قاسم حسين
أدلى وزير حقوق الإنسان صلاح علي بتصريح مثير للجدل على إثر زيارة وفد حكومي إلى جنيف.
التصريحات تدخل كلها في سياق ما سبق أن انتقدناه من سياسةٍ تتبعها الوزارة، وتكشف أنها تحلّق في عالمٍ آخر من الخيال، بعيداً عن مواكبة روح العصر وتجاهلاً لعالم ومفاهيم حقوق الانسان.
الوزير يرى بأن «بعض الدول مدلولاتها سياسية وليست حقوقية»، وينسى أن هذا هو النقد الأساسي الموجّه لوزارته تماماً. فكل ما يقول به الوزير وطاقمه الوزاري هو لتحقيق أهداف سياسية، بعيداً عن أية حقوق إنسان.
وزارة حقوق الانسان في بيانها الذي وزّعته على الصحف أمس، تقول بفخر أن الجانب السويسري رحّب بالوفد البحريني وأعرب عن «تفهّم بلاده للتطورات الإيجابية الحاصلة في المجال الحقوقي بالبحرين وأخذ مسائل حقوق الإنسان بجدية». وهو كلامٌ مسيء لو وُزن بالميزان الحساس، ما كان ينبغي لمن صاغ هذا الخبر أن يدرجه. ففيه اعترافٌ ضمنيٌ فاضحٌ بوجود خللٍ كبيرٍ في منظومة حقوق الإنسان، حيث بدأ النظام تواً بـ «أخذ حقوق الإنسان بجدية». فماذا كان يفعل طوال سنوات؟ وهل كانت المنظمات الحقوقية التي كافحت خلال السنوات السابقة إلا للاعتراف بوجود مثل هذا الخلل و الانتهاكات وتصحيح أوضاعها الشائنة؟
الوزير يرى أن على سويسرا التي وصفها بحاضنة حقوق الانسان، «أن تتفهّم جيداً (التطورات) البحرينية في مجال حقوق الإنسان ومراعاة حداثة مؤسساتها»! وينسى أن التعذيب ليس حديثاً ولا طارئاً في البحرين، وشكوى القوى الوطنية الإسلامية واليسارية والقومية لم تنقطع طوال خمسين عاماً. فهناك أربعة أجيال من السجناء السياسيين، من تيارات شتى، تعرّضوا خلال هذه الفترة إلى أصناف التعذيب والانتهاكات لحقوق الانسان.
الوزير يعوّل، أو يروّج، أو يسوّق على الأصدقاء السويسريين، بأن البحرين شرعت في «مأسسة» حقوق الانسان، فأنشأت وزارة لحقوق الانسان، و«مؤسسة وطنية»، و«أمانة عامة» للتظلمات، واستحدثت منصبي مفتشين عامين في الداخلية وجهاز الأمن الوطني، و«وحدة تحقيق خاصة» بمكتب النائب العام تُعنى بقضايا التعذيب، وآخرها إنشاء مفوضية عليا لحقوق السجناء والمحتجزين. ونسي الوزير أننا لم يكن ينقصنا «مأسسة» ولا «مؤسسات»، وإنما الالتزام الأخلاقي بمعاملة السجناء كبشر لا كمجرمين، وحفظ كرامتهم داخل المعتقلات، واعتبارهم مواطنين لا أصحاب ديانات أو طوائف أو مذاهب أخرى.
الوزير دندن على تنامي أعمال العنف في الآونة الأخيرة، ما أدّى إلى تنامي ما أسماه «الضغوطات الشعبية على السلطة التشريعية»، التي بادرت بعقد جلسة استثنائية طارئة حيث جيء بالنواب من إجازتهم السنوية، وانتهت بإصدار 22 توصية، لكنها «لم تنصب كلها على تغليظ العقوبات»! وهي توصياتٌ «لم تصدر من السلطة التنفيذية وإنّما من السلطة التشريعية» كما يعرف الجميع!
الوزير أخبر السويسريين بأن البحرين بلد الحريات، وأنها لا تقوم أبداً باعتقال أيّ مدافع عن حقوق الإنسان، مع علمه بما بحوزتهم من تقارير دولية عن اعتقال ومحاكمة عددٍ من أقطاب الحركة الحقوقية في البحرين من ذوي الشهرة العالمية.
آخر الفتاوى المثيرة التي أطلقها الوزير صلاح علي بأن إلقاء بيانات مشتركة حول الأوضاع الحقوقية بالبحرين في مجلس حقوق الإنسان ليست ذات جدوى أو قيمة حقيقية»، وهي نظريةٌ من الصعب أن يقنع بها الرأي العام في البحرين مادام قد تجشّم عناء السفر وشد رحاله مع وفد حكومي كبير إلى جنيف.