فكرة الانتقال من «التعاون» إلى «الاتحاد»
منصور الجمري
قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة تدعو إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، لتشكل دول المجلس كياناً واحداً، يحقق الخير ويدفع الشر، استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس ومواجهة التحديات التي تواجهها، وتبنّى قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمة الرياض، التي اختتمت أعمالها أمس الثلثاء (20 ديسمبر/ كانون الأول 2011) المبادرة، بحسب ما جاء في «إعلان الرياض» الذي تلاه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني في الجلسة الختامية. البيان أكد ضرورة «تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل»، بما يحقق «المزيد من المشاركة لجميع المواطنين والمواطنات، ويفتح آفاق المستقبل الرحب مع الحفاظ على الأمن والاستقرار وتماسك النسيج الوطني والرفاه الاجتماعي»، إضافة إلى التأكيد «على تحسين الجبهة الداخلية وترسيخ الوحدة الوطنية استناداً إلى المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمام القانون وفي الحقوق والواجبات والتصدي للمحاولات الخارجية من جهات مأزومة، تحاول تصدير أزماتها الداخلية عبر إثارة الفتنة والانقسام والتحريض الطائفي والمذهبي».
التصريحات الواردة في «بيان الرياض» حسنة، ونحن مع تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى «الاتحاد الخليجي» على نمط «الاتحاد الأوروبي» European Union الذي أثبت نجاحه في مجالات عديدة ويواجه تحدياً في مجالات أخرى. كما نود أن نؤسس على التجارب الناجحة… فالاتحاد الأوروبي بدأ في مطلع الخمسينيات كاتفاق بين صناعات الفحم والصلب (بصفتها صناعات رئيسية كان يعتمد عليها الاقتصاد بشكل أساسي)، وتحول هذا الاتفاق إلى «السوق الأوروبية المشتركة» EEC في 1957 عبر إزالة المعوقات الجمركية لحركة البضائع والأموال والمواطنين. كانت القرارات آنذاك تتخذ بـ «الإجماع»، وتركز على «سوق مشتركة» واحترام «إرادة المجتمع». تطور الأمر في 1986 عندما قررت الدول الأوروبية الانتقال من حالة السوق «المشتركة» إلى حالة السوق «الموحدة»، وعلى هذا الأساس تغير التصويت على القرارات من «الإجماع» إلى التصويت من خلال تحديد عدد من الأصوات لكل بلد بحسب عدد سكانه (بصورة تقريبية)، وتحول اسم السوق الأوروبية المشتركة إلى «المجموعة الأوروبية» European Community.
لاحظ الأوروبيون أن ما حققوه خلال خمس سنوات بعد 1986 أكثر مما حققوه خلال 30 سنة قبل ذلك؛ ما شجعهم على طرح فكرة تحويل «المجموعة الأوروبية» EC إلى «الاتحاد الأوروبي» EU في 1993، والاتحاد تضمن توحيد السوق (قوانين أوروبية واحدة للخدمات والمنتجات والإجراءات والمعاملات)، والاتفاق على حقوق الإنسان بصورة أساسية وجوهرية، وتنسيق جهود شرطة وأمن الحدود ونظام التأشيرات والضمان الاجتماعي، وعدد آخر من الملفات التي تطورت إلى عملة «اليورو» بين عدد من دولها، وإلى توحيد جزء من السياسة الخارجية. وكل ذلك تحت محاسبة «البرلمان الأوروبي المنتخب، والالتزام بقرارات المحكمة الأوروبية»، الخ. أما الشأن العسكري فلم يدخل فيه الاتحاد الأوروبي لوجود حلف «الناتو» الذي يضم دولاً غير أوروبية أيضاً.
نأمل أن نرى يوماً مشرقاً للخليج العربي بحيث يتحول فيه مجلس التعاون الخليجي من منظومته الحالية إلى «الاتحاد الخليجي» المماثل في فكرته للاتحاد الأوروبي، وتكون لدينا سوق «موحدة»، ورجوع إلى إرادة المجتمع، ويكون لدينا برلمان خليجي منتخب يحاسب المسئولين فيما يتعلق بالقضايا الخليجية المشتركة، ومحكمة خليجية مستقلة، ونتمكن بعدها من إطلاق صفة «المواطن الخليجي» المتساوي في الحقوق والواجبات
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3392 – الأربعاء 21 ديسمبر 2011م الموافق 26 محرم 1433هـ