فلسطين الحق والحقيقة
الدكتورة أنيسة فخرو
ندين القصف الهمجي على شعبنا الفلسطيني في غزة، ونحن نستقبل الشهر الفضيل والعيد بالفرح والابتهاج، وشعبنا في غزة يستقبله بالقنابل والنار والموت والرصاص، وكنا نتوقع أن يهبّ الشعب العربي من مصر إلى تطوان، استنكارا لجريمة الصهيوني نتنياهو، وتضامنا مع أطفالنا وشعبنا المحاصر، يؤلمنا جدا الشعور بالعجز ونسأل: هل الفلسطينيون هم أصحاب الحق اللذين لهم وحدهم الحق المطلق في تقرير مصيرهم ومصير كل شبر من فلسطين؟
حتما لن تمر أية صفقة بدون موافقة الشعب الفلسطيني وقيادته، ولو تجمعت كل أباليس الأرض ضدهم، لكن فلسطين عربية، وليس الفلسطينيين وحدهم من يقرر مصيرهم، لماذا؟
أولا: لأنهم ليسوا من قرر الاحتلال وسرقة الأرض عام 1947، وليسوا من خطط منذ 1919 لخلق وطن بديل للصهاينة، وليسوا هم من باعوا أرضهم، وليسوا هم من خان واشترى السلاح الفاسد عام 1967، وليسوا هم من يقتل ويعتدي، وليسوا هم من تقاعس للدفاع عن الأرض، بل الشعب الفلسطيني بذل الغالي والنفيس من أجل استرجاع الحق، وضحى بخيرة الشباب ولا يزال، شلالات من الدماء سالت وتسيل، ملايين الشهداء والمعتقلين والأسرى والجرحى في صفوف مختلف التنظيمات والفصائل الوطنية الفلسطينية التي تقاوم المحتل.
ثانيا: إن الصهاينة لم يسلبوا الأرض العربية ويحتلوا أكثر من 80% منها وحدهم، فهم يحصلون على الدعم والمساعدات المادية والعسكرية والإعلامية والأمنية، من مختلف الدول العظمى والصغرى، مليارات الدولارات تُدفع لهم سنويا، من أجل تعزيز القمع والاحتلال، لذا فمن المنطقي أن يحتاج إرجاع الحق إلى أهله وقفة الكثير من الدول والأنظمة العربية والأجنبية بجانب الحق، وعندما يقف العربي مع حقه أمر طبيعي، أما عندما يقف ضد نفسه فهو الأمر المستهجن والغريب.
ثالثا: المستهدف من قبل الصهاينة ليس فلسطين وحدها بل معظم الأرض العربية، ومشروعهم الصهيوني لم يحدد حدود واضحة حتى الآن لدولتهم المزعومة، وهم يتراكضون إلى أية بقعة عربية فيها أثر لهم، لكي يبدوا منها رسم أكذوبة جديدة بأحقيتهم فيها. لذلك الشعب الفلسطيني في نضاله البطولي الإعجازي عن أرضه، يدافع عن كل أرض عربية مستهدفة مستقبلا من قبل الصهاينة، ولا يمكن أن يخفى على أحد أن دولتهم المزعومة تتكون من: كل فلسطين ولبنان والأردن، ونصف كل من سيناء وسوريا، وثلثي كل من العراق والسعودية.
رابعا: الصراع ليس صراع وجود فحسب، بل صراع أخلاق وضمير وحق وعدل مقابل ظلم وبهتان وكذب وادعاء، ليس صراع أُحادي بين الفلسطينيين والصهاينة، بل صراع بين دول وأنظمة، صراع بين الخير والشر في العالم أجمع، صراع بين الظلم والعدل، بين النور والنار، بين الحقيقة والأكذوبة، صراع لا جنس ولا جنسية ولا عرق ولا دين له، بين كل فرد في العالم يقف مع الحق والنور والفضيلة، ضد كل فرد يقف مع الظلم والظلام والرذيلة، وهذا ليس تعبير انشائي بل حق وحقيقة. لذلك نرى أفرادا من مختلف الجنسيات ومختلف الأديان حتى اليهود منهم أمثال نعوم تشومسكي، أو أمريكان أمثال المناضلة راشيل كوري، وستيفن هوكينغ، واينشتاين يقفون مع الحق ضد الظلم، ويدفعون ضريبة باهظة بسبب موقفهم الإنساني الشريف.
فلسطين جزء من التراب العربي، شاء من شاء وأبى من أبى، وهي تتوسط الأردن ومصر ولبنان من الجهات الأربع، تُسلب قسرا وتقتطع من عمقها العربي ليصنعوا منها كيانا غريبا عن محيطها العربي، ليس غريبا فحسب بل ومعاديا له، ثم يختلقون الأكاذيب ويزورون التاريخ، ويجيّرون أجهزة مخابراتهم والإعلام والمال والسياسة والعنف والسلاح من أجل تعزيز كذبهم وإدعاءاتهم، لكن هيهات أن يقتلعوا الجذور والأصل والحق والحقيقة.
يشردون أهلها بالقمع والقتل من قبل عصابات صهيونية صُنعت في أمريكا وبريطانيا والغرب، ليأتون بجحافل تنهب وتقتل الأطفال والشيوخ وترهب النفوس، منذ عام 1947 وهم على هذا المنوال، يتفننون في خلق الأكاذيب والخدع النفسية والمعنوية، لكي يجبروا شعبها الأصيل على مغادرة أرضه عنوة، ويغادر غالبية الشعب الفلسطيني أرضه قسرا منذ عام ٤٨، ظنا منه أنه عائد بعد أيام قصيرة، فيحملون مفاتيح بيوتهم بين ضلوعهم، ويتركون بياراتهم وأملاكهم في مهب الريح، خوفا على أرواحهم وأطفالهم من الموت المحتم.
والآن الصهاينة القتلة يريدون التطبيع وتمرير صفقة القرن، والحصول على الأرض والسلام معا بلا مقابل، ونستغرب من بعض الأنظمة العربية التي تفرّط في الحق العربي وتقدّم التنازلات تلو التنازلات، نستغرب هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع بدون موافقة الشعب الفلسطيني وقيادته، نستغرب التفريط بكل سهولة بترابنا العربي وبمقدساتنا الإسلامية والمسيحية بلا مقابل، وحتى لو كان المقابل الكراسي والعروش، فإنها تبقى مرهونة بقرار وكلمة ممن يفرض ما يريده بالقوة، وهذه العروش يمكن أن تطير بنفخة من نيرانه في لحظة، فمن يستقوي بالغريب مصيره الزوال، في حين من يستقوي بشعبه من الصعب أن يزول.