هاني الفردان
أن نصل في مرحلة من مراحل ما يسمى بـ «حوار التوافق الوطني» وينطلق ممن هم يفترض فيهم تمثيل مكونات الشعب على ما تسمى بطاولة الحوار إلى مرحلة الاستخفاف بالشعب، والاستهزاء به، فإن عند هذا الأمر يجب من الجميع الوقوف، سواء كانت سلطة ومواليها أو معارضة.
عندما تحدث عضو رئيس في تجمُّع جمعيات الفاتح على طاولة الحوار في جلسته الرابعة عشرة وتحدث عن أن «الشعب غير راشد» فإن ذلك يحتاج إلى وقفة طويلة مع حقيقة تمثيل هؤلاء لمكون من مكونات الشعب، وهو ما يؤكد لنا من قبل وما ذهبنا إليه من أن هؤلاء وبلسانهم ما هم إلا «ريموت كنترول» يدارون بما لا يعلمون.
من قال إن الشعب غير راشد على طاولة الحوار هو شخص معروف على الطاولة وهو ممثل جمعية الأصالة، وذلك عندما كان النقاش على الطاولة بخصوص الاستفتاء الشعبي على مخرجات الحوار، إلا أن من نفى قول تلك الجملة هو المتحدث باسم ائتلاف جمعيات الفاتح أحمد جمعة، ومع ذلك لم يكن نفياً صريحاً وواضحاً بل قال «إنه لم يسمع هذا الكلام، وهو كلام مرفوض، فالشعب له الحق في اختيار ما يراه مناسباً وهو شعب راشد»، ومع ذلك يرفض جمعة وفريقه إعطاء هذا الشعب حق الاستفتاء الشعبي والتصويت على مخرجات توصلت إليها مجموعة لم يخترهم، ولا يثق في جلهم.
إلا أن قول جمعة بأنه «لم يسمع» جاء متأخراً، وفي مرحلة الاستشعار بخطورة الكلمة التي قيلت، وتدارك أثرها السياسي الذي كان من الممكن وقوعه، خصوصاً بين صفوف قواعدهم المتذبذبة.
بعد فضيحة «الريموت كنترول»، ستكون أي فضيحة آخر قاصمة للظهر، إذ مثل هذه الزلات السياسية لن ترحم في تاريخ البحرين.
تصريحات ممثلي جمعيات الفاتح غريبة وعجيبة، بل هي في أقربها للمتعجلة وغير المدروسة ولا الموزونة، وهي مؤثرة على مستوى شارعهم، أتباعهم، أنصارهم، وقواعدهم فقط، فليس من السهل الهروب منها، أو من تبعاتها، حتى لو كانت محصورة «فوق الطاولة» ولم يسمعها سوى المتحاورين.
من هنا ندعو ممثل جمعية الأصالة عدنان بدر، لإصدار بيان واضح وصريح بشأن ما قيل عنه بأنه قال إن شعب البحرين غير راشد بشكل كافٍ، وأن يوضح لنا ما قال في ذلك الخصوص، وخصوصاً أن ممثلي المعارضة خرجوا من جلسة الحوار الماضية وتحدثوا واستنكروا ورفضوا بشدة تلك العبارة، التي قال المتحدث باسم ائتلاف جمعيات الفاتح أحمد جمعة إنه «لم يسمعها، ويرفضها» فقط، مع التشديد على أنه قال إنه «لم يسمعها» في محاولة هروب نعترف بأنها لأول مرة تكون «ذكية».
تجمع الفاتح اعترف على نفسه من قبل بأنه «يُستخدم لضرب مُكَوّن»، وأنه «ريموت كنترول» بيد الحكومة وها هو اليوم ما لم ينفِ ممثل «الأصالة» ما قيل عنه «قد يسيء للشعب» باعتباره شعب البحرين غير راشد، ولذلك نصبوا أنفسهم متحدثين عن مُكوّن من مكوّنات الشعب باعتبارهم أرشد مَن في الشعب، وأفضله، وأنسب مَن يمكن أن يحمل همومه ومطالبه، حتى ثار الجدل حول طريقة تمثيلهم على طاولة الحوار، فقد تحدثنا من قبل عن هيمنة السلطة حتى على آلية تشكيل ممثلي «جمعيات الفاتح»، بل ذهبت السلطة – بحسب قول أحد كبار مؤسسي تجمع الوحدة المحامي عبدالله هاشم – إلى «فرض أسماء بعينها»، لتكون على طاولة الحوار.
من حق المعارضة أن تستغرب ما يقال على طاولة الحوار، وبالخصوص ما هو متعلق بـ «حق الشعب» في أن يكون مصدر السلطات، ومن حقها أن تستنكر اعتراض ممثل في جمعيات الفاتح على قانونية الاستفتاء الشعبي، مبرراً موقفه «بأن الشعب لا يمتلك الرشد الكافي ليدخل في الاستفتاء».
تحدثنا من قبل عن أن تجمُّع الوحدة أوجد لضرب المكوّن الآخر سياسياً ومحاربة مطالبه، وهو أمر مسجّل في وثيقته التاريخية (التقرير السياسي للتجمّع).
كما تحدثنا أيضاً عن أن السلطة عادت من جديد لتفعيل سلاحها بشكل أكثر وضوحاً عمّا كان قبل عامين، وهو سلاح «معارضة المعارضة»، وإيجاد طرف آخر يرفض كل ما تطرحه المعارضة على طاولة الحوار، بدلاً عنها حتى لا يوقعها دولياً في حرج يمكن أن يسمى بـ «دكتاتورية»، أو «رجعية» ترفض الديمقراطية، والحكومة المنتخبة، والاستفتاء الشعبي.
لا يوجد أحد في هذا الكون يرفض الحكومة المنتخبة، التي تمكّن الشعب من تقرير مصيره وإدارة أموره، إلا إذا كان متخلفاً ويعيش على فتات «الرجعية»، ويخاف أن تحرمه الديمقراطية والحرية من فتات العبودية، ولذلك نجدهم يرفضون خيار الشعب لعلمهم أن الشعب لن يقف مع خيارهم، ولنجدهم الآن بعد أن تم حصارهم «فوق» الطاولة لضرب الشعب كله باتهامه بعدم «الرشد»، وهو بحاجة دائماً إلى أوصياء عليه كالذين اختارتهم السلطة ووضعتهم «على» أو «تحت» الطاولة.