اقترح البدء من «الصفر» ووضع استراتيجية جديدة للتحاور بين دول الخليج وإيران
المفكر علي فخرو: الاعتقاد بالانتصار على إيران وإسقاط مشروعها النووي «هبل سياسي»
خلُص لقاءٌ استضافت فيه جمعية التجمع القومي الديمقراطي المفكر البحريني علي محمد فخرو إلى الدعوة الموجهة لدول مجلس التعاون الخليجي بالبدء من (الصفر) وفق استراتيجية جديدة مبنية على (التحاور) مع إيران رغم وجود المشكلات بين الطرفين.
نظرة على الواقع
وفي اللقاء الذي أداره نائب الأمين العام للتجمع القومي الديمقراطي محمود القصاب ونظمته الأمانة العامة للتجمع مع المفكر البحريني علي فخرو تحت عنوان: «الاتفاق الإيراني الدولي وانعكاسه على الدول العربية» مساء أمس الأول الإثنين (9 ديسمبر/ كانون الأول 2013)، بدأ فخرو أولًا بإلقاء نظرة على الواقع الحالي الذي وصفه عبر بوابة العلاقة العربية الإيرانية المترابطة مع بعضها البعض بأنها علاقة (معلقة) ضارباً المثل بوجود قضية الجزر الإماراتية والتدخل في شئون الدول الخليجية والدخول الكامل من قبل إيران في الصراع الطائفي في العراق، بالإضافة إلى التواجد الإيراني في الساحات السورية واللبنانية واليمنية.
جهتان مسئولتان عن التأجيج
وقدم فخرو تفصيلًا متعمقاً وواقعياً وجريئاً في تحليله للوضع مؤكداً على أن كل تلك القضايا موجودة ومضافٌ إليها الموضوع الطائفي لجعل إيران (الشيعية) عدوة للإسلام! وبالتالي، يُقلب الاختلاف مع إيران – ليس فقط في القضايا السياسية – وإنما يحولها إلى قضية دينية بحتة، لكنه استدرك ليقول: «هنا سأتوقف لأقول إن هناك جهات في الجهتين مسئولتان عن النقطة الأولى والثانية (الخلاف السياسي والديني)، ونحن لا نستطيع – إن أردنا معالجة الموضوع – إلا أن نقول بأن هناك جهة تؤجج سواء في إيران أو في الأرض العربية».
نوع من «الهبل السياسي»!
وبشكل صريح، لفت فخرو إلى أن هناك اقحاماً على مستوى الفهم السياسي من ناحية أن دول الخليج التي أقحمتنا في العلاقات الغربية الإيرانية وكأن القضية قضيتنا! فحين يغضب الغرب على إيران لأسباب تتعلق بالوجود الصهيوني في فلسطين، إذا بنا ندخل المعركة! وتكون هناك مشكلة بين الغرب وإيران في القضايا النووية، فنكون نحن من نتكلم أكثر مما يتكلمون في الغرب عن هذا الموضوع، معرجاً نحو الموضوع النووي في الوقت الحاضر واصفاً إياه بأنها أصبح (واضح المعالم تماماً)، وهو أن إيران تريد أن يعترف العالم بها كقوة نووية، وسواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، فالحقيقة تقول إن المجتمع الدولي اعترف لإيران بأن تكون قوة نووية، أما قضية تخصيب اليورانيوم على ألا يزيد عن 5 في المئة فكلها قضايا في اعتقادي وفي اعتقاد الكثيرين هي قضية غير مهمة، ذلك أن القضية الأساسية في الموضوع هي أن إيران تمتلك المعرفة النووية، ولديها تكنولوجيا نووية، وتستطيع – في أي وقت في المستقبل من خلال هذه المعرفة وهذه التكنولوجيا – أن تفعل ما تريد بعد خمس أو عشر سنين، أما اعتقادنا بأن هناك انتصاراً على إيران، أو أن مشروعها النووي قد سقط، فما هو إلا نوع من (الهبل السياسي).
