سوسن دهنيم
لابد أن تأخذ نفَساً عميقاً حين تريد الدخول إلى إحدى قرى البحرين التي لم يعتد أصحاب «البشوت» على دخولها كما هو حال صاحبات «الكعب العالي». وما إن تطأ قدماك أرض بعض الأحياء السكنية حتى تشم رائحة الفقر من بعيد.
كل الدلائل توحي بها، ابتداءً من البيوت المتهالكة التي تتأهب للسقوط على ساكنيها، مروراً بالأمنيات التي تتعالى منها بحثاً عن أملٍ جديدٍ بوظيفةٍ تقي أفراد بيت ما انتظار معجزة تنتشلهم مما يعانون، مروراً بسجلات الصندوق الخيري الذي يزخر بأسماء تنتظر دورها لصرف المعونة، وصولاً إلى الهيئة العامة لأبنائها.
ما ذُكر أعلاه ليس مقدمة لقصة من قصص الأدب، وإنما واقعٌ تعيشه آلاف الأسر البحرينية، ولو بدا غريباً على من لم يذق طعمه، ولم يعرف كيف يعيش بعض أبناء بلاده التي تصرف الملايين على بناء مبانٍ فخمة في الداخل والخارج يسكنها من لم يعرف معنى دمعة طفل محروم، وعشرات الآلاف على تسوير أراضٍ تكاد لا تعرف نهايتها لكبر حجمها وامتدادها.
«صديقتي لم تغيِّر حقيبتها لثلاث سنوات متتالية، ومريولها صار لركبتها مع أنها متحجبة، لأن أباها متوفى وأمها ما تشتغل»، عبارة قالتها طفلة لم تبلغ العاشرة بعدُ، والدمعة تترقرق في عينيها ألماً لصديقتها التي تقتسم معها وجبة الإفطار كل صباح في المدرسة؛ لأن أهلها لا يستطيعون توفير أكثر من مئة فلس لها ولبقية إخوانها. وهي وإخوانها بالطبع ليسوا الوحيدين الذين يعانون كل هذا الحرمان، فكثيرٌ من الأسر البحرينية تتعفف عن الطلب أو حتى عن تسجيل أسمائها في الصناديق الخيرية القريبة، ظنّاً منها أن هنالك من هو أحوج منها تارةً، وليقينها بأنَّ الله لن يخذلها تارةً أخرى، ولمعرفتها بالوضع الاقتصادي للصناديق الخيرية التي تحتاج إلى آلاف الدنانير لتوفير احتياجات الأسر المسجلة لديها.
لا يمكننا بالطبع إلقاء اللوم على الوجهاء ولا على المؤسسات الأهلية؛ إذ إن حل هذه المشكلة يجب أن يكون حكوميّاً بالدرجة الأولى، ومن ثم تشرك مؤسسات المجتمع الأهلي والأفراد الذين يودون المساعدة، وخصوصاً إذا ما اعتبرنا أن جهود الحكومة في هذا الجانب لا تعدو كونها جهوداً ترقيعيةً لن تحل المشكلة من جذورها، وبالذات إذا ما استمرت مشكلة البطالة من جهة، ولم يغلق ملف المسرحين من أعمالهم في ضوء الأحداث الأخيرة التي مرت بها البلاد من جهة أخرى، واستمر الدعم المادي على ما هو عليه.
كنا نأمل أن تقوم وزارات «التنمية الاجتماعية» و«حقوق الإنسان» و«العمل» بمطالعتنا بإحصاءات حقيقية عن الفقر والبطالة في البحرين في اليوم العالمي لمكافحة الفقر، والذي صادف يوم أمس (17 أكتوبر/ تشرين الأول)، وتعريفنا بالخطط الموضوعة للقضاء على هذه المشكلة، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، لأن الموضوع لم يعد ضمن أولويات هذه الوزارات التي تعتبر تلميع صورها الحدث الأهم، وخصوصاً بعد أحداث 14 فبراير/ شباط.
ومضة: «إن الفقر سهلٌ شجبه، صعبٌ مكافحته، وما يحتاج إليه الذين يقاسون ويلات الجوع والعوز والمهانة هو أكثر من مجرد كلمات متعاطفة. إنهم يحتاجون إلى دعمٍ ملموس».
بان كي مون