بقلم يوسف ربيع ـ رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان
واحدة من أهم مظاهر غياب تنفيذ القانون في البحرين سياسة تمعن الحكومة في اتباعها هي (الإفلات من العقاب)، وهي سياسة خطيرة وتكمن في عدم ادانة المتورطين بالانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان، اضافة إلى السعي لتوفير غطاء قانوني لهم من الملاحقة القضائية.
وقد أشارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى أن حكومة البحرين ماضية في تطبيق سياسة مخالفة للمواثيق والمعايير الدولية تبرز في عدم ملاحقة المتورطين في قضايا التعذيب الممنهج للمواطنيين وجرائم القتل العمد، وهو ما من شأنه أن يشجع إلى الإفلات من العقاب.
لقد شكلت هذه السياسة تحديا للقانون الذي يجب أن يأخذ مجراه في تجسيد العدالة وحماية الحق العام مما زاد من ارتفاع وتيرة الانتهاكات الجسيمة، وتسبب في خلق معاناة للمواطنيين بما يعيق من حصولهم على حقوقهم السياسية والاجتماعية.
لا محاسبة في الانتهاكات
لقد دعت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في التوصية 1716 بوضع آلية مستقلة ومحايدة لمساءلة المسئولين الحكوميين (بما يشمل ذوي المناصب القيادية العسكرية والمدنية) بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية
كما دعت في التوصية 1722 (ا) الى التحقيق في حالات القتل دعاوى التعذيب المنسوبة لقوات الأمن من قبل هيئة مستقلة ومحايدة تفضي لمحاكمة المتورطين.
وفي التوصية 1722 (ب) فقد دعت الى تكوين هيئة مستقلة دائمة للتحقيق في كل شكاوى التعذيب أو سوء المعاملة التي تمت على أيدي السلطات، فاتحة بذلك باب المسائلة والتحقيق على مصراعيه مع جميع كبار القيادات العسكرية والمدنية دون استثناء.
إن المعايير القانونية تلزم حكومة البحرين الالتزام بالقانون الانساني الدولي حيث القانون المشار إليه يكون واجب التطبيق، وأن الأشخاص الذين يرتكبون الانتهاكات الجسيمة للقانون بنية اجرامية مسئولون عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتكون الدولة مسئولة عن كافة الانتهاكات، ومطلوب منها القيام بالاجراءات التي تعتمد ملاحقة المتورطين، وتقديمهم للعدالة، وتعويض المتضررين والضحايا التعويض العادل والمنصف.
وفي هذا الجانب تعهدت حكومة البحرين نظريا بالمحاسبة وأنشأت مكتباً خاصاً ليقوم بذلك. لكن منظمة العفو الدولية ذكرت أن هذا المكتب يفتقر إلى الاستقلالية والحيادية كما لاحظت أن حفنة قليلة من أصحاب الرتب الصغيرة في الأمن والشرطة هم الذين يقدمون للمحاكمة.
فلم يحاسب حتى الآن أحدا من كبار قوات الأمن بما في ذلك هيئة الأمن الوطني وقوات دفاع البحرين. ومن اليقين أن عدداً من ضباط الأمن المتهمين بأنهم كانوا مسؤولين عن التعذيب أثناء احتجاجات العام الماضي ما يزالون في مناصبهم ولم يخضعوا لأي تحقيقات بعد.
بل حتى رجال الشرطة الثمانية، بمن فيهم اثنان من البحرينيين، والذين ذاع أنهم قد اتهموا بعلاقتهم بالوفيات التي وقعت أثناء الاحتجاجات، لم يتم إيقافهم وورد أنهم ظلوا في أعمالهم بوزارة الداخلية بينما قضايهم مستمرة.
ومن جانبه قال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "كان يتعين على الحكومة الرد بإيقاف الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة على ذمة التحقيق لدوره كرئيس لجهاز الأمن الوطني أثناء الحملة و إن مكافأته بمنصب وزاري تُسلط الضوء على فشل العائلة الحاكمة في التعامل بجدية مع موضوع مساءلة جميع الأشخاص في جرائم حقوق الإنسان"، يضاف إلى أن 169 رجل أمن تنتظرهم قضايا تهم تعذيب معارضين في السجون البحرينية، ولكن لم يسجن أحد منهم بعد، يقابله 1400 معتقل في السجون بتهم تتعلق حول حرية التعبير المكفولة في القانون الدولي.
وهذا ما ادى بصورة واضحة لاستمرار الانتهاكات حتى بعد صدور التقريربسبب ما اشار اليه التقرير نفسه من شيوع "ثقافة الإفلات من العقاب".
