بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فور بدء العدوان والأحتلال الأمريكي للعراق ظهر بأس وقوة واقتدار المقاومة العراقية الوطنية البطلة التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي والتي تعتمد بالدرجة الأساس على تنظيمات الحزب ومقاتلي الجيش العراقي الباسل والحرس الجمهوري الاجهزة الامنية حيث تيقن العدو الامريكي وأذنابه حسن تخطيط هذه المقاومة ووضوح ستراتيجيتها التي تعتمد على ثوابت وضعت قواعدها منذ زمن طويل قبل العدوان ومن هذه الثوابت ان العدو الامريكي عدو غير تقليدي ويمتلك من القوة والقدرة والتاثير مايؤهله بشكل استثنائي على استقطاب الرأي العام العالمي والاقليمي والعربي في ظرف دولي يمكنه من التحكم بالصراع معنا دوليا باعتباره القوة الوحيدة في العالم وسيوظف هذا العدو بدخوله المباشر في الصراع مع العراق والحزب كل امكاناته المادية والاعلامية والعسكرية والسياسية لتحقيق أهدافه وسوف لن يتوانى هذا العدو عن استخدام كل الاساليب المتاحة وحتى غير الاخلاقية لقمع الثورة الشعبية العراقية والثابت الآخر اننا سنقاتل هذا العدو وزبانيته بقدراتنا الذاتية وكانت الحسابات ان لا نتوقع ان يقف معنا احد وان هذه المعركة طويلة ومتعددة الجوانب والصفحات وستكون تضحياتنا فيها غير تقليدية أيضا..
وبعد مدة من شروع هذه المقاومة الشرعية التي انبثقت كرد فعل وطني ونضالي لحزبنا وجيشنا ومؤسساتنا بالتصدي للعدوان وازدياد تأثيرها تدريجيا بتفاعل كل القطاعات الشعبية معها ظهرت بفترات متباعدة مقاومة شرعية أخرى للمحتل وبأشكال متعددة وكرد فعل وطني أيضا أو ديني للبعض منها في حين كان انبثاق البعض الآخر كرد فعل للاساليب التعسفية والعنف الغير مبرر واسلوب المحتل الوحشي والغير أخلاقي والذي يتنافى كليا مع ما روج له (كمحرر!) كما يدعي في التعامل مع الشخصية العراقية والعائلة والعشيرة والقرية والحي والمدينة..
وظهر على الساحة العراقية تنظيم مقاوم جديد من نوع لم يألفه العراقيون..وهو تنظيم القاعدة والذي يمتاز بقوة كبيرة في التمويل والصرف والبأس في تنفيذ العمليات التي بدأت بالامريكان ثم اتجهت شيئا فشيئا لتستهدف كل المجتمع العراقي بدون تفريق بين الابرياء والمجرمين وتركزت عملياتهم النوعية على تفجيرات انتحارية تحصد المئات من الاطفال والنساء والشيوخ والابرياء والبسطاء من الناس لمجمعات سكنية وجامعات وأسواق ومساجد وكنائس ومدارس في حين ينعم الامريكان وقادة الاحزاب والمتسلطين على رقاب الشعب بالامان والتندر بأنه لاتوجد مقاومة (شريفة!) في العراق وان ما يجري من عمليات تفجيرية للاطفال والنساء ما هو الا مسلسل ارهابي مكمل (لممارسات النظام السابق!) وما موجود من مقاومة في العراق ما هو إلا إرهاب!..
