عقيل ميرزا
على رغم مضي أكثر من 570 يوماً على إصدار تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي اشتمل على 500 صفحة، إلا أننا مازلنا نراوح مكاننا في كثير من التجاوزات التي ضبطها التقرير، ولو أننا وزعنا هذه الصفحات الـ500 على عمر التقرير، وجعلنا نصيب كل يوم صفحة واحدة لانتهينا من تنفيذ توصيات كل التقرير قبل 70 يوماً من الآن.
أتمنى ألا تكون الاستراتيجية في التعامل مع التقرير على نسق استراتيجية أحد النواب، الذي استخدم ميكروفوناً على نفقة الدولة، في مجلس النواب ليعلن فيه بلسان عربي فصيح: «فلتذهب توصيات بسيوني إلى الجحيم»، وإلا ما معنى أن نشهد بين اليوم والآخر، تجاوزات تشبه تلك التي دوّنها بسيوني في تقريره المكتظ بالتجاوزات؟!
مقطع الفيديو الأخير الذي ظهر فيه تحقيق مفترض مع شاب يظهر نصفه الأعلى من دون ملابس، والله أعلم بالنصف الآخر، هو مشهد يعيد إلى الأذهان سلسلة طويلة من تجاوزات مريرة دونها بسيوني، والمأسوف عليه أن هذه التجاوزات مازالت تتكرر بين الحين والآخر.
وزارة الداخلية أعلنت يوم الثلثاء الماضي على صفحة «تويتر» عن تحقيق في الحادثة وقالت بأنها «اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة بشأن الواقعة وأوقفت المتهمين عن العمل وأحالتهم للتحقيق»، ولكن من يشاهدون هذه التجاوزات يسمعون عن تحقيق في ملابساتها ولا يشاهدون نتائج للتحقيق فيها، وهو أمر يبعث على القلق، فبصقة بني جمرة، والطابوقة التي رماها رجل أمن على نافذة منزل في سترة، وحادثة الشاخورة، وغير ذلك، كلها حوادث شاهدها الناس، وسمعوا عن التحقيق فيها ولكنهم لم يشاهدوا نتائج لتلك التحقيقات.
أخشى أن تكون نتائج التحقيق في هذه التجاوزات الجديدة شأنها شأن التجاوزات القديمة التي رصدها بسيوني والتي قال عنها في كلمته التي ألقاها بمناسبة انتهاء عمله «وكان من بين الأساليب الأكثر شيوعاً لإساءة معاملة الموقوفين تعصيب العينين، تكبيل اليدين، الإجبار على الوقوف لفترات طويلة، الضرب المبرح، اللكم، الضرب بخراطيم مطاطة وأسلاك كهربائية على القدم و«الفلقة»، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية».
ولكن من الذي استخدم الصعق بالكهرباء؟! ومن الذي ضرب بالخراطيم المطاطة «الهوز»؟! ومن الذي استخدم «الفلقة»؟! ومن الذي هدد بالاغتصاب؟! الفاعل في كل تلك التجاوزات التي أكدها بسيوني: ضمير مستتر تقديره هو!!
إذاً نحن أمام تجاوزاتٍ لا نعلم عن طريقة تأديب المتجاوزين فيها، وهو الأمر ذاته الذي نعاني منه فيما يتعلق بتقرير بسيوني المكتظ بالتجاوزات التي وصلت إلى التعذيب حتى الموت، إلا أننا لم نحسم موضوع مساءلة المسئولين عن كل تلك التجاوزات التي أوصى بسيوني بمحاسبة ومساءلة المسئولين عنها.
وبعد ذلك كله، هل نحن فعلاً كما قال سعادة النائب نريد لتوصيات بسيوني أن تذهب للجحيم؟! وإذا أردنا ذلك فعلاً، وقبل أن نرمي بها إلى الجحيم، هل لدينا طريقة أخرى غيرها، لنخرج البلاد والعباد من جحيم يحرق الأخضر واليابس، في هذا الوطن، ونحن نتفرج غير آبهين ولا معنيين؟!
تنفيذ توصيات بسيوني حركة تصحيحية لأوضاع خاطئة، ومن يرغب برميها في الجحيم فهو لا يريد للتصحيح أن يتنفس، لذلك نحن نحتاج إلى منطق آخر في معالجة قضايانا العالقة، لأن المنطق الجحيمي لا يعرف أحداً بما في ذلك المتمنطقون به، وإذا كنا غير قادرين على تصحيح الأقوال، فكيف يمكن لنا أن نصحح الأفعال؟!