قاسم حسين
بعد أسبوعٍ من الانتقادات الشديدة، شعبياً وصحافياً، خرج أحد المسئولين بفتوى جديدة تبيح سياسات التمييز في البعثات.
ففي مؤتمر صحافي عقده أمس (السبت)، تحدّث بعضهم عن الآلية الجديدة للبعثات ودواعي استحداثها وفوائدها الجمّة والباهرة للمتفوقين، الذين لا يدركونها هم ولا آباؤهم. ومن الآن فصاعداً عليهم أن يقتنعوا بوجود فوائد كثيرة من تخصيص نسبة 40 في المئة من التقييم للمقابلة الشخصية، و60 في المئة للتحصيل العلمي. كما أن عليهم أن لا يستمعوا للمغرضين، فالوزارة «في توزيعها للبعثات تتعامل مع مواطنين وليس مع طوائف، ومن يتهمونها بتسييس العملية هدفهم المتاجرة السياسية»! وهذا ينطبق على أولياء الأمور أيضاً، الذين يخشون على مستقبل أبنائهم، فإما أن يقتنعوا بأن الوزارة أعلم بمصلحة أبنائهم منهم، وإما أن يكونوا مغرضين يتاجرون بقضية أبنائهم وبناتهم!
حسب الفتوى الجديدة، علينا أن نقتنع أيضاً بأن تحديد نسبة 40 في المئة من التقييم للمقابلة لا تؤثر على تحديد اختيارات المتفوق ولا مستقبله إطلاقاً! حتى لو اكتشفنا أن هذه الطريقة البائسة قد حرمت 160 طالباً وطالبة العام الماضي من تحقيق رغباتهم الأولى وحرمت بعضهم من الدراسة، واضطرت بعض العوائل المتوسطة الحال لتحمل كلفة تعليمهم في الخارج فيما ذهبت بعثاتهم المستحقة لمن هم أقل استحقاقاً.
علينا أن نقتنع أيضاً أن «توزيع البعثات والمنح أساسه المعدل التراكمي، ودور المقابلة الشخصية جزئي هدفه مجرد التعرف على الميول الأكاديمية» وأن لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص، تجتمع بالطالب قبل تخرجه بشهرين، فتحدّد خلال خمس دقائق مستقبله إلى الأبد، بينما عائلته التي تتابعه منذ نعومة أظفاره عاجزةٌ عن توجيهه لاختيار تخصصه المناسب ومعرفة ميوله المهنية وقدراته الأكاديمية ومصلحته المستقبلية!
إن كل من ينتقد هذه السياسة، سواءً كان تربوياً أو حقوقياً أو سياسياً أو صحافياً، «فإنّما يدل على جهله التام بالأهداف السامية وراء هذه الآلية»! و«لو اطلع مروّجو التصريحات المغلوطة عن آلية الابتعاث على توضيحات الوزارة المنشورة»، لما أضاعوا وقتهم «في إعداد دراسات لا حاجة لها»! ولاكتشفوا «أن المعدل التراكمي هو المعيار الأساسي الذي يحدّد حصوله على بعثة أو منحة دراسية»! وليعلم المغرضون أن «هذه الآلية ليست من اختراعات وزارة التربية والتعليم وإنما هي مطبّقة من عدد من دول العالم». ولكوننا ممن قد يعتبرهم وكيل شئون التعليم والمناهج مغرضين أو مندسين، نسأل سعادته: هل يمكنه أن ينوّرنا بأسماء هذه الدول؟ وهل تُشكّل فيها لجانٌ من ثلاثة أشخاص، تقضي على مستقبل عشرات الطلبة المتفوقين خلال خمس دقائق؟
إنني كأب، أناقش أبنائي ولا أريد أن أفرض عليهم رغباتي وميولي، وأميل لتشجيع ميولهم وتوجهاتهم، فكيف تبيح الوزارة لنفسها مثل هذه المهمة؟ وبأيّ حقّ دستوري وشرعي؟ وبأيّ منطق وعقل؟ ومن يقبل هذا الهراء الذين تريدون به تغطية هذه السياسة المكشوفة الخاطئة؟
لتعلم الدولة التي مكّنت لسنواتٍ هذه الجماعات الدينية المتشدّدة، وسلّمتها مقاليد وزارة التربية والتعليم، لتنفذ أجنداتها الحزبية الضيقة، أنّها بذلك تدمّر قواعد البناء التعليمي الذي شيّدته خلال ستين عاماً. ولتعلم أن ما تقوم به هذه الجماعات جريمةٌ مكتملة الأركان، بحق التعليم، وبحق البحرين، وبحق المتفوقين من أبناء هذا البلد الكريم.