وعلى الرغم من ان الحزب وقبل أن تظهر أولى بوادر إنهيار شعبية تنظيمات القاعدة بمدة طويلة تنبأ بأن هنالك تخطيط متقن ومدروس لقوات الاحتلال الأمريكي والقوات الحكومية العميلة التي نصبها للأيقاع بهذه التنظيمات في هوة الانحراف وذلك من خلال تمجيد دورها واعطاؤه حجما يفوق قدراتها الحقيقية من جهة ومن ثم تشجيعها على القيام بأعمال تفجيرية تستهدف المرافق الخدمية والاقتصادية والدينية والمدنيين والعزل من الناس وتجريد هذه التنظيمات من العلاقة التي تربطها بهذه الشرائح المختلفة التي إستخدمتها كحاضنة لها خلال السنوات الماضية ليتسنى لها الاستفراد بها والعمل بجدية للوصول الى الصيغة الأكثر فعالية في تصفيتها من جهة وإستخدام نتائج عملياتها للإساءة لسمعة المقاومة الوطنية العراقية وتوصيف عملياتها بانها إستهداف للمدنيين والأطفال والنساء..
ومن أكبر الخطايا التي إرتكبها هذا التنظيم على الساحة العراقية والعربية هي ثلاث أخطاء قاتلة ضيعت فرصته في إقناع قواعده التي لاتفهم كل اللعبة وأنهت وجوده في الساحة العراقية رغم كل التحليلات التي تقف معه او ضده وهذه الأخطاء هي :
الاول: تصديقه للكذبة الامريكية في تمجيد دوره وجعله العدو الأول للأمريكان في العراق وكونه يمثل محور المقاومة العراقية التي تتصدى للامريكان مما جعله يتخطى حقيقة وجود القوة الفاعلة الحقيقية على الارض العراقية..هذه القوة التي لها اهدافها الوطنية والتحررية والمرتبطة بمنهج وعقيدة في حين يعتمد تنظيم القاعدة على نهج إيقاع أكبر عدد من الخسائر بهم أينما كانوا..
والثاني : تمادي هذا التنظيم في مسايرة الخدعة الامريكية بضربه للأهداف المدنية والاسواق والمدارس ودور العبادة وتحويل الصراع مع المحتل من صفته الوطنية الى صفة طائفية وأنعكس ذلك على عملياته مما أثر بشكل مباشر على سمعة المقاومة وأهدافها السامية ونضالها الحقيقي وعملياتها البطولية من جهة وفقدان هذا التنظيم للتأييد الشعبي..
والثالث : هو نظرته لتنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي المقاتلة في الميدان والهجمة على الحزب والتي كانت تثير الكثير من التساؤلات حول مغزى وهدف معاداة الحزب..هذا الحزب الذي ضحى وقدم قوافل الشهداء من خيرة قياداته وكوادره ومناضليه في مواجهة الغزو الامريكي الغير شرعي والظالم للعراق وتحطيم الدولة العراقية ونضاله المستمر والمتواصل ضد الغزو الأمريكي والمروجين لمشروعه ممن جاءوا معه ولحد الآن من أجل تحرير العراق.هذا الحزب الذي قاتل الأمريكان والمحتلين بصدور مناضليه..ومعاداته من قبل فصائل تدعي انها تحارب المحتل أمر يثير الاستغراب ويصيب المحلل بالذهول ويجبره على التفكير بالاسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الهجمة ويجعل المتتبع في احيان كثيرة في حيرة من أمره سيما وإن الحزب كان ومازال لا يشكك ولايطعن بأي جهد يستهدف الأحتلال وأدلاءه..
وحتى قبل العدوان يعرف القاصي والداني أن أحدى مبررات الولايات المتحدة واجهزتها الاستخبارية في اتهام النظام الوطني العراقي بالوقوف مع القاعدة ودعمها كان نابعا من موقف قيادة الحزب والثورة التي رفضت في حينها التهجم على هذا التنظيم..فكيف يحق لهم اليوم أن يكفروا مناضلي الحزب ويتهمونهم بما يتهمهم الصغير والحكيم والمالكي وبوش؟؟!!..
