د/ يوسف مكي
هدف هذه القراءة هو التركيز على نقاط التقاطع بين حركتي فتح وحماس، باعتبارهما أكبر فصيلين من فصائل المقاومة الفلسطينية، وبسبب ما لهما من تأثير في إعاقة المصالحة الوطنية، وعودة اندماج قطاع غزة بالضفة الغربية.
تأسست حركة فتح بالكويت عام 1959، قبل نكسة يونيو/ حزيران 1967، بأقل من ثماني سنوات. وانتخب الرئيس ياسر عرفات ناطقاً باسمها، ليصبح لاحقاً رئيساً لها، حتى وفاته.
وانطلقت عملياتها العسكرية، من الشتات، عن طريق البلدان العربية، المعروفة في حينه بدول المواجهة: الأردن وسورية ولبنان. وقد ظل أبناء مخيمات الشتات، حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، العمود الفقري، ليس فقط لحركة فتح، بل ولكل فصائل المقاومة.
على نقيض حركة فتح، انطلقت حماس من داخل الأراضي المحتلة، وتحديداً من قطاع غزة، حيث تأسست عام 1987، على يد الشهيد أحمد ياسين. ورغم أن حماس وُجدت لاحقاً في الشتات، في المخيمات الفلسطينية، في بلدان الجوار، فإن حضورها في قطاع غزة، بقي ولايزال، يشكل مرتكزها الرئيس.
تبنت حركة فتح، عند تأسيسها الكفاح المسلح، وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتشكلت من أفراد مستقلين، ومن آخرين كانت لهم ارتباطات بأحزاب قومية ووطنية، وركزت على بعث الهوية الفلسطينية، بتصور أن العرب قد تخلوا عن هذه القضية، وأن الفلسطينيين، هم الأولى بقيادة الكفاح من أجل تحرير أرضهم.
أما حماس، فبدأت على طريقة نظيراتها من المنظمات الإخوانية، في مصر وبقية البلدان الإسلامية، كحركة دعوية، تهتم بتهذيب الأخلاق، والحفاظ على القيم الدينية. وقد أعلنت منذ البداية أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، التي أسسها الشيخ حسن البنا، والتي انطلقت من مدينة السويس عام 1928.
برز دور حركة فتح على الصعيد العملي بعد نكسة يونيو، حين فشلت الجيوش العربية في مواجهة الكيان الصهيوني، وتمكن من احتلال أراض عربية تتجاوز في مساحتها ثلاثة أمثال المساحة التي استولى عليها في عام النكبة 1948. وقادت بعد مواجهتها للصهاينة في معركة الكرامة بالأردن، النضال الفلسطيني، وتربعت منذ حينه، في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
لم تتمكن فتح، من تثبيت أقدامها بالضفة والقطاع، إلا بعد النهوض الفلسطيني بالأراضي المحتلة منتصف السبعينيات، والمستند على تحرير أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وليس تحرير كل فلسطين. وقد فرض هذا الحراك على فتح منذ ذلك الحين تغيير استراتيجياتها وتبني حلول سياسية بديلة عن شعار الكفاح المسلح الذي أكد عليه الميثاق الوطني، لمنظمة التحرير الفلسطينية.
يمكن القول إن حركة فتح أمضت قرابة عقد ونصف في تبني استراتيجية التحرير الشامل، وبالقوة المسلحة.
أما حركة حماس، فقد تزامن تأسيسها مع انطلاق انتفاضة أطفال الحجارة، التي أعلنت منظمة التحرير تبنيها الكامل لها. وقد رأى بعض المراقبين في زمن انطلاقتها، بأنه محاولة لاختطاف أو التنافس مع منظمة التحرير الفلسطينية في وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني.
لكن حركة حماس لم تبرز كحركة مقاومة فلسطينية فاعلة إلا بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، والتي انطلقت من الضفة الغربية. حيث بدأت عملياتها «الاستشهادية».
يجمع حركتي فتح وحماس أن معظم أفراد قيادتهما التاريخية قد تم اغتيالهم من قبل العدو الصهيوني. فقد خسرت فتح العشرات من قياداتها عن طريق الاغتيال والتصفية الجسدية، من بينهم الشخص الثاني خليل الوزير، أبوجهاد، والقائد المعروف صلاح خلف، أبوإياد. وخسرت حماس مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، والقائد البارز عبدالعزيز الرنتيسي. ولكل من الحركتين عشرات الشهداء من الكوادر المتقدمة والمقاتلين في ساحة المقاومة.
وصلت فتح إلى قيادة السلطة الفلسطينية عن طريق اتفاق أوسلو عام 1993 الذي وقع بين الفلسطينيين والصهاينة، على قاعدة الاعتراف بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية. أما حركة حماس فدخلت الانتخابات الفلسطينية على قاعدة معارضتها لتلك الاتفاقية، وحصدت معظم الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي. ومن ثم تمردت على السلطة في رام الله، بذريعة تفريط الأخيرة في الحقوق الفلسطينية. وبقي القطاع منفصلاً عن الضفة حتى يومنا هذا.
في السنوات الأخيرة، انتقلت حركة حماس إلى المواقع التي اعتبرتها محرمة، وخاصمت فتح من أجلها. فالاتصال بالكيان الصهيوني، لم يعد من المحظورات، طالما أن ذلك يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وفقاً لتصريحات رئيس المكتب السياسي للحركة، السيد خالد مشعل. وهو التبرير ذاته الذي طرحته فتح من قبل. تحدثت فتح ومعها منظمة التحرير عن تكتيكات وعن مراحل، وتحدثت حماس عن انتظار مرحلة التمكين. وكما عقدت فتح هدنات عدة مع الصهاينة، في معارك شبيهة بالمعارك التي خاضتها حماس، طرحت حماس أكثر من هدنة مع العدو. بل تعدت ذلك بتغيير اسم مدرسة ثانوية، من مدرسة تسمى باسم مقاوم فلسطيني شرس، إلى مدرسة مرمرة. وفي السياسة الخارجية، تصرفت ككيان مستقل عن السلطة، بما يؤكد تصميمها على الاحتفاظ بالسلطة في القطاع، وعدم السير في طريق المصالحة الفلسطينية، وعودة القطاع إلى الضفة.
ألا يبدو غريباً وكارثياً، أن نقاط التقاطع على كثرتها بين السلطة في رام الله، وسلطة حماس في غزة، لم تسهم في تقريب شقة الخلاف بين المتناحرين. لقد أكدت المفاوضات التي تجري الآن من أجل تثبيت هدنة طويلة مع الكيان الصهيوني في القطاع أننا جميعاً «في الهم شرق»، فلماذا تستعصي عملية المصالحة. هل ما يمنع حقاً هو التمسك من جانب حماس بالثوابت الفلسطينية، أم أنها رغبة الاستئثار بالسلطة، حتى وإن كانت في بقعة بحجم غزة؟!