشرت وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية والأجنبية خبر دعوة ولي العهد إلى الحوار، وترحيب المعارضة من دون شرط، ولم تصدر أية جهة رسمية منذ السابع من ديسمبر، وعلى مدى أسبوع كامل أي تصحيح، أو نفي لدعوة الحوار، بل على العكس شهدنا ترحيباً عالميّاً بهذا المشروع، وقبولاً سريعاً من المعارضة.
إلا أن هذه الدعوة التي لقيت الترحيب العالمي؛ لقيت رفضاً سريعاً بالمقابل في الداخل من قبل جمعيات «معارضة المعارضة»! كما شُنّ هجوم على الدعوة ومن دعا إليها داخل مجلس الشورى وبشكل صريح وواضح، وهو الأول من نوعه، حتى وإن شُطب الكلام من مضبطة الجلسة، فيما وصف عضو آخر بمجلس الشورى حوار التوافق الوطني بـ «الأعور»!
المشهد السريع لضرب مشروع الحوار لم يتأخر عن مجلس النواب، الذي واكب الحدث سريعاً، فبعد يوم من أحداث مجلس الشورى، هاجم نوابٌ الدعوة إلى الحوار مع المعارضة، وهو ما دعا وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف إلى تأكيد أن أي مشروع حوار لن يقصي أي طرف.
وفي ظل انتظار المعارضة إعلان الحوار الذي دعا إليه سمو ولي العهد ورحبت به المعارضة؛ صدر بيان على لسان «مصدر مسئول»، أكد أن «ما جاء في كلمة ولي العهد نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، في حفل افتتاح حوار المنامة 2012، أن أي حوار مستقبلي سيكون بين ممثلي مكونات المجتمع البحريني كافة»…
نبرة الحديث تغيّرت، إذ أصبح الحديث عن «أي مشروع حوار مستقبلي»، وهو ما ينفي جملة وتفصيلاً وجود دعوةٍ للحوار من الأساس، ويخالف كلّ ما نشرته وكالات الأنباء العالمية، والصحف الأجنبية والعربية التي نشرت بالنص «جدّد ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، دعوته للمعارضة إلى الحوار للخروج من الأزمة وطلب منها إدانة العنف، لافتاً إلى أن الحوار هو الحل الأمثل لحل أي خلافات، مشدّداً على السعي للبدء بحوار يضم مختلف الأطراف في البحرين، وداعياً أيضاً الحكومات الغربية إلى اتخاذ دورها المتوازن مع جميع الأطراف، وعلى الفور رحّبت المعارضة».
الأكثر من ذلك، اتهمت السلطة المعارضة بـ «الإساءة لدعوة الحوار، واستغلتها بشكل مغرض، وتسويقها إعلاميّاً بشكل مغلوط»، وهو الأمر الذي يثير استغراب الجميع، فكيف صمتت السلطة أسبوعاً كاملاً عن «الاستغلال السيئ لحديث ولي العهد، وتسويقه بشكل مغلوط»، ليس فقط من قبل المعارضة، بل من قبل جميع وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية والأجنبية، وحتى الحكومات الغربية التي عبّرت عن ترحيبها ودعمها لدعوة الحوار.
هذا الاستغراب يؤكّد ما ذهبنا إليه من قبل، عندما قلنا إنه من الصعب جدّاً أن تقر السلطة في «حوار المنامة» بعدم رغبتها في الحوار مع المعارضة، ومن الصعب أن تخرج السلطة للرأي العام العالمي الضاغط كل يوم في اتجاه «حوار ذي مغزى»، لتعلن بشكل واضح وصريح عدم رغبتها في أي حوار. وبالصعوبة ذاتها أيضاً أن تقبل به وهي التي خرجت من حوار أسمته بـ «التوافق الوطني» وعلى إثر نتائجه أحدثت تعديلات دستورية، وإن اعتبرتها المعارضة سطحية.
من الصعب عليها أن تدخل في حوارٍ جديد، وهي التي هللت وصفقت لنجاح حوارها الوطني وصرفت عليه الملايين من بوفيهات وحفلات، والأصعب أن تتحمل الضغط الدولي المطالِب بحوارٍ آخر ذي مغزى حقيقي، يفضي لنتائج ديمقراطية حقيقية.
من الصعب على السلطة أن تقول لتيار «معارضة المعارضة» إنها تسعى إلى حوارٍ جديدٍ مع المعارضة، وهي من أقنعتهم بنجاح حوارهم السابق، وأن العمل جارٍ على تنفيذ توصياته!
لم يكن أمامها إلا التراجع بشكل يسدل الستار على مشروع آخر للحوار، مع إضافة عبارة «فهمتون غلط»!