فرق تسد، فهل يفلح من بذر الفتنة، ودق وتدها في كركوك بحصاد جناها؟
وهل نجح من فرقوا الكرد بين دول المنطقة باستخدامهم وقودا لماكينتهم؟
ألم تكفنا الشواهد القارة، مزقوا وحدة العرب في سايكس بيكو عام 1916 إلى دويلات، وفصلوا مصر عن السودان بعد أن كانتا دولة واحدة، واليوم مزقوا السودان إلى شمال وجنوب ودارفور، مزقوا الجزيرة العربية إلى السعودية واليمن، والخليج، ويريدون اليوم تمزيق وحدة اليمن بعد أن دقوا إسفين الشقاق بين الشمال والجنوب، وهم سرقوا فلسطين، وقسموها إلى ضفتين الغربية والشرقية، واليوم يقسمونها إلى رام الله وغزة، وجاء دور العراق الصومال ولبنان والقائمة طويلة، والبقية تأتي، هذه هي مشاهد المسرحية في تجزئة الموحد، وتقسيم المقسم، فالاستعمار هو الاستعمار، لا فرق بين قديم وحديث، الكفر ملة واحدة، وما حن أعجمي على عربي قط ورب الكعبة.
ونذكر العرب ولو بسرعة كيف سقطت الأندلس بعد أن قسمت إلى دول لملوك الطوائف، واستعدى بعض أمرائهم الفونس على بعض، حتى صاروا يدفعون له الأتوات والمعونات ليساعدهم على غزو بعضهم، إلى أن دارت الدوائر على آخرهم ومن بقي منهم، ونذكر بقول الفونس أمير الأسبان لما رأى المسلمين يستعينون بالنصارى على إخوانهم: “لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في قشتالة” وما أشبه اليوم بالبارحة، فهل نتعظ أم سنقف يوما “لنبكي مثل النساء ملكا مضاعا لم نحافظ عليه كالرجال”
وفي العراق مازال البعض يتوارثون الحقد والمكر والتدبير جيلا بعد جيل، فيرث صغيرهم كبيرهم، فقد تعاونوا مع المغول القدامى لإسقاط دولة بني العباس فنكبوا الأمة من أقصاها إلى أقصاها، واليوم سلم الصفويون المغول الجدد مفاتيح بغداد ليقيموا دولة الولاية بعد أن سلب فقهاؤهم الرئاسة من آل البيت وسرقوها لأنفسهم.
لا نقول هذا من فراغ، المؤامرة على تقسيم العراق صيغت بحذاقة المجوس ومكرهم في مؤتمر المعارضة العراقية في أربيل قبيل الاحتلال، كما صيغت معاهدة سايكس بيكو عام 1916 وقسمت البلاد العربية، لقد خطط لها الصفويون لأمر في نفس يعقوب، وباركها الغرب لوقوعها في محيط أطماعه، وفرح بها الانفصاليون من الكرد وزمروا لها بغباء، وانكشف اليوم كل ما كان يختبئ وراء الأكمة. فالانفصاليون الأكراد أعدوا العدة واستولوا على أسلحة الجيش العراقي الخفيفة والثقيلة بعد حله بمساعدة جيوش الاحتلال، ولديهم الآن عشرة ألوية مسلحة، ويطمعون بمضاعفتها إلى عشرين خلال سنتين قادمتين، ويعملون للحصول على المزيد من أسلحة الجيش الأميركي بعد انسحاب بعض قطعاته، وتدفعهم إلى ذلك إيران وعملاؤها لعلهم يفلحون بتفجير معركة كبرى تحدث بين العرب في وسط العراق وغربه وشماله الذين اختاروا وحدة الوطن ويأبون التفريط بها، وبين الأكراد إخوانهم بالمذهب في المنطقة الشمالية، الذين يزين لهم زعماء الانفصال الإقطاعيين التخلص من العرب معارضي التقسيم، وملامح مقدمات المعركة تلوح في الأفق ما لم يستر الله ويقينا منها، وهو ما ستكون له إن حصلت آثار مدمرة للعراق والعراقيين والعرب، ولكن ليعلم الكرد والعرب، أي سيكون المنتصر فهو الخاسر في النهاية، لأنه سيقع بين فكي كماشة القضم الفارسية الصفوية التي لا ترحم.
فالعرب يؤمنون أن العراق عربي أرضا ومياها وسماء وهواء، وأن العراق لكل العراقيين وللعرب، ولن يفرطوا بشبر واحد، ولا مجال للتقسيم لا في كركوك، ولا في الموصل، ولا غيرهما، وزعماء الأكراد الانفصاليون يستغلون مجاملة الغرب لهم لما قدموا له من خدمات العملاء، لاستعراض عضلاتهم في ظل حل الجيش العراقي، وضعف سلاح العرب مقابل نمو البيشمركة – عصابات الكرد – التي أسسوها لتكون نواة لجيش كردستان. ولو حصل – لا سمح الله – ما يتمناه الأعداء ستفضي إلى مجزرة وتغيير قومي وعقدي وديموغرافي لم تشهد له المنطقة مثيلا من قبل، وهو ما نحذر منه.
ولينتبه الكرد أن ما يحلمون به وهم سراب، وليعلموا أن الدول المجاورة ترفضه، وأميركا في النهاية لن تسمح لهم بإقامة دولة لأنها تريدهم عملاء يقدمون لها خدمة مستدامة في المنطقة، وهي تدفع لهم وتسيرهم مثلما تريد لصالح هذا أو ذاك كما حصل وحاصل، وما يحلمون به أضغاث أحلام، فليخشوا الله ولا يغلوا في رؤياهم التي ستجر الويل والثبور للجميع في المنطقة، ونتمنى أن يكون العرب والكرد الإخوة في الدين والمذهب على بينة من أمرهم، وان يتعاونوا على البر والتقوى بدلا من التعاون على الإثم والعدوان، فلو نجحت لا سمح الله مساعي الطامعين لن تبقي ولا تذر.
ونحذر كل المثقفين العرب، ولاسيما في الخليج، للانتباه إلى المؤامرة الكبرى التي ستقسم العراق ويصبح كدول وملوك الطوائف في الأندلس، وبالنهاية سيخضعون لدول الجوار، وسيفقدون حراس بوابتهم الشرقية، ويتعرضون لما تعرضت له الأهواز العربية.
جريدة البلاد /الأربعاء 12 يناير 2011 العدد 820