ريم خليفة
بعد أربعة أعوام والمنطقة العربية مازالت تخلو من نظام الحكم الصالح الذي يحقق العدالة المتمثلة في إعطاء رجل الشارع البسيط كامل حقوقه السياسية والمدنية. وهو أمر مازال رهينة النظام السياسي الذي مازال يهاب تطبيق ركائز دولة الحكم الصالح التي في حال تطبيقها تكون مصدر تهديد لركائز حكم العصابة التي تتمسك عناصرها ولا يمكن أن تقبل من رجل الشارع أن يشاركها.
وهو أحد العناصر الرئيسية التي خرجت فيها احتجاجات وثورات الربيع العربي كمبدأ أساسي لترتيب البيت الداخلي في كل بلد عربي، سئم فيه المواطن أن يعامل إما كأداة مطيعة ومنافقة أو كأداة مهمشة. ولو نظرنا إلى التطورات والأحداث المعاشة في بعض الدول العربية فإنه لا يبدو حتى هذه اللحظة أنها استطاعت إحداث نقلة نوعية بشأن بنية الأنظمة العربية، بل بالعكس جعلتها أكثر تتبنى أسلوب حكم العصابات في إدارة البلاد مستخدمة حجة «الحرب على الإرهاب» الذي هو ممارس منذ زمن ببشاعة من قبل أنظمة المنطقة قبل أن تتبناه المنظمات الإرهابية الأخرى.
لقد تبنت دول المنطقة هذا الأسلوب لأجل التصرف بالثروات حتى تحولت بعضها إلى شركات خاصة، تفعل مفهوم الاستثمار الخاص بدلاً من دول عليها أن تلعب الدور الحاضن للمواطن وتأمين حقوقه وتوفير مساحة لطاقاته وإبداعاته من خلال الحكم الصالح. ولأن ثقافة العصابة لا تقبل النقاش، لا يستطيع حتى المثقفون، أو الحركات السياسية في هذه البلدان السؤال، لأن السؤال معناه الزج في السجون أو التهميش والعمل على الأخذ ببدائل أخرى.
وفي التجربة العربية لم نجد سوى محاولة لتكريس ثقافة العصابة كقائدة للدولة من دون النظر إلى شرعية الحكم أو النظر إن كانت الدولة في معظم الدول العربية دولة حقاً، خصوصاً عندما يرتفع مستوى القهر السياسي ويحتل الجهلة والانتهازيون المناصب الحكومية، نتأكد حينها أن الدولة لم تستكمل بناءها وأن هناك خللاً في أركانها. وقد تكون في تجربتي مصر وتونس مثلاً نموذجاً، إذ إن الجماهير المصرية لم تستطع أن تخرج من بنية نظام العصابة فعادت للعسكر. وكذلك فعل الشعب التونسي وعاد لممارسات وأسلوب ممارسات داخلية زين العابدين بن علي. وهو ما يفسر مثلاً العوامل والأسباب التي دفعت إلى انتخاب الباجي السبسي في تونس. وهل كان الشعب التونسي على وعي بكيفية مقاومة العصابة في الحكم؟ بمعنى إنه يريد تحولات على مراحل، أم ما حدث بعد الاحتجاجات كان كفيلاً بالتعايش، خاصة بعد أن كانت المرحلة الانتقالية فوضى تم إعدادها بين العصابة وحلفائها من الخارج.
إن المجتمعات العربية ليست قادرة اليوم على مواجهة نظام العصابة من دون أن تفرز القوى التي تعمل على إحداث التغيير الحقيقي الذي يدفع إلى إلغاء فكرة التبعية. كما أن دول المنطقة العربية تبنت مبدأ العصابة المعلنة وليس الخفية، لأنها تدرك أن بث الرعب والقمع في المنطقة يحتاج دوماً لمعرفة الجهة التي تقوم به لفرض «هيبة الدولة» كما تدعي، وفي الحقيقة ما هو إلا سحق لكل من يريد المشاركة في الحكم حتى بالنصيحة، ومثال على ذلك السجون المكتظة بالمعتقلين بتهمة الإساءة للدولة لكل فئة وجنس وعرق. يحدث ذلك في ظل استمرار غياب الحكم الصالح والتقزيم بشأن قيمة الإنسان العربي وحقوقه التي مازالت في مهب الريح.