حكومة ترسخ ثقافة الحصانة
لقد كشف تقرير لجنة تقصي الحقائق عن ثقافة الحصانة التي مازالت سائدة في صفوف الشرطة مما يودي للافلات من العقاب وتكرار الانتهاكات ودعا لاصلاح الجهاز الامني في التوصية 1722 (ه ) شمل دمج الشيعة في الجهاز الامني، وتعزيز الشفافية في الاعتقال والتحقيق ووضع مدونة السلوك طبقا للمبادئ الدولية وابعاد جهاز الامن الوطني عن الاعتقال.
هذه الحصانة نتج عنها ثمة أخطار أخرى هي بروز قائمة من المنتهكين الجدد، الذين وجدوا بأن أعمالهم تكون برسم الدولة البحرينية من جهات متعددة سواءا من وزارة الداخلية أو النيابة العامة، أو حتى القضاء البحريني.
كما لوحظ أن حكومة البحرين تتكفل باصدار تشريعات أو تعديل نصوص لتشريعات سابقة من شأنها أن توفر الحصانة للمتورطين، ومثال ذلك تعديل المادة 221 من قانون العقوبات البحريني حول عقوبة من يعتدي على العسكريين، حيث تتدرج العقوبة من سبع إلى عشر سنوات، وقد تصل إلى الحكم بالمؤبد، علما بأن هناك أعداد كبيرة من المتورطين في الانتهاكات هم من المنتمين إلى السلك العسكري.
المستوى الصفري هو المعيار في ملاحقة المتورطين
وللتأكيد على عدم اتخاذ السلطات البحرينية لأي اجراءات جدية تجاه المتورطين بارتكاب الانتهاكات، فإنني أورد جملة من الانتهاكات التي يتم محاسبة فيها أي مسئول حول هذه الانتهاكات، وهي كالآتي: التحريض على الكراهية في التلفزيون والإذاعة والإعلام والصحف، فصل الموظفين من القطاع العام والخاص لأسباب تتعلق حول حرية التعبير عن الرأي، احتجاز واتلاف سيارات المواطنين التي كانت في دوار اللؤلؤة ومجمع السلمانية الطبي، كل هذه الانتهاكات لم تحاسب الحكومة فيها مسئولا واحد، بالإضافة إلى كبار المسئولين الأمنيين في وزارة الداخلية، والجيش البحريني، كما لم تصدر أي أحكام قضائية تحاسب من تورسط بقتل عشرات المواطنين، أو التعذيب الوحشي والاعتقال بشكل تعسفي الذي طال الآلاف من المواطنين، بالإضافة إلى المسئولين عن هدم المساجد، لم يتم محاسبة أي مسئول متورط بانتهاك الحريات الدينية.
ولازال هنالك المئات من سجناء الرأي السياسي، الذين تحدث تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق حول تعرضهم لمحاكمات عسكرية وفق قانون العقوبات الذي ينتهك أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولم يتم محاسبة من وقف وراء تعذيبهم وانتهاك حقوقهم، أو قتل 5 مواطنين داخل السجون تحت وطأة التعذيب، بل شهدنا عودة لهذه الحالات بطريقة أخرى كما حديث للضحية أحمد اسماعيل الذي تم قتله بواسطة مليشيات مدنية ملثمة لطالما تم مشاهدت نماذج منها تعمل تحت حماية رجال الأمن، باستخدام الرصاص الحي، يضاف إلى ذلك الذين تعرضوا إلى القتل باستخدام أسلحة محرمة دوليا كالرصاص والغازات السامة.
إن حكومة البحرين تعمل بخلاف مقولة لويس مورينو أوكامبو رئيس الادعاء العام السابق في المحكمة الجنائية الدولية، والذي قال بأن الإفلات من العقاب كان قاعدة وأصبح استثناء؛ حيث مازالت حكومة البحرين تتعامل بها كقاعدة وليس استثناء.
وتخلص المداخلة إلى التوصيات التالية:-
1. دعوة مجلس حقوق الإنسان إلى ادانة حكومة البحرين؛ لأنها انتهكت المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها في الأمم المتحدة، خصوص فيما يتعلق بالتعذيب والقتل خارج القانون، والاعتقالات التعسفية، واستخدام القوة المفرطة في قمع التجمعات السلمية، واعتقال الأطفال، حالات الخطف والتعذيب الممنهج، والفصل التعسفي، وانتهاك الحريات الدينية.
2. ارسال بعثة أممية من الأمم المتحدة لمراقبة الوضع في داخل البحرين، وبالأخص في مراكز الاعتقال، والمحاكم ولجان التحقيق، ورصد الحياة والحريات العامة.
3. الزام الحكومة البحرينية بالتوقيع على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية.
4. مثول المسئولين في السلطات البحرينية والمتورطين بارتكاب الانتهاكات أمام المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن ما تم رصده من انتهاكات ممنهجة ومروعة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.