ولعل من المواقف التي تثير الأستغراب أيضا هي المواقف اللامسؤولة لبعض هذه التنظيمات وتصريحاتها للاعلام لكي تحاول بشتى الوسائل ان تبين عدم وجود أي صلة لها مع حزب البعث العربي الأشتراكي وفي محاولة مكشوفة لإستمالة المحتل الامريكي وبما يشعر المتتبع بحتمية وجود علاقة بينها وبين المحتل في الدعوة لضرب الحزب ومناضليه وتقويض وحدة المقاومة الوطنية وتشتيت الجهود والإمكانات وتمكين المحتل من الاستفراد بالقوى الوطنية المقاومة كل على حدة..خاصة وان المعلن والمخفي هو ان العدو الأول للأمريكان وإيران والحكومة الحالية هو البعث ورجال النظام السابق وان الغزو والعدوان والإحتلال الذي تعرض له العراق كان المقصود به الاطاحة بهذا النظام والسعي لتدمير الحزب وأهدافه ومنجزاته دليلا على النهج القومي والوطني له وما يمثله من تهديد جدي لكل المخططات الرامية للنيل من الدور الحضاري والاساسي الذي تقوم به الامة العربية في تأثيرها على الانسانية.
فمن يعادي الحزب فهو يعادي الوطنية العراقية والفكر القومي ودور الأمة العربية..
لذلك فان هذا الموقف المثير للاستغراب للقاعدة ولبعض القوى المشاركة في المقاومة في معاداة الحزب والنظام السابق يجعل القوى التحررية المنصفة تتسائل عن الدوافع والاسباب وللحد الذي يجعل المناضلين في الحزب والدولة الشرعية وضباط الجيش والاجهزة الامنية الشرعية يفكرون باحتمالات كثيرة لعل في مقدمتها التحليل الذي يقود الى استنتاج هام يعتمد على الحقيقة المطلقة التالية :
(ان الذي يتفق مع جهة ما على مناصبة جهة اخرى العداء فلا بد انهما يقفان في خندق واحد واذا وجدت ثلاث قوى متحاربة فمن غير المعقول ان تتقاتل هذه الجهات فيما بينها وهدفهم الاساسي والنهائي هو هدف واحد..الا اذا كان هنالك دوافع ذاتية تقف وراء السعي لتحقيق الهدف!)..
فما هو الهدف الذي يجمع هذا التنظيم للاتفاق مع المحتل الذي تحاربه ومع توجه الحكومة التي يفترض أنها إحدى أهدافه في معاداة الحزب وإستهداف مناضليه قي وقت يدعي المحتل والحكومة أن حزب البعث هو أساس تنظيم القاعدة!!..
ويعرف كل من المحتل والحكومة والقاعدة أن الذي يمكن أن يجمع الحزب مع القاعدة شيء واحد فقط وهو إضعاف المحتل والنيل منه..عدا ذلك فكل شيء تؤمن به القاعدة وتتصرف بموجبه لا يلتقي مع الحزب وتوجهاته وفكره وجهاده ونضاله..خاصة بعد تيقن كل الجهات من ان تنظيم القاعدة يتلقى العون والاسناد من إيران!!..ومن هنا يستنتج المتابع لماذا يقف تنظيم القاعدة موقفا عدائيا من البعث والنظام الشرعي الوطني..
وقد تنبا الحزب منذ مدة طويلة بان نهاية هذا التنظيم ستكون من داخله قبل ان تتمكن السلطة والقوات الامريكية من تحطيمه..وبعد ان وصل الى مرحلة من الضعف ظهرت تنظيمات الصحوة لتكون الأداة الأمريكية والحكومية المستحدثة وبثوب جديد لتنحر هذا التنظيم في وقت بقي البعث شامخا وقويا وبقت تشكيلات المقاومة منيعة على مخططات العداء وعصية عليهم..
وهو درس جديد لكل الدخلاء الذين يزايدون على شرعية الوطنية العراقية ومقاومتها البطلة وضميرها النابض حزب البعث العربي الإشتراكي..ولكل من يراهن على قوة الحق ويبني لنفسه مجدا من كثبان الرمال العراقية..
السبت 6 رمضان 1429 / 6 أيلول 2008