هاني الفردان
نسمع عن دعاوى قضائية في واشنطن، وفي لندن عن فساد كبير وضخم قدر بالملايين لتمرير صفقات بالمليارات في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) وشركات أجنبية من بينها شركة «ألكوا».
تتحدث صحف أجنبية ووكالات أنباء عالمية عن واحدة من أكبر قضايا الفساد المالي في البحرين، فيما لا يتحدث أحد في البحرين عن هذه القضية، بل صمت الجميع فيما عدا صحيفة «الوسط» التي تنشر ما تنقله الصحافة الأميركية والبريطانية عن دعاوى قضائية، وبعض النواب في الفصل التشريعي الثاني.
الادعاء البريطاني، كشف مؤخراً عن تفاصيل جديدة وأرقام كبيرة اتهم فيها رجل أعمال من أصول أردنية يحمل الجنسيتين البريطانية والكندية بدفع أموال بشكل غير قانوني بلغت 40 مليون جنيه استرليني (63 مليون دولار) لمسئول كبير سابق في شركة «ألبا» وفي الحكومة والمدير التنفيذي السابق للشركة أيضاً لضمان الحصول على عقود تزيد قيمتها على ثلاثة مليارات دولار لشركات من بينها شركة ألكوا الأميركية.
الادعاء البريطاني ذكر أن بروس هول الاسترالي الجنسية الذي كان مديرا تنفيذيا لـ «ألبا» من عام 2001 إلى عام 2005 حصل على نحو ثلاثة ملايين جنيه استرليني، وأن هول اعترف بتهمة التآمر من أجل الفساد الموجهة له وأقر باشتراكه في مؤامرة إجرامية مع رئيسه البحريني ورجل الأعمال وانه سيكون أول شاهد يستدعيه الادعاء في القضية.
من الوهلة الأولى قد يعتقد البعض أن القضية مجرد اتهامات لا صحة لها ليتحرك الادعاء البحريني من جانبه، للتحقيق والكشف عن تفاصيل القضية ومحاكمة المتلاعبين بالمال العام، إلا أن رئيس ديوان الرقابة المالية حسن الجلاهمة في 30 مايو/ أيار 2010 أخلى مسئولية الديوان من قضية شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) المطروحة أمام القضاء الأميركي فيما يتعلق بدفع شركات أجنبية رشاً للحصول على تخفيضات في أسعار بيع الألمنيوم.
الجلاهمة قال في ذلك الوقت: «إن دور ديوان الرقابة المالية انتهى والفصل الآن في ساحة القضاء». والذي لم يحرك ساكناً منذ ذلك الوقت حتى الآن.
الجلاهمة أكد أن «الديوان طرح في نسخة تقريره للعام 2005 عدة ملاحظات بخصوص العقود المبرمة بين شركتي «ألبا» و«ألكوا» في قضية دفع رشا، وعلى ضوء ذلك حركت الشركة (ألبا) دعاوى قضايا في أميركا».
ويبقى السؤال، بعد حديث الجلاهمة، لماذا حركت «ألبا» القضية فقط في المحاكم الأميركية على ضوء تقرير ديوان الرقابة المالية في العام 2005، ومن ثم تحرك الادعاء البريطاني، ولم يتم تحريك القضية في القضاء البحريني حتى الآن؟!
في فبراير/ شباط 2008، رفعت شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) دعوى تعويض قضائية ضد شركة «ألكوا» أمام المحكمة الأميركية، وذلك بشأن الأضرار الناجمة عن تجاوزات تمت على مدى 17 عاما الماضية. وشملت لائحة الدعوى عددا من المسئولين السابقين البارزين بالشركة والذين يمثلون العناصر الرئيسية في هذه الانتهاكات تجاه شركة (ألبا) وحكومة البحرين وذلك فيما يتعلق بسلسلة من العقود التي ترجع إلى العام 1990.
إلا أن «ألبا» لم تحرك دعوى قضائية محلية ضد الشخصيات البحرينية الضالعة في قضية الفساد، والتي تسلمت الرشا المالية وبالملايين لتسهيل تلك الصفقات، رغم ما كشفه تقرير ديوان الرقابة المالية في العام 2005 والادعاء الأميركي والبريطاني، وهو الأمر الذي يثير الريبة والاستغراب، ويجرنا للحديث عن تستر على المسئولين الحقيقيين في البحرين المرتبطين بإحدى أكبر قضايا فساد مالي، قد تطيح برؤوس كبيرة.
منذ العام 2008، والشارع العام في البحرين، يطالب النيابة العامة بالتحرك للكشف عن الضالعين في واحدة من اكبر قضايا الفساد، ومن قبل مسئولين كبار في الدولة، منذ ذلك الوقت الشارع البحريني يترقب محاسبة سراق الملايين، بدلاً من ملاحقة من يجنون «الملاليم».
رغم كل ذلك أصبح المتهم بالرشا في البحرين، في منصب رفيع جديد ولكنه لم يبعده عن الملاحقة القانونية، كما أن صفقة التسوية التي أعلنت عنها شركة «ألبا» في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وقبول شركة «ألكوا» بدفع 85 مليون دولار نقداً إلى شركة ألمنيوم البحرين لتسوية قضية الابتزاز والاحتيال التي رفعتها، بالإضافة إلى اتفاق طويل الأجل لتزويد شركة ألبا بالألومينا ليصل مجموع التعويضات إلى 447 مليون دولار أميركي، لا يمكن أن تعفي المسئولين البحرينيين من المحاكمة بتهمة الفساد.
بات واضحاً أن السلطة في البحرين لجأت إلى التسوية، في المحاكم الأميركية، لغلق ملف واحدة من أكبر الفضائح المالية في البحرين، ولقطع الطريق نحو المطالب بمحاسبة ومحاكمة المفسدين وسراق المال العام.
التسوية التي توصلت لها شركة «ألبا» البحرينية، مع شركة «ألكوا» الأميركية، لا تسقط أبداً الحق العام في ملاحقة المرتشين، واسترجاع الملايين.
في أكتوبر 2010 أعلن رئيس مجلس إدارة شركة ألبا، محمود الكوهجي، خلال مؤتمر صحافي أن «الشركة ستستمر في مقاضاة المتهمين الآخرين في المحاكم الأميركية والبريطانية والبحرينية لاستعادة حقوقها»، وحتى الآن لم نسمع عن أي قضية تدار في المحاكم البحرينية ضد من تسلم رشوة مالية قدرها 63 مليون دولار أميركي.
يبدو أن «سياسة الإفلات من العقاب» تخطت حدود القضايا السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان، وأصبحت شاملة لكل المجالات، فمنذ أن خلقنا لم نسمع عن محاكمات «الهوامير» وسراق الملايين، كما يبدو أن مجلس النواب ملتزم بسياسة «وإذا بليتم فاستتروا» أو بالأحرى فـ «تستروا».