د . عبدالعزيز المقالح
يبدو أنه أصبح من الصعب على الكاتب – أي كاتب – أن يقول شيئاً جديداً حول ما يحدث في البقية الباقية من فلسطين (غزة والضفة) في مناخ عربي وإسلامي يجعل الكاتب – أي كاتب – يعجز عن إيجاد الكلمات المعبرة عن الأسى والخجل والشعور بالمرارة هذا الذي يتزايد يوماً بعد يوم . .
مجازر وخراب ودمار في سوريا لم تتوقف للعام الرابع، واقتتال وتفتت في العراق، وتشويه لمعالم ذلك البلد العربي الأصيل وتدمير لمقوماته التاريخية والمستقبلية، وتوتر وترقب في لبنان المنقسم على نفسه طائفياً ومواقف، وغبار في ليبيا يخفي الاحتراب الدائر والفوضى الماسكة برقاب الجميع . ومحاولة في مصر العربية الدولة الكبرى لترميم ما أفسدته الخلافات العميقة في كيان هذا البلد الذي ظل واحداً وموحداً منذ سبعة آلاف عام . وفي يمننا السعيد الذي افتقد الحكمة ودخل لعبة الفوضى الدموية باختيار غير حكيم ولا عاقل لبعض الأطراف المتصارعة من أبنائه . أما في بقية الأقطار العربية التي تمارس نوعاً من الانضباط المؤقت فإن الترقب والمخاوف من رياح الفوضى تجعلها في حالة مماثلة لما يحدث في الأقطار المأزومة .
ما يعنيني قوله هنا وبعد هذه التوطئة الضرورية هو القول إن العدو الصهيوني لم يجد ولن يجد وقتاً أفضل من هذا للإغارة على ما تبقى من فلسطين، ولن يتراجع عن صلفه وعدوانه المستمر قيد أنملة . وها هو ذا نتنياهو الحاكم والمعبر عن زهو اللحظة الراهنة يستخدم من الألفاظ ومن التهديدات الصارمة ما كان يستحيل أن يقول بعضه في أوقات سابقة كانت أقطار الأمة العربية تحتفظ فيها بقدر من التماسك النسبي .
لقد خلا المنبر لهذا الجلاد الصهيوني ليحرق البشر أحياء وليقول ما يشاء ويفعل وهو في مأمن تام من أي موقف عربي أو موقف دولي، وهو لا يخفي القول إن زمن الرضوخ المؤقت للقرارات الدولية والتدخلات الدبلوماسية بما فيها الأمريكية قد فات أوانها، وصار الواقع الراهن مسرحاً بقبضة العبث والعدم واللا جدوى . ووسط هذا الواقع المؤلم والدامي يبقى المثير للإعجاب هو صمود الإنسان الفلسطيني واستعداده لتقبل أسوأ الاحتمالات، فقد استوى لديه الإحساس بالموت والحياة ولم يعد يفرق بينهما نتيجة أنه يعيش في حالة تحدٍ مستمر للموت .
لقد كتبتُ كثيراً في هذا الشأن وكتب كتّاب آخرون كثيراً وكثيراً، نقول إن إصلاح الأوضاع العربية وإزالة الخلافات والالتزام باستراتيجية عربية جادة تجاه القضية الأولى والكبرى للأمة العربية وللعالم الإسلامي ولأنصار الإنسانية في كل أنحاء العالم . هي التي ستتمكن من وضع حد للمأساة الفلسطينية والدم الفلسطيني النازف تحت وطأة التحديات التي لا حدود لها، وأن الحل هو هنا وفي موقف عربي شامل، وهذا الموقف يبدو لنا شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً نظراً للأوضاع التي تجتاح الدول العربية المحيطة بفلسطين والقريبة منها، وقد بدأ بعض المحللين السياسيين يرون في أحدث الثورات العربية المسروقة والمعاقة خيطاً شديد الوضوح للمشروع الصهيو-أمريكي الهادف إلى تمزيق وحدة القوى التي شاركت في الثورات إلى محاربة كل محاولة صادقة لإقامة جسور بين القوى السياسية والدفع باتجاه تشجيع الانفراد في الاستيلاء على السلطة وإقصاء الآخرين لتستمر الخلافات وتتطور إلى احتراب دائم .
إن قلوبنا معهم، قلوب المواطنين العرب في كل الأقطار العربية معهم، فهم مع أولئك الذين يقاتلون العدو وهم صيام ويتلقون الموت بصدور مفتوحة، دفاعاً عن وطن لا بديل عنه، وعن مستقبل لن يكون إلا في هذا الوطن وعلى ترابه الطهور، وبالرغم من أن العواطف وحدها لا تكفي ولا ترد قذائف العدو وما في ترسانته من أسلحة متطورة إلاّ أنها كفيلة بأن نشد أزرهم ونشعرهم أنهم ليسوا وحدهم في معركة النضال الحقيقي، وأن ما يقومون به من تحد وما يظهرونه من صمود يزرع الخجل في وجدان المتحاربين مع أنفسهم في أقطارنا العربية، إن كانوا لا يزالون يحتفظون بقدر من مشاعر الخجل وبشيء من الوجدان بعد أن تركوا ساحة الحرب الحقيقية والضرورية إلى ساحات حروب طائفية تثير التقزز وتبعث على السخرية والاحتقار .
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.