هل نريد التفاهم مع إيران؟
وإزاء المشروع الإيراني، برزت من دول الخليج مواقف عديدة دون أن تطرح تلك المواقف ما الذي يتوجب فعله من جانب دول الخليج لمناقشة الموضوع مع إيران ومناقشته مع أنفسنا، ولعل السؤال هو: «خلال خمسين إلى ستين سنة مضت، أما كان ممكناً لدول الخليج أن تكون إحدى المناطق المتقدمة في مجال بحوث الطاقة البديلة؟ لا أحد يتحدث في هذا الموضوع! بل نتحدث عن أن هذا المفاعل سينفجر أم لن ينفجر وهذا كلام (فاضي لا يودي ولا يجيب)، فالقضية الأساسية هي… هل نريد التفاهم مع إيران بحيث لا نضرها ولا تضرنا؟ هذا الكلام لم يحدث».
وزاد قوله إن العرب لا يتكلمون عن المشروع الصهيوني النووي بقدر ما يتكلمون عن المشروع الإيراني، فمنذ إسقاط المشروع العراقي، كان يتوجب على العرب أن يطرحوا مشروعهم ليل نهار وعدم الاكتفاء بإصدار جملة عامة بين فترة وأخرى عن (تنظيف المنطقة من الأسلحة النووية والجرثومية) ضمن مواقف هامشية، فيما استمر الكيان الصهيوني في امتلاك القدرة، وهذه هي نقطة ضعفنا بيننا وبين إيران، ومع أن الاتفاق النووي – في جميع الأحوال – هو اتفاق مؤقت، لكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث بعد 6 أشهر رغم كل التحديات، متطرقاً، فخرو، إلى ما طرحه الكاتب والباحث سعيد محيو في دراسته عن العلاقة الإيرانية – الأميركية معتقداً أن هذا الاتفاق هو خطوة للاتفاق على شيء أكبر بكثير، وهو يتعلق بإيران نفسها وليس بالأمة العربية، فهو يعتقد بأن هناك غورباتشية (نسبة إلى الزعيم الروسي غورباتشوف) ستحدث في إيران، وأن الرئيس حسن روحاني هو (غورباتشوف)، وأن إيران، شيئاً فشيئاً، تغير سياستها كثمن لانخراطها في العولمة السياسية.
قول… ساذج
وفيما يتعلق بالمشروع النووي، فإن النقطة الأساسية التي أثارها فخرو هي الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأميركية والغرب سيتركون إيران تفعل ما تشاء في الساحة العربية، وهذا قول ساذج مع وجود دول تفكر في الطاقة النووية السلمية مع النظر إلى محدودية النفط، وفي جميع الأحوال، فإن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عندما زار الكويت والإمارات وقطر، جاء ليطمئن الجميع بأن إيران (ليس لديها رغبة في التآمر مع أميركا ضد أحد)، منوهاً، فخرو، إلى أنه في الوقت الذي يستخدم فيه الإيرانيون (السياسة)، نستخدم نحن (الإعلام المتشنج).
وتوقف ليبدي استغرابه قائلًا: «أنا أستغرب، كيف لوزراء خليجيون أن يجتمعوا ويرفعوا الاحتجاج؟ إذا كنت تابعاً أو ضعيفاً، سواء احتججت أم لم تحتج، هل تعتقد أن العالم سيتعامل معك باحترام؟ أنت إذا قامت الدنيا ضد إيران ستكون ضدها، وإذا قامت الدنيا مع ايران ستكون معها».
سؤال مهم: ماذا سنفعل؟
وطرح سؤالًا مهمًا: «ماذا نفعل نحن لكي لا نصل إلى المرحلة الحرجة التي تنزل قيمتنا وتجعلنا نشعر بأننا لا نهم أحداً في هذه الدنيا؟ فأميركا تتراجع لأسباب كثيرة منها تراجع نفوذها ووجود مشكلة لديها مع مصر، ولم تحل المشكلة الإيرانية إلا ببعض التنازلات، ولديها مشكلة اقتصادية، وتواجه مشكلة الخروج من العراق وأفغانستان وتواجه داخلياً رأياً عاماً ضد أي تدخل عسكري، هنا، لابد من القول إن التراجع الأميركي سيخلق فراغاً حتى أنها هي تتلكأ عن سد الفراغ، ولكن من سيسده؟ ونحن لا يجب أن نلوم إيران إذا أرادت أن تسد ذلك الفراغ، ويجب أن نلوم أنفسنا لأننا لم نسد هذا الفراغ، فالعرب يتركون دائماً فراغاً، ويكفينا ما رأينا من فراغ للوجود الصهيوني في فلسطين… أين كان قبل خمسين عاماً وأين هو الآن؟ يصول ويجول وله علاقات… فمن سمح لهذا الفراغ أن يحدث؟ ذلك أن عملنا السياسي غير قادر على أن يتطلع ويستعد للمستقبل.
رهن أمننا بالخارج
وعرج فخرو إلى مسئولية دول الخليج برهن أمنها إلى الخارج، واصفاً بأن من (الوقاحة) القول بأن أميركا تحمينا ثم نطالب بمن يحمينا من إيران! ومع وجود تريليون دولار في السنة لدى دول الخليج، هل يعقل أن هذا الدخل لا يوجد قوة أمنية معقولة قادرة على أن تصد تدخل إيران في شئونك الداخلية؟ إيران تشتري السلاح وتصنعه وتطوره، فيما صرفت بعض دول الخليج خلال العامين الماضيين 42 بليون دولار على شراء السلاح، فأين سيذهب وسيردع من؟ لهذا، فإن الحديث عن الاتفاق النووي الأخير هو جزء من بحر من التعقيدات والإخفاقات، وتعمق في الصراحة ليقول: «لنكن صريحين… مجلس التعاون موجود منذ ثلاثين سنة كرد فعل على الحرب العراقية الإيرانية… فهل وجد ضد العراق أم لكي لا يذوق حملًا في الصراعات الكبيرة؟ بعد ثلاثين سنة، ماذا فعل المجلس ليبني قوة موازنة للقوة الإيرانية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً؟ والجواب: «لم يفعل شيئاً!»، والواقع الحالي هو واقع مترابط، ويشير إلى ضعف شديد في هذا المجلس وفي المنطقة العربية.
ما الحل… ما المخرج؟
يطرح فخرو عدة محاور كثوابت للحل، ومنها البدء بالتفكير من الصفر بوضع استراتيجية جديدة مبنية على التفاهم مع إيران وفق المتغيرات التي تحدثنا عنها، فقبل أكثر من 14 عاماً كتبت داعياً إلى حتمية وجود حوار حقيقي بيننا وبين إيران، وأعتقد أن الإيرانيين إذا وجدوا أنفسهم أمام (كتلة ندية)، فإنها ستأخذ وستعطي، أما إذا وجدت كتلةً ضعيفةً وغير قادرة على أن تبني نفسها وتقوي نفسها فلماذا إذن تتحاور معها؟ بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إدخال إيران اقتصادياً في الخليج، فإيران تحتاج لهذه السوق الغنية، ونحن نحتاج لتلك السوق الكبيرة، وفي النهاية، فالسوق القريبة منك أهم بكثير من أوروبا.
وفي إطار الحديث عن حوار مع إيران في ظل وجود خطوط حمر، استذكر فخرو بأنه سأل مسئولًا إيرانياً أثناء الحرب العراقية الإيرانية: «هل أنتم على استعداد للتحاور؟ قال نعم»، فهذا الحوار يجب أو توضع له أجندة ويجب على مجلس التعاون الخليجي أن يطرح هذه المبادرة ويتحدى إيران أن تأتي وتتقدم بذلك، لكن فخرو أشار إلى أن هذا ليس ممكناً إلا بعد أن تتضح الخطوات التالية في الاتفاقية النووية مع الغرب، فالغرب لن يقبل بأن يضحي بالخليج، لكنه لن يضحي بمصالحه من أجلنا.
وتناول فخرو الوضعية النفسية المريضة بين دول الخليج وإيران والعكس بالعكس، لأسباب التاريخ والخلافات السنية الشيعية وعدم قدرة الجهتين على أنهما يجب أن يتعايشا، ويتوجب أن يتوقف الطرفان عن القول بأن كل طرف (عدو إلى الأبد)، فعندنا قضية العدو الصهيوني المشترك لكننا لا نستخدمها، وهل من المنطقي أن تقف إيران مع غزة أو مع حزب الله في لبنان ضد الصهاينة، ونحن نجتمع مع الصهاينة ونعقد معهم الاتفاقيات؟ فالموقف العربي ليس واضح المعالم.
وفي ختام اللقاء، طرح الحضور مداخلات وتساؤلات دارت حول مضمون الأفكار المهمة التي طرحها المفكر فخرو لقراءة مستقبل المنطقة بكل دقة، والتوجه نحو تفاهم استراتيجي يخفف من التهاب هذه المنطقة الحيوية من العالم.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4113 – الأربعاء 11 ديسمبر 2013م الموافق 08 صفر 1435هـ